حرية – (30/7/2024)
محمد الجبوري
علت أصوات حقوقيين ومدونين في مواقع التواصل الاجتماعي ضد تعديل قانون الأحوال الشخصية في العراق، الذي تحاول القوى المنضوية في “الإطار التنسيقي” فرضه في بلد متنوع دينياً وثقافياً، فأجبرت البرلمان العراقي على تأجيل البت فيه، إذ كان ذلك مقرراً في جلسة الأربعاء الماضي.
وأطلق ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي وسم “لا لتعديل قانون الأحوال الشخصية”، من منطلق أن هذا التعديل يخصص محكمة لكل طائفة، ويلغي القوانين المدنية لصالح “مدوّنة شرعية” يدونها الوقفان الشيعي والسني لإصدار الأحكام، ويشرّع زواج القاصرات، ويصادر حقوق المرأة.
نصوص جدلية
يحمل القانون الحالي نصوصاً مثيرة للجدل، جاء فيها أن للأم الحق في حضانة ولدها وتربيته حال الزواج وبعد الانفصال، ولا تسقط هذه الحضانة بزواج الأم المطلّقة. غير أن التعديل الجديد يسلب الأم المطلّقة حقها في حضانة ولدها إن تزوجت، وللولد المحضون الحق في اختيار من يشاء الإقامة معه عند بلوغه السابعة، فيما كان القانون قبل التعديل يؤجل هذا الاختيار حتى بلوغه الخامسة عشرة.
وبحسب القانون الساري اليوم، الصادر في العام 1959، يكون التفريق بين الزوجين وفقاً للقانون المدني، إلا أنّ التعديل المقترح يرد التفريق إلى الفقه السني أو الفقه الشيعي، بحسب اختيار الزوجين. وفي حال لم يكن للزوجة مذهب فقهي للاحتكام إليه، تعتمد المحكمة مذهب الزوج بما يتعلق بالحقوق.
ويُذكر أن الفقرة الأولى من المادة السابعة من القانون الحالي، تشترط بلوغ الزوجين 18 عاماً لعقد قرانهما، أو 15 عاماً بإذن من القاضي، بحسب “البلوغ الشرعي”. وفي العام 2014، أثار مشروع لقانون الأحوال الشخصية الجعفري، تقدم به وزير العدل آنذاك حسن الشمري، سخط منظمات المجتمع المدني، إذ أجاز تزويج الطفلة تحت 9 أعوام.
مدونة شرعية!
وراء هذه الجدلية رائد المالكي، عضو اللجنة القانونية النيابية في البرلمان. يقول إنّ مقترح تعديل القانون مطابق لأحكام المادة 41 من الدستور، التي تنص على أنّ العراقيين أحرار في التزامهم أحوالهم الشخصية بحسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم، وينظم ذلك بقانون، ويعطي العراقيين الحرية في أن يختاروا تطبيق أحكام قانون الأحوال الشخصية النافذ (قانون 188 لسنة 1959) أو أحكام “المدونة الشرعية في مسائل الأحوال الشخصية” المطروحة للنقاش والمصادقة في مجلس النواب.
يضيف المالكي: “يحقق مقترح تعديل القانون مطالب المرجعيات الدينية منذ زمن المرجع الأعلى السيد محسن الحكيم، بضرورة عدم فرض أحكام القانون الوضعي على المسلمين في العراق، ومنح المكلف الحق في اختيار أحكام دينه ومذهبه في أحواله الشخصية”. ويرى أنّ القول إنّ هذا تعديل يقسم الأسرة العراقية “غير دقيق ومخالف للواقع”، متسائلاً: “ما الذي حفظه القانون الحالي للأسرة مع ما نراه اليوم من ارتفاع عدد قضايا الطلاق ومشاكل ما بعد الزواج؟”.
رفض مدني جازم
روّجت الماكينة الإعلامية المقرّبة من “الإطار التنسيقي” الشيعي لهذا المقترح، فأدخلت العراق في سجال حاد. يقول الباحث والحقوقي مسلم الوائلي لـ”النهار العربي” إنّ “الرفض المدني لن يمرر هذا القانون الذي يهدد الوحدة الوطنية ويكرّس الطائفية التي تريد الأحزاب التقليدية تطبيقها في البلاد”.
ويضيف: “يشجع هذا القانون على تزويج القاصرات وأسلمة المجتمع العراقي المعروف بتنوعه الديني، والرجوع إلى الرجعية والتخلف، كما يمثل انتهاكاً لقواعد حقوق الإنسان”، لافتاً إلى أن هذه ليست أول مرة يُطرح فيها هذا التعديل على قانون الأحوال الشخصية و”حين طرح سابقاً أثار جدلاً واسعاً في الشارع العراقي، وكشف عن طبيعة الصراع الحاد بين الإسلاميين والمدنيين على الإمساك بالقرار في البلد”.
ويدعو الناشط الحقوقي أحمد الركيباوي إلى الخروج في تظاهرات في ساحة التحرير وسط بغداد، قائلاً لـ”النهار العربي”: “نحن خائفون من إعادة طرح هذا التعديل في جلسات برلمانية مقبلة، ولذا ندعو إلى تنظيم وقفة احتجاجية لسحب مسودة المشروع من مجلس النواب”، وهذا يتطلب ضغطاً شعبياً كبيراً على السلطة برأيه.
وحذّر الركيباوي من صمت الشارع العراقي إزاء قوانين تبيح زواج القاصرات “لأنّ هذا القانون من موروثات الرجعية المبنية على الطوائف الدينية التي تتعارض مع الديموقراطية والقوانين المدنية التي تحفظ كرامة الإنسان وتمنح المواطن العراقي حقوقه من دون تمييز طائفي أو ديني أو مذهبي أو عرقي”.
في القانون
ويستبعد المحامي حبيب عبد أن يكون من قدّم التعديل على قانون الأحوال الشخصية “قد اطلع أصلاً على القانون النافذ لأنه يكرر اللغو الزائد فيه”، ويشير إلى أنّ “المعترض على التعديل لم يقرأ أيضاً القانون الحالي، الذي يستمدّ أحكامه من الشريعة الإسلامية، ولكل بحسب مذهبه”.
ويقول عبد لـ”النهار العربي”: “تكمن مشكلة المادة 57 في التطبيقات القضائية، إذ حتى لو كانت الحضانة للأم فللأب الحق في الإشراف والتربية، وهذا ما لم يحصل، فالأب يُمنع من ذلك ويشاهد أولاده في المحاكم والأماكن العامة”، مضيفاً: “إن أُقرّ التعديل على مواد المشاهدة ستكون الحضانة مشتركة أو يقضي الأطفال العطل عند الأب، وحينها يمكن أن تنتهي معظم الإشكاليات المتصلة بهذه المادة”، مرجعاً المشكلة كلها إلى محاكم الأحوال الشخصية.
ويشير عبد إلى أنّ الحديث عن حق الأم وحق الأب وعمر الأطفال من دون الحديث عن مصلحة المحضون “لا يمكن تفسيره إلا أنّه كسر إرادات بين طرفي نزاع، سواء كانا الأم والأب، أم الأحزاب المتناحرة داخل البرلمان، أم التوجهات المختلفة داخل المجتمع العراقي”.
في حقوق الإنسان
يخالف التعديل المقترح لقانون الأحوال الشخصية العراقي التزامات العراق الدولية في مجال حقوق الانسان، ويمس صميم العمل القضائي والفقهي على حد سواء، كما يقول علي الجريصي، رئيس منظمة “بسمة حواء” لشؤون المرأة والطفل.
ويضيف لـ”النهار العربي”: “كان على السلطة التشريعية سن قوانين تحدّ من حالات العنف الأسري وشيوع المخدرات، وتكافح مستويات الجريمة المنظمة التي تفتك بأفراد المجتمع، لا تشريع قوانين تساعد على تشريد النساء”.