حرية – (4/8/2024)
في منتصف القرن الـ19 اجتاحت موجة الثورة الصناعية العالم وظهرت ابتكارات جديدة، بما في ذلك تقنية إزالة ظلال الضوء من غرفة الجراحات، إذ بنيت الغرف لتضاء بشكل طبيعي، فجعلوها تواجه الجنوب الشرقي مع نوافذ على السطح.
لكن المشكلة الأكبر هي أن الجراحة يجب أن تتم في يوم مشمس، مما جعل القيام بها محكوماً بعامل الطقس وسطوع ضوء الشمس آنذاك.
أوائل الاختراعات
تستخدم الإضاءة الجراحية للمساعدة في إجراء الجراحات من خلال تسليط الضوء على موقع الجراحة من أجل زيادة وضوح الأنسجة وخلق تباين بينها، فيسمح هذا التباين للجراح بالتمييز بين الأنسجة، مما يساعد في احتمالية تحقيق النتائج الجراحية المقصودة.
ففي عشرينيات القرن الـ20، صنع البروفيسور الفرنسي ويلاند أول مصباح خاص لغرفة الجراحة، إذ وضع عدداً من المرايا الضيقة بالتساوي على قبة المصباح الجراحي، ومصباح بقوة 100 وات في وسط العدسة الانكسارية، مع شكل مخروطي كامل للضوء ومقطع في الأعلى، وأدى ظهور ضوء الجراحة إلى تحرير الجراحين من معضلة الجراحة وفقاً للطقس.
وفي الخمسينيات بدأ المختصون في زيادة عدد مصادر الضوء واستخدام مصباح جراحي متعدد الأضواء من النوع ذي الثقب في أوروبا واليابان، إذ يحتوي مصباح الجراحة من النوع ذي الثقب على أربع إلى 14 فتحة عاكسة صغيرة، كل منها مزود بمصباح مرآة بقوة 15 وات أو 25 وات في المنتصف، وعاكس مصنوع من الألومنيوم عالي النقاء.
وعلى رغم تحسن إضاءة مصباح الجراحة إلا أن عدد المصابيح سبب في ارتفاع درجات الحرارة، فاضطروا إلى استخدام دروع الحرارة التي كانت تسبب عدم الراحة للجراحين، وجفاف الأنسجة في موقع الجراحة والتأثير في التعافي.
تطور
وفي أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، ومع التطور المستمر للتكنولوجيا ظهر مصباح جراحي هالوجيني، إذ استخدم مصباح الجراحة هذا لمبة الهالوجين كمصدر للضوء وصمم السطح العاكس بتقنية CAD، إذ تتداخل عدد من الأسطح العاكسة مع الضوء لتشكيل أعمدة موحدة منه، وكان هذا الشعاع الموحد ساطع مثل ضوء الشمس ولكنه بلا ظلال، إنما عيبه أن عمره الافتراضي قصير نسبياً، ويجب استبدال المصابيح بشكل متكرر.
يعتبر مصباح LED موفر للطاقة وصديق للبيئة ويوفر استهلاك الطاقة المنخفض والكفاءة العالية (
أما في القرن الـ21 فجلبت تطبيقات مصابيح LED فرصاً جديدة لتطوير الإضاءة الجراحية، بالمقارنة مع مصباح الهالوجين كمصدر للضوء البارد، إذ يمكن لمصابيح LED التحكم بشكل أكثر فعالية في ارتفاع درجة الحرارة وكفاءة تحويل طاقة الضوء العالية، وعدم وجود إشعاع حراري، كما أن عمر الخدمة أطول بـ60 مرة من مصابيح الهالوجين وأكثر اقتصادية وعملية.
الضوء الخالي من الظل… له ظل
إذاً ابتكر العلماء أخيراً مصباح LED الجراحي من دون ظل للجراحة، فعند النظر إليه يلاحظ أنه مرتب المصابيح ذات الكثافة الضوئية العالية في دائرة على لوحة الضوء، وهي الطريقة التي تشكل مساحة كبيرة من مصدر الضوء، ومن خلالها يمكن تسليط الضوء على طاولة الجراحات من زوايا مختلفة، وعليه فإنه يضمن أن المجال الجراحي يتمتع بسطوع كاف مع عدم إنتاج ظل أصلي كبير، ومن هنا جاء اسم الضوء الجراحي من دون ظل.
توفر درجة حرارة اللون 4000-5000K ضوءاً أبيض طبيعياً وخالياً من الأشعة فوق البنفسجية والأشعة تحت الحمراء (بيكسلز)
وبتفصيل أكثر تتكون مصابيح الجراحة الخالية من الظلال عادة من رأس مصباح واحد أو أكثر مثبتة على ذراع تعليق، ويمكن تحريكها في شكل رأسي أو دائري، وعادة ما تثبت هذه الذراع على مجموعة ثابتة، أي قاعدة المصباح، ويمكن أن تدور حولها.
كما يوضع مصباح الجراحة الخالي من الظلال بمرونة، باستخدام مقبض قابل للتعقيم أو طوق قابل للتعقيم أيضاً، مع إمكان تثبيته وإيقافه أوتوماتيكياً للتحكم في موضعه والحفاظ على مساحة كافية فوق وحول موقع الجراحة، إضافة إلى أنه يمكن تثبيت قاعدة المصباح على نقاط ثابتة في السقف أو الجدران أو على مسارات في السقف.
وعلى رغم أن المعلومة العامة تقول إن الضوء الجراحي خال من الظل، إلا أنه ليس في الواقع خالياً من الظل تماماً، ولكنه يقلل فقط من الظل الأصلي ويجعله أقل وضوحاً، إذ تتشكل الظلال عندما يصطدم الضوء بجسم ما، وهي كما هو معروف تختلف في كل مكان على الأرض، فإذا نظرت عن كثب إلى الظلال تحت الأضواء، ستلاحظ أن الجزء الأوسط من الظل داكن بشكل خاص وأن اللون المحيط به أفتح قليلاً، ويسمى الجزء الداكن بشكل خاص في المنتصف بالظل الأصلي، والجزء الرمادي المحيط به يسمى شبه الظل، وترتبط كل هذه الظواهر ارتباطاً وثيقاً بالانتشار الخطي للضوء.
ميزات إضاءة LED
لقد مر تطوير إضاءة غرفة الجراحات بمراحل عدة، من إضاءة جراحية متعددة الثقوب، وإضاءة جراحية هالوجينية عاكسة بالكامل إلى إضاءة LED.
ويعتبر مصباح LED موفراً للطاقة وصديقاً للبيئة، ويوفر استهلاك الطاقة المنخفض والكفاءة العالية، ولمصادر ضوء الجراحة هذا فوائد اقتصادية قابلة للقياس من خلال تقليل تكاليف الصيانة والطاقة، كما يتمتع ضوء LED بعمر طويل للغاية يصل إلى 1500 ساعة وتأثير توفير كبير للطاقة، وجلب هذا النظام إلى غرفة الجراحات أحدث التقنيات.
إذ أصبح السعي الدائم إلى تصميم أضواء من دون ظل أمر مسلم به، وانخفضت درجة الحرارة مع زيادة شدة الضوء، وتعتبر هذه الميزة الأخيرة مؤشر تجسيد اللون مفيدة بشكل خاص لجراحة الجروح الضيقة والعميقة، إذ توفر درجة حرارة اللون 4000-5000K ضوءاً أبيض طبيعياً وخالياً من الأشعة فوق البنفسجية والأشعة تحت الحمراء، مما يضمن بقاء مجال الرؤية الجراحي واضحاً، ويمكن لضبط درجة حرارة اللون تغيير تباين الأنسجة المرصودة وتقليل إجهاد الجراحين، والتأثير في راحة وبيئة العمل للطاقم الطبي.