حرية – (30/7/2024)
شهدت الألعاب الأولمبية “باريس 2024” تعثراً غير متوقع بتأجيل منافسات الترايثلون للرجال اليوم الثلاثاء 30 يوليو/ تموز للمرة الثالثة، بسبب مخاوف تتعلق بجودة المياه في نهر السين، الذي كان مسرحاً لهذه المنافسات. وقد ترتب على استمرار مستويات التلوث المرتفعة في النهر إلغاء تدريبات السباحين وتأخير بداية الفعاليات، مما أثار القلق لدى المنظمين والمشاركين على حد سواء.
اضطر منظمو الأولمبياد، بالتعاون مع الاتحاد الدولي للترايثلون، إلى إعادة جدولة سباق الرجال ليوم الأربعاء 31 يوليو /تموز، بعد الأمطار الغزيرة التي هطلت على باريس وساهمت في رفع مستويات التلوث بالنهر. هذا التأجيل يبرز التحديات البيئية الكبيرة التي تواجهها العاصمة الفرنسية، خاصةً مع تدفق مياه الصرف الصحي غير المعالجة إلى النهر، والتي كان لها الأثر البالغ في تقييم جودة المياه المناسبة للمنافسات.
ما هو نهر السين وأين يقع؟
نهر السين، بطوله الإجمالي الذي يصل إلى 777 كيلومترًا، يُعد من أهم المسارات المائية في شمال فرنسا ونقطة جذب سياحية بارزة، الرحلة تبدأ شمال غرب ديجون، حيث ينبع النهر ومن ثم يسلك مسارًا معقدًا وملتويًا يمتد لنحو 764 كيلومتراً في اتجاه الشمال الغربي، قبل أن يصب أخيرًا في القنال الإنجليزي بالقرب من مدينة لوهافر.
عند الوصول إلى باريس، يتسع النهر ليصبح أكثر رحابة. يربط السين بين عدة أنهار مثل الأوب، المارن، اليون، الأواس والترب، ويتصل عبر شبكة من القنوات المائية بأنهار اللوار، الرون، الراين، الميوز والشيلدي، مما يسمح بالملاحة لمسافة 547 كيلومترًا من مجموع طوله.
السباحة في نهر السين قبل أولمبياد 2024
حسب موقع “euronews” تم فرض حظر على السباحة في نهر السين في فرنسا منذ عام 1923، والأسباب وراء هذا الحظر تستند إلى مخاوف صحية جدية. يعج النهر بمزيج من البكتيريا التي تشمل الإشريكية القولونية والمكورات المعوية، وهي عوامل مسببة لأمراض خطيرة مثل التهاب المعدة والأمعاء والتهابات المسالك البولية.
هذه البكتيريا يمكن أن تؤدي إلى تفشي الأمراض بين السباحين ومستخدمي النهر، ما يشكل خطرًا صحيًا عامًا، إضافةً إلى ذلك، يواجه النهر مشكلة داء البريميات، والمعروف أيضًا باسم “مرض الفئران”. ينتقل هذا المرض عن طريق الاتصال المباشر مع بول القوارض المصابة التي قد تستوطن ضفاف النهر.
التعرض لهذا البول، خصوصاً من خلال المياه الملوثة، يمكن أن يؤدي إلى التهاب الكبد وأمراض كلوية وغيرها من الأمراض الخطيرة، مما يستدعي الحاجة الماسة لتدابير صحية صارمة لحماية العامة.
تنظيف نهر السين قبل الأولمبياد
تم تنظيف نهر السين من خلال مشروع ضخم وشامل أطلقته مدينة باريس، يهدف إلى تحسين نوعية المياه ومعالجة التلوث الذي تراكم على مدى عقود. إليك تفصيلًا للجهود الرئيسية التي تم القيام بها:
مدينة باريس أنشأت حوضًا لتخزين مياه الأمطار تحت جسر أوسترليتز، والذي يمتلك سعة تخزينية تصل إلى 50 ألف متر مكعب. هذا الحوض مصمم ليحتفظ بالمياه أثناء العواصف الشديدة قبل إعادة ضخها إلى نظام الصرف الصحي. ويُساهم هذا الحوض في منع تدفق مياه الأمطار المختلطة بالملوثات مباشرة إلى النهر، مما يحافظ على نقاء المياه في السين.
في عام 2018، قررت باريس أن جميع القوارب يجب أن تكون متصلة بنظام الصرف الصحي. هذه الخطوة تهدف إلى منع القوارب من تفريغ مخلفاتها مباشرة في النهر. بدأت المدينة في تركيب وصلات جديدة لتحقيق هذا الغرض، على الرغم من التحديات والشكاوى من بعض أصحاب القوارب الذين يشعرون بأنهم مستهدفون بشكل غير عادل.
كما عملت بلدية باريس على تحسين وإصلاح التوصيلات من المنازل الباريسية إلى نظام الصرف الصحي. هذا يشمل معالجة الحالات التي يتم فيها إرسال النفايات مباشرة إلى نهر السين أو روافده بشكل غير قانوني. من خلال تصحيح هذه التوصيلات، تهدف المدينة إلى تقليل كمية الملوثات التي تدخل النهر بشكل مباشر.
العينات الطبية وأمان نهر السين
تقارير Surfrider التي تشير إلى أن عينة واحدة فقط من بين 14 عينة من مياه نهر السين آمنة تظهر بوضوح التحديات البيئية المستمرة التي تواجه باريس في محاولاتها لتحسين جودة المياه. النتائج تسلط الضوء على الحاجة لمواصلة وتعزيز الجهود المبذولة لتنظيف النهر، خصوصًا في ضوء الأحداث الكبرى مثل الألعاب الأولمبية.
الإشريكية القولونية والبكتيريا البرازية الأخرى تمثل مشكلة كبيرة في مياه الأنهار الحضرية بسبب التلوث الناجم عن الصرف الصحي والمخلفات البشرية. على الرغم من الجهود الكبيرة للتخلص من هذه الملوثات، فإن تقلبات مستويات هذه البكتيريا تظل مصدر قلق كبير.
وجود الإشريكية القولونية يمكن أن يشكل مخاطر صحية جدية، خاصة عندما تكون السلالات الموجودة قادرة على إنتاج السموم. هذه السموم يمكن أن تؤدي إلى أمراض تتراوح بين الإسهال والقيء إلى حالات أكثر خطورة مثل تسمم الدم والفشل الكلوي، وفي الحالات الشديدة، الموت.
في ضوء هذه التحديات، يبدو أن هناك حاجة ملحة لمدينة باريس لمراجعة وتعزيز استراتيجياتها لإدارة جودة المياه في نهر السين. قد تشمل هذه التدابير تحسين البنية التحتية للصرف الصحي، تشديد الرقابة على مصادر التلوث الصناعي والزراعي، وربما تكثيف الرقابة والاختبارات الدورية لمياه النهر لتقييم فعالية الحلول المطبقة.
إضافة إلى ذلك، من الضروري توعية الجمهور والمجتمعات المحلية حول أهمية الحفاظ على النظافة البيئية ودعم الجهود البلدية في هذا الإطار. الشفافية في نشر البيانات والتقدم المحرز يمكن أن تساعد أيضًا في بناء الثقة وتحفيز المزيد من الدعم الشعبي والمؤسسي لهذه المبادرات.
الأمطار وجودة مياه نهر السين خلال الأولمبياد
حسب موقع “CNN” نتقلت الأمطار التي هطلت خلال حفل افتتاح الألعاب الأولمبية بباريس خارج المدينة، لكن آثارها لا تزال ملموسة ومؤثرة، خاصة في نهر السين الذي أصبح محوراً للقلق بسبب جودة المياه المتأثرة. هذا القلق أدى إلى حالة من عدم اليقين بشأن إمكانية إقامة منافسات الترياتلون كما كان مخططًا لها.
القرار بإقامة فعاليات السباحة في نهر السين أثار دهشة الكثيرين، خاصة وأن السباحة كانت محظورة في النهر منذ ما يزيد عن قرن. في محاولة لإظهار جمال المدينة المضيفة، قام المنظمون بخطوات جريئة لتنظيف النهر بما يكفي ليكون آمنًا لأفضل الرياضيين العالميين خلال الألعاب.
لكن، التلوث المعتاد بعد الأمطار الغزيرة أدى إلى إلغاء التدريبات ليومين متتاليين، مما أثار المزيد من الشكوك حول سلامة المياه، ومع ارتفاع درجات الحرارة المتوقع خلال الأيام المقبلة، وصلت باريس إلى حالة تأهب بسبب موجة حر قد تؤثر على الأداء الفيزيائي للرياضيين.
تتزامن هذه الموجة مع مواعيد منافسات الترياتلون، مما يضيف طبقة أخرى من التحديات للمنظمين والمشاركين على حد سواء.
على الرغم من هذه التحديات، يظل المنظمون واثقين من قدرتهم على إقامة السباقات وفقًا للخطة الموضوعة، مع وجود خطط بديلة جاهزة في حالة الضرورة. أكد إيتيان ثوبوا، الرئيس التنفيذي لباريس 2024، على ثقته في تحسن الظروف واستمرارية الأحداث كما هو مخطط لها.
تم إنفاق مبالغ ضخمة في محاولة لتنظيف نهر السين وضمان جودة المياه، بما في ذلك مشاريع بنية تحتية مثل حوض أوسترليتز الجديد الذي يعمل على تخزين مياه الأمطار ومنع تصريفها إلى النهر. كما تبذل الجهود لمراقبة مستويات البكتيريا وتأكيد مطابقتها للمعايير الدولية، رغم التحديات المستمرة.