حرية – (20/7/2024)
سنا الشامي
قبل أيام على انطلاق المؤتمر الوطني الجمهوري وقبول الرئيس السابق دونالد ترمب مرشحاً عن الحزب للمرة الثالثة منذ عام 2016، تعرض ترمب لمحاولة اغتيال السبت الماضي خلال تجمع انتخابي حاشد في ولاية بنسلفانيا، وأثارت رشقات الرصاص التي أطلقت بهدف قتله حالة من الذعر، وسارعت الخدمة السرية إلى محاصرة وإحاطة المرشح ترمب الذي أصيب في أذنه.
هذه الحادثة طرحت تساؤلات حول غياب المنصة للزجاج المضاد للرصاص فهل يحتاج الرؤساء ومرشحو الرئاسة والمسؤولون في أميركا وباقي دول العالم إلى مثل هذا الإجراء؟ أم أنه خاص بالرئيس حصراً؟
لأسباب أمنية يعد من المستحيل معرفة التركيب الدقيق للزجاج الأمني الرئاسي
حماية الرؤساء
من تابع أحد مراسم تنصيب الرؤساء الأميركيين الماضية سيلاحظ أن الرئيس يلقي خطاب تنصيبه خلف جدار يبدو وكأنه زجاج عادي، لكنه في الواقع عبارة عن نوع من الزجاج المضاد للرصاص، وهو مصمم لحماية الرئيس الجديد من محاولات الاغتيال أثناء إلقائه خطابه في العلن أمام عديد من الأشخاص.
استخدم الزجاج المضاد للرصاص لحماية الرؤساء منذ عام 1941 عندما أصبح الرئيس روزفلت أول رئيس يستخدم سيارة مضادة للرصاص، والتي كانت في الأصل مملوكة لرجل العصابات آل كابوني. وقبل اغتيال جون كينيدي لم يعتد أن يسافر رؤساء الولايات المتحدة في مركبات مدرعة، لكن اغتياله عام 1963 غير نوع الحماية، إذ بدأ الرؤساء يتنقلون في سيارات مدرعة ومصفحة، فقد استخدمت هذه السيارات زجاجاً سميكاً وثقيلاً ومقاوماً للرصاص في نوافذها، كما كانت هياكل السيارات نفسها مدرعة بصورة كبيرة.
إلا أن أول مثال لرئيس يقف خلف زجاج مضاد للرصاص فكان في زمن رونالد ريغان أثناء إلقائه خطاباً من فوق جدار برلين عام 1987، حين وقف الرئيس الأميركي أمام بوابة “براندنبورغ” وهو محمي خلف لوحين كبيرين من الزجاج المضاد للرصاص، ومنذ ذلك الحين ظهرت أنواع مختلفة من الحواجز الباليستية المستخدمة لحماية الرؤساء أثناء إلقائهم الخطب في العلن، وأثناء وجودهم في الولايات المتحدة أو خلال سفرهم وتحدثهم في الخارج.
فيما يبدو للمدقق في الصور ومقاطع الفيديو التي التقطت لحفل تنصيب الرئيس السابق باراك أوباما أنه كان محمياً بالنوع نفسه من الزجاج الذي استخدم في التسعينيات، وهذا يوضح أن الرئيس والزجاج المضاد للرصاص أصبحا لا ينفصلان في الظهور العام، إذ يكون خطر الهجوم مرتفعاً، ولذلك في الوقت الحاضر، سواء كان الرئيس يتولى منصبه أو يسافر في موكب سيارات، أو يلقي خطابات في الخارج، فإنه يكون محمياً دائماً بزجاج أمان مقاوم للرصاص.
استخدم الزجاج المضاد للرصاص لحماية الرؤساء منذ عام 1941
تركيب الزجاج المضاد للرصاص
ولأسباب أمنية يعد من المستحيل معرفة التركيب الدقيق للزجاج الأمني الرئاسي، ولكن تستخدم عبارة الزجاج المضاد للرصاص عادة لوصف مادة توفر مستوى معيناً من المقاومة ضد التهديدات الباليستية، ومع ذلك فهذه تسمية خاطئة بالنسبة إلى المتخصصين، فبحسب رأيهم لا يمكن لأية مادة أن تحمي تماماً من جميع أنواع الرصاص، وبغض النظر عن مدى جودة تصميم المادة أو مدى ارتفاع مستوى حمايتها، فإن الزجاج سيفسح المجال في النهاية لهجوم من أسلحة متطورة، إذ يختلف سمك الزجاج المقاوم للرصاص ليراوح ما بين 7 و75 ملليمتراً، وتختلف قوة تحمله اعتماداً على نوع السلاح، فمثلاً الرصاصة الناتجة من المسدس تختلف في قوتها عن الرصاصة الناتجة من البندقية أو عن القناص، ولكن عند إطلاق الرصاص على هذا الزجاج فإن الرصاصة تكون بسرعة عالية جداً تتعدى 1250 كيلومتراً في الساعة وتدور دوراناً محورياً حول نفسها فتخترق الطبقة الخارجية من الزجاج وتصطدم بالطبقة الثانية من البولي كربونات، والتي تعمل على امتصاص الطاقة من الرصاصة فتضعف قوتها تدريجاً إلى أن تخترقها وصولاً إلى الطبقة الثالثة، وبالطريقة نفسها حتى تفقد الرصاصة كامل قوتها لتصبح بلا خطورة. ففي الواقع لا يوجد زجاج مضاد للرصاص ولا يصنع دائماً من الزجاج، فمعظم منتجات الزجاج المقاوم للرصاص مصنوعة في الواقع من البولي كربونات أو الأكريليك أو البولي كربونات المغلف بالزجاج، ويعتمد مستوى الحماية المقدمة على المادة المستخدمة، وكيفية تصنيعها، وكذلك سمكها.
بعد اغتيال جون كينيدي عام 1963 بدأ الرؤساء يتنقلون في سيارات مدرعة ومصفحة
صدف اكتشاف تاريخية
وقد ظهر أول مثال للزجاج الصلب في أوائل القرن الـ17 عبر قطرات الأمير روبرت، إذ كانت هذه القطرات في صورة دمعة مصنوعة من زجاج منصهر أسقط في ماء بارد، مما تسبب في تبريد الزجاج الساخن بسرعة، والنتيجة هي قطرات زجاجية نقية يمكنها تحمل قوى لا تصدق، حتى إن ضربها بقوة بمطرقة لا يسبب أي ضرر على الإطلاق.
كانت قطرات الأمير روبرت ظاهرة اكتشفت للمرة الأولى وأهداها الأمير إلى الملك الإنجليزي تشارلز الثاني الذي بدوره سلمها إلى الجمعية الملكية لدراستها. ومع ذلك لم تخدم أي غرض عملي، إلا أنها ساعدت في إثبات أن الزجاج ليس بالضرورة هشاً دائماً.
وفي عام 1903 اكتشف الزجاج الرقائقي من طريق الصدفة حين أسقط الكيماوي الفرنسي إدوارد بينيديكتوس كأساً زجاجية على الأرض، فقد كانت الكأس تحوي نترات سائلة، وعندما سقطت القارورة لاحظ شيئاً غير عادي، فالزجاج لم يتحطم. كما لاحظ إدوارد أن الزجاج كان مغطى بطبقة بلاستيكية رقيقة، فأدرك أن الفيلم كان مصنوعاً من نيترات السائل التي كانت تحملها القارورة. وانطلاقاً من هذا الاكتشاف الذي حدث بالصدفة حصل إدوارد على براءة اختراع للزجاج الرقائقي عام 1903، واستخدمت المادة الواقية في الحرب العالمية الأولى للمساعدة في توفير الحماية للمركبات العسكرية في ساحة المعركة، كما استخدم أيضاً في أقنعة الغاز.
الرئيس والزجاج المضاد للرصاص أصبحا لا ينفصلان في الظهور العام
طبقات الحماية
تطور الزجاج الرقائقي والزجاج المقسى باستمرار لجعل الزجاج أقوى وأكثر أماناً، وعلى رغم أن كليهما يمكن أن يكون من أنواع الزجاج المقاوم للرصاص، فإنهما لا يستطيعان إيقاف الرصاصة تماماً. ومع ذلك يمكن استخدام كليهما لإنشاء طبقات من الزجاج يمكنه إيقاف الرصاصة، مما يساعد في حماية الأشخاص المعرضين لخطر الهجوم.
وفي عام 1982 منحت أول براءة اختراع للزجاج الباليستي، لكن سبقها بعام بعد تعرض البابا يوحنا بولس الثاني لمحاولة اغتياله تجهيز سيارته بزجاج مضاد للرصاص، قرر متحف اللوفر استخدام زجاج مضاد للرصاص لحماية لوحة الموناليزا عام 1956 بعد أن ألحق المجرمون الضرر بها، وقد حافظ عليها منذ ذلك الحين، سواء داخل متحف اللوفر أو عند إعارتها لمعارض أخرى. وقد أثبت هذا القرار فائدته عام 1974، ومرة أخرى عام 2009 عندما حاول مهاجمون آخرون الإضرار باللوحة.