حرية – (3/8/2024)
في أوائل ثلاثينيات القرن العشرين، مات ما يقرب من أربعة ملايين شخص من الجوع في أوكرانيا في مجاعة قِلة من الناس يعرفون اسمها اليوم.
لقبت المجاعة الأوكرانية في القرن الماضي بالهولودومور (Holodomor) وهي الكلمة التي تترجم أحيانا لوباء الجوع أو القتل بالتجويع للإشارة لهذه المجاعة المفتعلة من قبل النظام السوفياتي ضد الأوكرانيين الذين قطنوا حينها بجمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفياتية، وفقا لصحيفة “ديلي ميل” البريطانية.
كانت هذه المجاعة جزءا من جملة القرارات التي اتخذها ستالين بترحيل الكولاك (kulaks)، أي الفلاحين الأثرياء، وكل من رفض سياسة الزراعة المشتركة نحو مناطق نائية من البلاد للعمل بمعسكرات العمل القسري في ظروف قاسية، خوفا من تحركات الفلاحين الرافضين لسياسته وهو ما تسبب في تراجع حاد بالمحاصيل متسببة بذلك في بداية ظهور المجاعة بالمدن والقرى الأوكرانية.
وبخريف عام 1932، اتخذ ستالين والمكتب السياسي للحزب الشيوعي جملة من القرارات ضد أوكرانيا، وضعت على أثرها المدن والقرى والمزارع الأوكرانية على القائمة السوداء ومنعت من تلقي الغذاء، كما منع الفلاحون من مغادرة الأراضي الأوكرانية للبحث عن الطعام تزامنا مع مصادرة كميات كبيرة من المحاصيل التي عمدوا لإخفائها بأقبية منازلهم.
روى الناجون حكايات عن الآباء الذين واجهوا المجاعة وأجبروا على أكل جثث أطفالهم، والأطفال الذين شاهدوا أشقاءهم يموتون في منازلهم، وأجسادهم وأعينهم تأكلها الفئران فيما كان الذين ما زالوا على قيد الحياة ضعفاء للغاية لدرجة أنهم لم يتمكنوا من دفن الجثث.
في أحلك لحظات تلك المأساة، أعدمت السلطات كل الذين نجوا من الشتاء القاسي، معتبرة أن لا أحد كان ليتمكن من النجاة من مثل هذه الظروف دون سرقة من الدولة.
ولكن لعقود من الزمان مرت الفظائع دون ذكر، وتم التستر عليها بحملة متعمدة من التعتيم من قبل الاتحاد السوفياتي. وفقد الأوكرانيون تاريخهم بسبب الدعاية والتقارير المدفونة وتسييس الموضوع أثناء الحرب الباردة.
ورغم ضياع أو دُفن العديد من قصص الضحايا، يواصل المؤرخون اليوم الكشف عن الحقائق المأساوية للإبادة الجماعية التي ارتكبها ستالين في أوكرانيا. وهذه هي القصص التي نجت.
كتب المؤرخ تيموثي سنايدر عن المجاعة الأوكرانية: “مات الطيبون أولاً. ثم لقد مات أولئك الذين رفضوا السرقة أو ممارسة البغاء. ومات أولئك الذين قدموا الطعام للآخرين. ومات أولئك الذين رفضوا أكل الجثث. ومات أولئك الذين رفضوا قتل إخوانهم من البشر”.
كما روى شهود عيان قصصاً عن أمهات قتلن أطفالهن في نوبة غضب عندما فشلن في الحصول على الغذاء، وعانين من الهلوسة والهذيان بسبب المجاعة مع نفاد احتياطيات الغذاء.
وكان الناس يجوبون الشوارع عراة، محطمين. ولم تتعاف أوكرانيا تماماً.
وبلغ عدد الضحايا نحو 3.9 مليون نسمة وهو ما يعادل نحو 13% من سكان أوكرانيا بتلك الفترة.
ومع انتشار أخبار المجاعة الأوكرانية بالصحف العالمية، نظّم الاتحاد السوفياتي زيارات لشخصيات سياسية غربية بالمدن الأوكرانية.
ولإخفاء حقيقة ما يحصل بأوكرانيا، أجرى المسؤولون السوفيات حملات تنظيف تم خلالها جمع الجثث المتناثرة بالمدن المزمع زيارتها كما جلبوا أطفالا من مدن سوفياتية أخرى ونشروهم بالشوارع تزامنا مع منحهم قطعا من الخبز والجبن لحملها بين أيديهم أملا في إخفاء ما يتم تناقله عن النقص الحاد بالمواد الغذائية.