حرية – (18/7/2024)
غالب درويش
بينما تعول الأسواق النفطية على تحسن الطلب العالمي على النفط في النصف الثاني من عام 2024، ما زال الطلب الصيني عند أدنى مستوياته وسط تباطؤ اقتصادي في الربع الثاني من هذا العام.
وتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمال للصين في الربع الثاني من 2024 إلى 4.7 في المئة، فيما كانت التوقعات تشير إلى نمو ثاني أكبر اقتصاد في العالم 5.1 في المئة.
وفي اتجاه هبوطي، تراجع الطلب الصيني على النفط اثنين في المئة ليصل إلى 11.08 مليون برميل يومياً في الربع الثاني من العام مقارنة بـ11.28 مليون برميل يومياً في العام الماضي.
نمو مخيب للآمال
وبحسب التقرير الأخير لوكالة الطاقة الدولية حول توقعات الطلب في أسواق النفط، أفاد بأن نمو الطلب العالمي على النفط يواصل تباطؤه وسط استهلاك صيني مخيب للآمال، إذ نما الطلب الصيني بمقدار 710 آلاف برميل يومياً فحسب في الربع الثاني من عام 2024 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، في أبطأ نمو منذ الربع الرابع من عام 2022.
وذكرت وكالة الطاقة أن استهلاك الصين من النفط انكمش في أبريل (نيسان) ومايو (أيار) الماضيين، وعام 2023 شكّل الطلب الصيني 70 في المئة من إجمال الزيادة في الطلب العالمي وسينخفض إلى 40 في المئة عامي 2024 و2025.
وأبقت الوكالة على توقعاتها لنمو الطلب العالمي عند 970 ألف برميل يومياً في 2024 و980 ألف برميل يومياً في 2025، وهو أقل بكثير من تقديرات “أوبك” لنمو الطلب العالمي على النفط عند 2.2 مليون برميل يومياً في 2024 و1.8 مليون برميل يومياً في 2025.
تصاعد المخاوف
وتتصاعد المخاوف حيال استمرار تباطؤ الاقتصاد وسط ضعف الطلب الاستهلاكي في أكبر مستورد للنفط في العالم، إلا أن محللين نفطيين قالوا لـ”اندبندنت عربية” إن الصين هي المحرك الأساس لنمو الطلب على النفط في آخر عقدين.
المحرك الأساس لنمو الطلب
وحول هذا الأمر، قال المتخصص في الشؤون النفطية كامل الحرمي إن “الصين كانت وما زالت المحرك الأساس لنمو الطلب العالمي على النفط، وأدى تعاظم دورها إلى أن تصبح أكبر مستورد للخام في العالم، لذلك فإن ظهور علامات على ضعف نمو الطلب الصيني يؤثر بالتأكيد في أسواق الخام”، موضحاً أن “الطلب الصيني وصل إلى ذروته تقريباً، بالتالي يتجه نحو التباطؤ في النمو خلال النصف الثاني من العام الحالي”.
أدوار مختلفة
وشرح الاقتصادي المتخصص في مجال الطاقة أنس الحجي من جهته أن “الصين قامت بأدوار مختلفة في أسواق النفط خلال الأعوام الـ20 الماضية، وكانت كلها أدوار مهمة، وهي تاريخياً من كبار الدول المنتجة، إلا أن أثرها الكبير بدأ عندما تحولت إلى مستورد صافٍ للنفط في بداية الألفية وأصبحت أكبر مستورد للنفط في 2013، وأكبر مستورد للنفط في العالم منذ عام 2017، ويبلغ استهلاكها حالياً نحو 15 مليون برميل يومياً”.
وأضاف أن “تعاظم دور الصين أدى إلى أن تصبح أكبر مستورد للنفط في العالم وثاني أكبر مستهلك وصاحبة أكبر مخزون نفطي في العالم، فإنها باتت تنافس دول أوبك في التأثير في أسواق النفط”.
وتابع أنه “منذ نحو 10 أعوام وحتى الآن أصبح واضحاً أن الصين تخزن النفط عندما تكون الأسعار منخفضة، ثم تسحب من المخزون مع تجاوز أسعار خام برنت 70 دولاراً للبرميل، مما يعني أنه في بعض الأحيان تصبح مؤثرة في أسواق النفط أكثر من الدول المنتجة”، موضحاً أن “الحقيقة أن السبب الذي منع أسعار النفط من الوصول إلى 100 دولار عام 2021 والعام الحالي هو السحب الكبير من المخزون. أضف إلى ذلك أن الصين تقوم بدور كبير في شراء النفط الإيراني والروسي، وكلاهما يخضع لعقوبات أميركية وأوروبية. وبعضهم ينظر إلى تصرف الصين على أنه سيئ لأنها تتجاهل العقوبات، ولكنها في الحقيقة تسدي خدمة كبيرة للعالم، خصوصاً لإدارة الرئيس جو بادين في سنة انتخابية لأنها لو لم تستهلك النفط الروسي والإيراني لنافست أوروبا على ما تبقى من نفط وارتفعت أسعاره بصورة كبيرة”.
أكبر مستورد في العقدين الماضيين
وقال الرئيس التنفيذي لمركز “كوروم للدراسات الاستراتيجية” في لندن طارق الرفاعي إن نمو الطلب العالمي على النفط خلال العقدين الماضيين جاء معظمه من الصين، مما يؤكد أهميتها كأكبر مستورد ومستهلك للخام في العالم بالنسبة إلى أسواق النفط،
وأضاف أن “أي ضعف محتمل أو انخفاض في الطلب من جانب الصين أو الهند سيؤثر بطبيعة الحال في السوق النفطية”.
وأشار إلى أن تباطؤ الطلب الصيني المتوقع في النصف الثاني من هذا العام يمثل تغييراً واضحاً وإعادة هيكلة في معادلة الاستهلاك العالمي للخام، مما يؤثر في مستويات الطلب على الخام والأسعار في المستقبل القريب.
وأوضح أن السوق النفطية وصلت إلى ذروتها من ناحية الطلب الصيني تقريباً، بالتالي تتجه نحو التباطؤ في النمو خلال النصف الثاني من العام الحالي.
أمر طبيعي
وفي السياق، قال المحلل النفطي خالد بودي إن التراجع في الطلب على النفط من الصين لا يتعدى ثلاثة في المئة، وهذا أمر طبيعي، إذ إن التغير في حجم الطلب بحدود خمسة في المئة أو أقل ليس له تأثير يذكر في أسواق النفط والأسعار.
ولفت إلى ارتفاع الطلب عام 2023، ولكن هناك أيضاً زيادة في المخزون النفطي في الصين، إلا أن الاقتصاد الصيني ما زال في نمو، لذا فمن غير المتوقع حدوث تراجع حاد في الطلب على النفط، بل من المرجح أن يعود الطلب لمستوياته الطبيعية ونمو في الطلب بنسبة خمسة في المئة في الأقل عن عام 2023 مع نهاية النصف الثاني من العام الحالي.
ماذا عن النفط الأميركي؟
في جانب آخر وعلى رغم التركيز الكبير على التحول إلى الطاقة النظيفة، يشهد قطاع النفط الأميركي ازدهاراً، إذ يستخرج مزيداً من النفط الخام من صخور الصخر الزيتي التي تقع تحت الأرض في غرب تكساس أكثر من أي وقت مضى.
فبعد أعوام من الخسائر في عمليات الحفر الأفقي والتكسير الهيدروليكي، حققت الشركات التي ساعدت الولايات المتحدة على أن تصبح المنتج العالمي الرائد للنفط تحولاً مالياً وتحقق الآن أرباحاً قوية، فيما وصلت أسهم بعض شركات النفط والغاز مثل “إكسون موبيل” و”دايموندباك إنيرجي” إلى مستويات قياسية أو قريبة منها.
ويعود انتعاش الصناعة بعد الخسائر الفادحة خلال جائحة “كوفيد-19” إلى حد كبير لقوى السوق، على رغم أن حرب روسيا في أوكرانيا ساعدت أيضاً في إنعاشها. وبلغ متوسط أسعار النفط الأميركية نحو 80 دولاراً للبرميل منذ أوائل عام 2021، مقارنة بنحو 53 دولاراً في السنوات الأربع التي سبقت ذلك.
وتقول صحيفة “نيويورك تايمز” إن قوة الأسعار والطلب على النفط تشير إلى أن التحول إلى الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية سيستغرق وقتاً أطول ويكون أكثر تذبذباً مما كان يأمل فيه بعض نشطاء المناخ وقادة العالم.
وتشير الصحيفة إلى أن نجاح شركات النفط ليس نتيجة لارتفاع الأسعار فقط، فتحت ضغط من “وول ستريت” لتحسين العوائد المالية، تخلت الشركات التي نجت من انهيار أسعار النفط في 2020 بصورة عامة عن استراتيجية النمو المعتمدة على الديون التي دفعت طفرة الصخر الزيتي الأميركية.
العالم سيغرق في النفط الخام بحلول عام 2030
وأدت أسعار الغاز المتدنية إلى زيادة استياء كثير من القادة التنفيذيين وكذلك الرئيس بايدن الذي قام هذا العام بتعليق موافقات محطات تصدير الغاز الطبيعي الجديدة. وخلال يوليو (تموز) الجاري، أمر قاضٍ برفع التوقف الذي فرضته إدارة بايدن، على رغم أن المحللين قالوا إن الحكم من المحتمل أن يكون له تأثير محدود في الوقت الفوري، وحتى في أفضل الظروف، تستغرق المحطات الجديدة أعواماً عدة للتخطيط والحصول على التصاريح والبناء.
وأكد الرئيس التنفيذي لــ”ليبيرتي إنيرجي” كريس رايت، وهي شركة خدمات حقول النفط أنه “على المدى القصير، كان بايدن أفضل بالنسبة إلى صناعتنا”.
وقالت الاستشارية سوزي بويد، ومقرها ميدلاند والتي تساعد منتجي النفط والغاز في بيع منتجاتهم “نحتاج إلى هذه المحطات بشدة الآن لإيجاد سوق للغاز”.
ومع ذلك، فإن كثيراً ممن يكسبون عيشهم من ضخ النفط والغاز يشعرون بالغضب من خطاب بايدن وسياساته المناخية ويشعرون بالقلق من أن فترة ولاية أخرى له أو لأي ديمقراطي آخر من المحتمل أن تضر بأعمالهم على المدى الطويل.
وأوضح المتحدث باسم البيت الأبيض أنجيلو فرنانديز هيرنانديز إن إنتاج الطاقة المحلي القياسي في عهد بايدن عزز النمو الاقتصادي، مشيراً أيضاً إلى أن الولايات المتحدة تعدّ حالياً أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، وقال “منذ اليوم الأول، قاد الرئيس توسعاً غير مسبوق في إنتاج الطاقة النظيفة بينما يعمل على خفض الأسعار للعائلات الأميركية”.