حرية – (1/8/2024)
بإمكان الشعر، كقوة ناعمة، أن يكون تعزيزاً عميقاً للتواصل الحضاري بين الشعوب، ورسالة محبة وسلام سحرية، ولغة جمالية مشتركة تجمع أرواح البشر وقلوبهم من سائر أرجاء الأرض، رغم التنوع والاختلافات.
هذا ما أكّدته، عمليّاً، فعّاليات “مهرجان الشعر العالمي” و”المنتدى الأكاديمي حول الابتكار في الشعر”، اللذين نظّمهما أخيراً اتحاد الكتّاب الصينيين في مدينتي بكين وهانغتشو بمشاركة أكثر من سبعين شاعراً وباحثاً من دول مجموعة “بريكس” الاقتصادية.
احتضن سور الصين العظيم المبدعين القادمين من: مصر، السعودية، الإمارات، إيران، الهند، البرازيل، روسيا، إثيوبيا وجنوب أفريقيا، ليلتقوا مبدعي جمهورية الصين الشعبية، في مؤتمر إنساني محض، يعلن بوضوح أن الشعر والشعراء أكثر ازدهاراً مما سبق، وأن معاني الصداقة والاحتضان لا تنفكّ تتدفق من ثنايا القصائد، بغض النظر عن رسوم أبجديتها وصورها ورموزها.
الشعر حياة كاملة
ولأن الشعر حياة كاملة، اختلطت أنفاس القصائد بنسمات الطبيعة وأشعة الشمس ونكهة التاريخ في الأمكنة الأثرية والمزارات الكثيرة، التي تنقّل بينها الشعراء في رحلتهم الاستثنائية. فمن سور الصين العظيم، والجولة الفضائية بالتلفريك، إلى المدينة المحرّمة والقصر الإمبراطوري في بكين.
ومن البحيرة الغربية في هانغتشو؛ مدينة الشاي الأخضر وعاصمة اقتصاد الإنترنت أو مدينة الخنساء كما سمّاها بعض الرحّالة العرب، إلى متحف تشجيانغ للتراث الثقافي الدولي غير المادي، ومركز تشجيانغ الأدبي، حيث وقّع الشعراء أسماءهم في سجلّ المتحف، وأهدوه مخطوطاتهم.
ومن المكتبات الثقافية البارزة في هانغتشو، إلى متحف ليانغتشو في الضواحي الشمالية الغربية، الذي يحوي خمسة آلاف عام من تاريخ الحضارة الصينية، ويتضمن آلاف القطع الأثرية النفيسة منذ العصر الحجري.
ورغم الرعاية المؤسسية لمهرجان الشعر العالمي، المقام بمعرفة اتحاد الكتاب الصينيين وحضور وزير دائرة الدعاية الصيني تشاو شينغ وكبار المسؤولين الرسميين والحكوميين، فإن أجواء المهرجان جاءت شعبية مفتوحة، كما يليق بالشعر وروحه المنفلتة.
حمل الشعراء قصائدهم إلى كل مكان، وتبادلوها في الهواء الطلق مع الصور الفوتوغرافية المرحة وسط التفاف الأطفال ومحبّي الشعر من المواطنين والوافدين. كما تقاسموها مع الأطعمة والمشروبات الثرية والتراثية، في البلاد التي تحافظ على هويتها وخصوصيتها، والتي أدخلت فلسفة زراعة الشاي وصناعته وكيفية احتسائه بطريقة تقليدية إلى قائمة اليونسكو للتراث العالمي غير المادي.
وعند تسلقهم سور الصين العظيم، حيث يقول النقش الأثري على اللوح الحجري “إن الفرد الذي يفشل في بلوغ سور الصين العظيم، ليس بطلاً”، ردد الشعراء: “لقد منحتنا أجنحة الشعر ما يعتبره الصينيون بطولة!”.
طريق الحرير والدهشة
تعددت عناوين القصائد ولغاتها وصياغاتها ومعالجاتها، وتباينت تياراتها واتجاهاتها، لكنها جميعاً سلكت طريق الحرير مغزولة بخيوطه البيضاء، ومشحونة بالمودة والوئام والرغبة في التآلف والتوحّد والانسجام والائتناس. فالشعر المدهش هو الذي يغازل دائماً العالم العاطفي المشترك للبشرية، ولا يخلو من أصداء التاريخ.
وطرح المنتدى الأكاديمي رؤى متنوعة حول الابتكار في الشعر، وكيف يظل الشعر خبزاً للمائدة، شهياً وطازجاً، وسط الآداب والفنون الكائنة والمستحدثة، في عصر الرقمية والحوسبة والاتصالات الإلكترونية والسوشيال ميديا والذكاء الاصطناعي.
والتقى المشاركون على أن قيمة الشعر وميراثه لا يتعارضان مع سبل تطويره، والمسالك الجديدة والتجريبية التي طرقها ولا يزال يطرقها، خصوصاً في مجال قصيدة النثر، وميدان الشعر الأدائي، الذي يتمتع بخصائص مسرحية عند إلقائه وتجسيده حركياً.
مظاهر التطور الشعري
وتحت مظلة أن الشعر جسر للتواصل والتفاهم بين الشعوب رغم اختلاف لغاته وتياراته وأساليب كتابته، أتاحت فعّاليات “مهرجان الشعر العالمي” و”المنتدى الأكاديمي حول الابتكار في الشعر” الفرصة للتعرف إلى السمات النوعية والخطوط العريضة التي قد يشار إليها بإيجاز، عند تناول شعراء كل دولة على حدة.
ومن ذلك، على سبيل المثال، ما طُرح في المناقشات بشأن ملامح الشعر الروسي المعاصر، بالتوازي مع “ذوبان الجليد” في الاتحاد السوفياتي السابق، وحدوث الكثير من التغيرات والاضطرابات. وكأنما تمر آلاف الأشرعة بالقرب من السفينة الغارقة، لتظهر قوة شبابية تعبّر عن الشعر الجديد في روسيا.
أما الشعر الهندي المعاصر، فمنذ الستينات والسبعينات من القرن العشرين، أدى المناخ السياسي والاقتصادي إلى زيادة حدة السخط الاجتماعي، ولوّح المبدعون الشباب من الطبقة المتوسطة بلافتات “الشعر” و”الواقعية”، ذاهبين إلى التطرف المناهض للتقاليد. وبذلوا قصارى جهدهم للتعبير عن اضطراب الحياة المعاصرة والمَرَضية والتي لا معنى لها. وفي الوقت نفسه، فإن الأشخاص المهمشين، الذين عانوا طويلاً المعاملة غير العادلة، راحوا يؤلفون كتبهم الخاصة مستلهمين روح المساواة، ومقاومين للهيمنة.
أما الشعر السعودي، وفق أطروحات المؤتمر، فقد تطور بقوة في السنوات الأخيرة، متأثراً خارجياً بموجة العولمة والتغيرات في المشهد الدولي، وداخلياً بسبب التخفيف التدريجي للقيود المفروضة على الأنشطة الثقافية والإبداع الأدبي، والاهتمام المتزايد من القادة، والمثقفين المتميزين. وبالتالي، فقد سمح المناخ ببروز شعراء نابهين، وظهور أعمال طليعية ومؤثرة في المشهد العربي.
الشعراء المشاركون
من مصر، شارك كل من: أحمد يماني، نجاة علي، أحمد زكريا، آلاء فودة، حسن عامر، محمد المتيم، وكاتب هذه السطور. ومن السعودية شارك كل من: سلطان العتيبي، حاتم الشهري، هدى المبارك، روان طلال. ومن الإمارات: شيخة المطيري، حسن النجار، أمل السهلاوي، فاطمة بدر.
ومن روسيا: أندريه تشيركاسوف، يفغينيا أوليانكينا، فياتشيسلاف جرازيلين، إيفان أليكسييف، مكسيم دروموف، ليزا هيريش، مكسيم حاتوف. ومن البرازيل: لويزا روماو، ثيدا بيدروسا، آنا روش، رودريغو فيانا، جوليا هانسن، تياغو مورايس، لوبي براتس.
ومن الهند: بريثفيراج تاور، أديتيا شوكلا، غوتام فيغدا، نيكيليش ميشرا، بارفاثي سليل. ومن إيران: علي رضا غزوة، محمد حسين بهرميان، كاظم فايزاده، إدريس بختياري، كيانوش خان محمدي، حافظ عظيمي كلحولان.
كما شارك من جنوب أفريقيا كل من: مدوليسي نيزوا، ووناني بيلا، ألفريد سافر، جاليا فريدريكس، إينوك شينجر، مانغاليزو بوزاني. وشارك من إثيوبيا: سيفر تايمان، تسيغاي هيرسلاسي جيلمي، فيبين فانسيو.
إلى جانب عشرات الشعراء والشاعرات الصينيين، منهم: شياو شوي، شيونغ يان، تشانغ شياومو، وانغ داندان، تشانغ إرجون، ليانغ شو تشنغ، جيانغ تينغ، لي شياويانغ، تان شياو، نيان وييانغ، ليو كانغ، تشاو هانكينغ، لو تشوهانغ، وغيرهم.