حرية – (6/8/2024)
أنس بن فيصل الحجي
خسائر مليارية في كافة أنحاء العالم تأثرت فيها كل القطاعات. بدأت هذه الخسائر الأسبوع الماضي مع رفع البنك المركزي الياباني أسعار الفائدة بصورة كبيرة نسبياً، ومع صدور تقرير الوظائف الأميركية الذي أظهر تباطؤاً في الاقتصاد الأميركي. إلا أن الواقع أعقد من ذلك بكثير، إذ إن التحفيزات المالية والاقتصادية التي تبنتها الدول الصناعية للتخلص من آثار إغلاقات كورونا جعلت أسعار الفائدة صفرية، مما يعني أنه يمكن للشخص أن يقترض من البنك من دون أية فوائد. نتجت من ذلك عمليات اقتراض ضخمة وبخاصة من اليابانيين، الذين أخذوا الأموال من البنوك من دون أية كلفة، ثم استثمروا هذه الأموال في مجالات مختلفة، بما في ذلك العملات والعملات الرقمية داخل وخارج اليابان. الاستثمار في العملات وخارج اليابان يعني بالضرورة تأثر هذه الاستثمارات بأي تغيير في أسعار الصرف. ومع ارتفاع التضخم، لجأت البنوك إلى رفع أسعار الفائدة، مما غير من اقتصادات هذه الاستثمارات، وكان ارتفاع الين الياباني في مقابل الدولار ورفع البنك المركزي الباياني لأسعار الفائدة، القشة التي قصمت ظهر البعير. ونتج من ذلك أكبر انخفاض في سوق الأسهم اليابانية في تاريخه أمس الأحد.
الانخفاض طاول الأسواق العالمية كافة، ولكنه ضرب العملات الرقمية بصورة تاريخية أيضاً. وهذا يوضح دور أسعار الفائدة المنخفضة في هذه الأسواق، وكيف شجعت المستثمرين والمضاربين على المخاطرة، ومن ثم الدور المهم الذي تؤديه البنوك المركزية.
وعلينا ألا ننسى حقائق تاريخية منها أن التضخم ضرب الدول الغربية بعد كل حرب كبيرة. وعندما طالت الحرب حصل التضخم أثناء الحرب. الحروب في كل من أوكرانيا وغزة، وضرب الحوثيين للسفن في البحر الأحمر، والحروب التجارية مع الصين أيضاً أدت دوراً في هذا الانخفاض المريع.
أسواق النفط
لم تتأثر أسواق النفط كثيراً في ما حصل، إلا أن أسعار النفط انخفضت بنحو 5 في المئة منذ الأسبوع الماضي، ليس بسبب أساسات السوق، ولكن بسبب الوضع العام في الأسواق وحال الهلع التي سيطرت عليها، والتي أدت إلى إغلاق منصات تداول الأسهم المشهورة كافة بسبب أعداد الناس الضخمة التي تحاول الدخول إما للبيع أو للشراء. وأمس ارتفعت أسعار النفط في بداية التعامل، ثم انخفضت بحدود 2 في المئة، ثم تراجع الانخفاض إذ كانت المحصلة هبوطاً بسيطاً لا يتجاوز 0.4 في المئة. المشكلة في السوق حالياً هي الخوف من حصول ركود اقتصادي، وبخاصة في الولايات المتحدة، وليس لما حصل في اليابان. استهلاك اليابان ليس كبيراً مقارنة بالولايات المتحدة والصين، كما أن الطلب على النفط في اليابان كان ينخفض بصورة كبيرة على كل الحالات بسبب عودة المفاعلات النووية التي تم إغلاقها بعد حادثة فوكوشيما في 2011.
حصول ركود في كبرى الاقتصادات العالمية يعني أن النمو المتوقع في الطلب العالمي على النفط في 2024 سيتلاشى تماماً، إذ سيكون مستوى الطلب في 2024 مساوياً لذلك في 2023. وسينعكس ذلك سلباً على أسعار النفط. في حال استمرار الوضع الحالي ومن دون حدوث ركود اقتصادي، يتوقع أن تقوم دول “أوبك+” بوقف إعادة الكميات التي خفضتها طوعياً والتي قررت أن تبدأ بإعادتها تدرجاً للأسواق في بداية الربع الرابع من العام الحالي. كما يتوقع أن يتم الضغط على الدول التي تجاوزت حصصها الإنتاجية منذ بداية العام أن تقوم بالتعويض وذلك من طريق خفض الإنتاج بكميات مساوية لهذه التجاوزات.
ولكن لو حصل ركود اقتصادي فإنه يتوقع أن تقوم دول “أوبك+” بخفض إضافي يتماشى مع الحال الطارئة، إذ إن “أوبك+” أكدت دائماً مرونتها في التعامل مع الأحداث، ورأينا ذلك جلياً عام 2020 عندما انخفض الطلب العالمي على النفط بصورة كبيرة بسبب إغلاقات كورونا، فخالفت “أوبك+” التوقعات وخفضت الإنتاج بمقدار 9.7 مليون برميل يومياً وهي كميات تاريخية بكل المقاييس.
ولا يمكن تجاهل بعض العوامل الداعمة لأسعار النفط في ظل هذه الظروف الصعبة، منها وصول إنتاج النفط الأميركي إلى ذروته، ولو بصورة موقتة، وانخفاض الدولار الأميركي.
توقعات الطلب على النفط قبل الأزمة الحالية
وفقاً للتقارير الشهرية فإن هناك خلافاً كبيراً بين كل من وكالة الطاقة الدولية وأوبك وإدارة معلومات الطاقة الأميركية في توقعات الطلب على النفط لهذا العام، على رغم أننا في الربع الثالث من العام، والمفروض أن يكون هناك تقارب بينهم. ويتضح عمق المشكلة عندما نعلم أن الخلاف لا يزال كبيراً فيما يخص تقديرات الطلب على النفط في العالم الماضي. نعم، العام الماضي!
وفقاً لتقارير يوليو (تموز) الماضي، فإن “أوبك” تتوقع أن ينمو الطلب على النفط في العام الحالي بمقدار 2.25 مليون برميل يومياً، بينما ترى وكالة الطاقة أنه أقل من ذلك بكثير، 970 ألف برميل يومياً فقط. وترى إدارة معلومات الطاقة الأميركية أنه ينمو بمقدار 1.11 مليون برميل يومياً. المتوقع أن نرى تغيرات كبيرة في التقارير المقبلة لأن ما يحصل في الأسواق يدل على مشكلات عميقة في اقتصادات الدول الصناعية، وكما ذكرت في البداية قد تكون نتيجة الحروب التي طال أمدها واستنزفت قدرات ضخمة من الدول الغربية. والوضع كله الآن يعتمد على ما إذا سيكون هناك ركود اقتصادي أم لا، وأين. كما ذكرت سابقاً، اليابان، على رغم تسببها في المشكلة الحالية، غير مهمة نفطياً، الدول المهمة هي الولايات المتحدة والصين وأوروبا. لهذا يتوقع أن يتم خفض كل التوقعات.
أخيراً، إذا ضرب الركود الاقتصادي أطنابه في الولايات المتحدة وأوروبا فإن هذا لن يؤثر في النفط والغاز فقط، ولكنه سيضرب استثمارات الطاقة المتجددة في الصميم.