حرية – (5/8/2024)
أعاد علماء الآثار محاكاة تقنيات استخدمها [ما يُعتقد أنه النوع البدائي من الإنسان المسمى] “نياندرتال”Neanderthal في ذبح الحيوانات وطهوها، مما عزز من اطلاعنا على الحياة اليومية والتحديات التي عاشتها هذه المجموعة من أسلاف الإنسان القدامى، فضلاً عن العادات الغذائية التي مارسوها.
وفي حين أن الممارسات التي اعتمدها الـ “نياندرتاليون” في صيد الطرائد من الحيوانات الكبيرة معروفة بصورة جيدة، فإن الطريقة التي اتبعوها في استهلاك الطيور لا تزال غير مفهومة تماماً بسبب ندرة العلامات والبقايا الأثرية التي عثر عليها حتى الآن.
وفي دراسة صدرت نتائجها حديثاً استخدم العلماء أداة من الصوان لذبح اثنين من غربان الجيف وحمامتين مطوقتين وواحدة من حمام الورشان أو حمام الغابة، علماً أن الـ “نياندرتاليين” قد تغذوا على هذه الأنواع من الطيور.
وبعدما نتف العلماء الريش عن الطيور المذكورة آنفاً اختاروا طرائق معينة في الذبح والطهو استندوا فيها إلى أدلة أثرية متوافرة في متناولهم، وقد استخدم العلماء جزءاً رفيعاً وحاداً من حجر الصوان [رقائق أو شفرات الصوان] لذبح واحد من الغرابين وواحدة من الحمامات، وهما بعد نَيْأتيْن، بينما شووا الطيور الثلاثة الأخرى على نار الفحم الساخن حتى نضجت ثم ذبحوها بعد ذلك.
وفي النتيجة وجد العلماء أن استعمال شفرة الصوان في الذبح تطلب “دقة وجهداً كبيرين” لم يكونا مفهومين بصورة كاملة قبل إجراء الدراسة، ويقول هؤلاء إن أداء هذه المهمة يتطلب “تعاملاً حذراً” يسمح بتنفيذ عمليات قطع دقيقة للحم الطيور من دون أن تصاب أصابع المستخدم بأي جروح.
وتحدثت الباحثة الرئيسة في الدراسة، ماريانا نابيس، في هذا الشأن فقالت إن “هذه التجارب التطبيقية قد صبت التركيز على التحديات العملية التي انطوى عليها تحضير طعام جماعات الـ ‘نياندرتال’ وطهوه، مما يضع أمامنا نافذة ملموسة تطل على حياتهم اليومية، ويدلنا على الإستراتيجيات التي استعانوا بها للبقاء على قيد الحياة”.
وبطبيعة الحال “تتطلب عملية شوي الطيور على الفحم الحفاظ على درجة حرارة ثابتة والانتباه جيداً للفترة التي يستغرقها اللحم حتى يصبح جاهزاً للاستهلاك، وذلك كي نتجنب الإفراط في طهو اللحوم في النهاية”، أضافت نابيس.
وبعد ذبح الطيور عمد العلماء إلى فحصها بالمجهر بحثاً عن أية علامات قطع وكسور وحروق متروكة عليها، وهكذا أمكنهم أن يروا أي أشكال وأنواع من الآثار بقيت على العظام نتيجة الذبح باستخدام أدوات الصوان، إضافة إلى أنهم تعرفوا إلى سبل عدة تسمح لهم بعقد مقارنة بين تلك العلامات من جهة، وبين الأضرار التي تخلفها العوامل والآليات الطبيعية أو أفعال الحيوانات الأخرى من جهة أخرى.
وقال العلماء إن عمليات التقطيع التي اتبعوها لأخذ اللحوم من الطيور النيئة لم تترك أي آثار على العظام، خلافاً للأوتار التي حملت علامات مماثلة للعلامات الموجودة على الطيور المُكتشفة في المواقع الأثرية.
كذلك تبين أن رقاقة الصوان كانت، بعد استخدامها في الذبح، تحمل ندوباً صغيرة على شكل نصف قمر عند حافتها، ومن ناحية أخرى بدت العظام المأخوذة من الطيور المشوية هشة ومتهشمة عند ذبحها باستخدام أداة الصوان.
وأكثر من هذا وجد الباحثون بقعاً سوداء داخل بعض عظام الطيور المشوية، مما يشير إلى احتراق محتويات تجويف العظم الداخلي.
وبناء عليه تساعد هذه النتائج علماء الآثار في البحث عن علامات واضحة حول تحضير الطعام لدى جماعات الـ “نياندرتال” في سجلات أثرية سابقة.
ولما كانت الدراسة قد شملت خمس عينات فقط من الطيور، دعا العلماء إلى النهوض بمزيد من البحث باستخدام عينات أكبر وأنواع حية مختلفة وظروف تجريبية أكثر تنوعاً.