حرية – (29/7/2024)
ما كانت كامالا هاريس لتأمل أن تسمى يوماً مرشحةً للرئاسة الأميركية، لو لم يتلعثم رئيسها جو بايدن في مناظرة 27 حزيران (يونيو) ويشرد، فيضطر بعد تردد إلى الانسحاب من السباق إلى البيت الأبيض. مثّل هذا الأمر منعطفاً “تاريخياً” في حياتها السياسية، وهي التي عانت مراراً من أن حزبها نفسه لم ينظر إليها بالجدية التي تظن أنها تستحقها.
اليوم، تجد هاريس نفسها أول امرأة من أصول أفريقية وآسيوية تدق أبواب المكتب البيضاوي، بعدما كانت – فحسب – أول امرأة من أصول أفريقية وآسيوية تشغل منصب نائب الرئيس.
التغيير وقاعدته
هذا تغييرٌ كبيرٌ في المزاج السياسي الأميركي، يفوق بمراحل ذاك التغيير الذي أتى بالديموقراطي باراك أوباما رئيساً. وهذا التغيير يحتاج إلى قاعدة دعم صلبة. تقول “نيوزويك” إن هاريس قد تحتاج إلى دعم قوي من الناخبين من “الجيل Z” إن كانت تأمل أن يصل تغييرها إلى خواتيمه السعيدة بهزيمة المرشح الجمهوري دونالد ترامب، علماً أن الناخبين الأصغر سناً دعموا الديموقراطيين تاريخياً. كما يرى ستيفي أوهانلون، مدير الاتصالات في مجموعة الناشطين المناخيين بقيادة الشباب “Sunrise Movement” لموقع “ذي هيل”: “محتمل أن يكون ترشح هاريس دافعاً للتغيير في نسبة إقبال الناخبين الشباب حتى تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل”.
ويبدو أن “الجيل Z” يؤدي دوراً مهماً في تشكيل الرأي العام الذي يحمل بذور هذا التغيير. فهذا جيل نشأ في عصر الرقمنة والتنوع الثقافي، يعبّر عن اهتمامه الكبير بقضايا المساواة والعدالة الاجتماعية، ويُعبر بطرقه المبتكرة عن دعمه مرشحاً ومعارضته آخر. يقول المحلل السياسي كريغ أغرانوف لـ”نيوزويك”: “لدى هاريس القدرة على التواصل الكبير مع الناخبين من هذا الجيل بموقفها من قضايا رئيسية تلقى صدى لدى الأجيال الشابة”.
وهذه معادلة بطرفين نشطين. فمن يبحث اليوم في منصات التواصل الاجتماعي، يلاحظ تصاعداً في تفاعل “الجيل Z” مع حملة هاريس الانتخابية، تغلب عليه الطرافة المبتكرة. وفي الأيام الأربعة التي انقضت منذ أن غادر بايدن المشهد الانتخابي وحلت هاريس محله، انفجرت الشبكة العنكبوتية بميمات تمثلها وهي تضحك وترقص وتروي دعابات وقصصاً فكاهية.
شقية بإيقاعات كهربائية
على منصات مثل “تيك توك” و”إكس”، يقوم المستخدمون من “الجيل Z” بإنشاء ومشاركة محتوى لهاريس يضيفون إليه ألواناً زاهية وإيقاعات موسيقية كهربائية، ويمزجونها أحياناً مع لوحات “بوب آرت” مختلفة.
فمثلاً، في مقطع فيديو متداول تداولاً غير رسمي على “تيك توك”، تظهر هاريس مبتسمة في الشارع ترافق أطفال المدارس مرتدية سترة لامعة وحاملة مظلة. وينتقل المقطع بعد ذلك إلى صور لدونالد ترامب مع المعتدي الجنسي السيئ السمعة جيفري إبستين، كل ذلك على أنغام أغنية لمغني الراب كندريك لامار.
تصف بعض التعليقات الميمية الأكثر شعبية هاريس بأنها “شقية”، في إشارة إلى ألبوم مغنية البوب تشارلي إكس سي إكس الذي حقق نجاحاً كبيراً في هذا الصيف، والذي يضطر “الجيل Z” في جميع أنحاء الولايات المتحدة وأوروبا إلى شرحه لمن هم أكبر سناً.
“ليس في ذلك إهانة”، كما تقول المغنية، مضيفة أنها تشير إلى تلك الفتاة الفوضوية قليلاً والتي تحب الاحتفال وربما تقول بعض الأشياء الغبية في بعض الأحيان. انتشر منشور تشارلي إكس سي إكس عن هاريس على نطاق واسع، فتبنت حملة نائبة الرئيس الأميركي شعار “برات”، حيث غيرت لون وخط حساب “إكس” الخاص بها إلى لون وخط ألبوم المغنية، وهذه دعابة لقيت استحساناً واسعاً لدى “الجيل Z”.
طاقة لم نشهدها من قبل
حين تسأل خبراء رسم استراتيجية الحزب الديموقراطي، يجيبون أن هذه الميمات “إيجابية”، وهي جزء من موجة جديدة من الحماسة يقودها الشباب، والتي فشل بايدن، أكبر مرشحي الحزب سناً في تاريخ أميركا، في حشدها.
أنتجوان سيورايت، أحد هؤلاء الخبراء، يقول لصحيفة “فايننشال تايمز”: “إننا نشهد طاقة واهتماماً ومشاركة لم نشهدها من قبل”، مؤكداً أن الناخبين من الشباب هو أحد أهم العوامل التي ستساعد الحزب الديموقراطي على المضي قدماً في حملة هاريس الانتخابية.
فعلى الرغم من أن بايدن حصل على 59 في المئة من الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً في عام 2020، فإن استطلاع رأي أجرته مؤسسة “YouGov/Yahoo News” قبل انسحابه من السباق الانتخابي أظهر أن تأييده انخفض إلى 43 في المئة، مقابل تأييد 31 في المئة من الفئة العمرية نفسها لترامب.
إقبال مفاجئ
يُظهر تحليل لشعبية هاريس على “تيك توك” قفزة حديثة في استخدام هاشتاغ “#kamalaharris”، حيث ارتفعت الإشارات 455 في المئة في 30 يوماً ماضية. سارعت حملتها إلى الاستفادة من هذه الضجة على الإنترنت، من خلال إنشاء ميمات تشير إلى “XCX” وفنانين آخرين يتمتعون بشعبية لدى “جيل Z”، مثل تشابيل رون.
بالفعل، هناك أدلة إلى أن الحماسة على وسائط التواصل الاجتماعي يمكن أن تترجم إلى دعم ملموس. ففي 48 ساعة أعقبت انسحاب بايدن من السباق، قالت منظمة Vote.org غير الربحية لتسجيل الناخبين، إنها سجلت 40,000 ناخب جديد، تتراوح أعمار 83 في المئة بين 18 و34 عاماً. إننا في “منطقة الجيل Z” العمرية!
وقالت مجموعة “ناخبو الغد” (Voters of Tomorrow) المدافعة عن حقوق “الجيل Z” السياسية إنها شهدت تسجيل عدد أكبر من الناخبين منذ أن بدأت هاريس حملتها الانتخابية مقارنة بالشهرين السابقين، كما شهدت لجنة العمل السياسي التابعة لها أن يومك الأحد الماضي كان أفضل يوم لجمع التبرعات، حيث جمعت نحو 125,000 دولار.
حسناً. ماذا يرى هذا الجيل في هاريس هذه؟ إنها من دون شك تقف إلى يسار بايدن في بعض القضايا السياسية الحاسمة التي تروق للناخبين الشباب: التغير المناخي، وإعفاء الطلاب من الديون، والحرب في غزة، وحقوق الإنجاب…
هذا الجيل لا يطيق التمييز والتنمر، من أي جهة أتى. وإقباله على دعم هاريس طبيعي بعدما شاعت منشورات عنصرية ضدها، يعيد أحدها إلى الأذهان مؤامرة “بيرثر” بشأن باراك أوباما، من منطلق أن ولادتها من أبوين مهاجرين، يحرمها أن تكون “مواطنة طبيعية”، وبالتالي هي غير مؤهلة لتولي منصب الرئيس أصلاً.