حرية – (3/8/2024)
عاد رئيس الوزراء الإسرائيلي من الولايات المتحدة يسبقه وعيده بشن حرب قاسية على لبنان، متهماً حزب الله اللبناني بإطلاق صاروخ على قرية مجدل شمس السورية في الجولان المحتلة، ومن المستبعد أن يكون إتهام نيتانياهو لحزب الله بإطلاق الصاروخ على القرية السورية، حيث يعيش سكانها تحت الاحتلال منذ حرب عام 1967 ويعانون ما يعانيه العرب في الأراضي المحتلة، ولا يمكن أن يكون نيتانياهو، الذي لا يهتم بأسراه ويتركهم تحت قصف طائراته، مهتماً بأهل مجدل شمس العرب الواقعين تحت الاحتلال. هل سيحارب نيتانياهو من أجل سكان مجدل شمس العرب؟ هذا يتجاوز حدود المنطق، إلا إذا كان هدفه توسيع الاحتلال مهما كانت الذرائع واهية، أو حتى بدون ذريعة. يسعى نيتانياهو لتحقيق هدفين: إنجاز انتصار ساحق على كل خصومه، وهذا الهدف لم يتمكن من تحقيقه مع فصائل غزة المسلحة بأسلحة متواضعة قياساً بتلك التي تمتلكها إسرائيل من أعتى الأسلحة وأكثرها تطورا في العالم، بينما تصنع الفصائل الأسلحة في ورش قطاع غزة المحاصر، وليس في مصانع أمريكية وأوروبية وإسرائيلية. ومرت عشرة أشهر دون أن يحقق نيتانياهو أهدافه المعلنة، فلا قضى على الفصائل المسلحة في غزة، ولا أطلق سراح المحتجزين، الذين لقي عدد منهم مصرعه في الغارات الإسرائيلية على غزة، ولم يتمكن من السيطرة على القطاع. ومع بشاعة القتل الجماعي للفلسطينيين العزل، وسقوط حوالي 40 ألفا، معظمهم من الأطفال والنساء، يتعرض نيتانياهو لضغوط لوقف المجازر وإنهاء الحرب، والتجاوب مع مخرجات المفاوضات التي جرت في القاهرة والدوحة، لكنه يدرك جيدا أن وقف الحرب دون إنتصار حاسم سيقوده إلى حساب عسير.
ولهذا لا يجد أمامه سوى الهروب إلى الأمام وإشعال حرب واسعة لن تتمكن الولايات المتحدة من تجنب المشاركة فيها، مما سيتسبب في تورطها في مستنقع كبير يمتد من اليمن وشواطئ بحر العرب ومضيق هرمز إلى العراق مروراً بسوريا ولبنان وغزة. مثل هذه الحرب الواسعة ستشتت القوة الأمريكية المتعبة، وتضعها في اختبار صعب، وتزيدها إنهاكاً وهي تواجه تصاعداً في المواجهة مع روسيا والصين. الولايات المتحدة تحشد قواتها على طول الجبهة الواسعة مع روسيا، من بولندا ودول البلطيق وألمانيا والسويد والنرويج، وكذلك في بحر الصين الجنوبي وقواعدها في اليابان والفلبين. فكيف للولايات المتحدة أن تغطي هذه المساحة الواسعة وفي نفس الوقت تتورط في حرب استنزاف أمام قوات غير نظامية في الشرق الأوسط، حرب لا يمكن التكهن بنتائجها ومن الصعب تحقيق انتصار فيها؟ وهي التي خرجت من العراق وأفغانستان دون تحقيق أي نتائج، وبطريقة أشبه بالهروب منها بالانسحاب المنظم. تحاول الولايات المتحدة كبح جماح نيتانياهو وتحذره من تفجير الحرب الواسعة، لأن نتائجها ستكون وخيمة على إسرائيل والولايات المتحدة والمنطقة كلها. لكن نيتانياهو لم يتجاوب حتى الآن، وما زال يواصل ارتكاب المجازر في غزة غير عابئ بسمعة الشريك الأمريكي ولا بمصير المحتجزين، آملاً أن ينقذ نفسه أولاً. فهل يرتكب الحماقة الكبرى ويشعل فتيل الحرب الواسعة؟