حرية – (6/8/2024)
جيمس مور
إن كنت منتظماً في الأسواق لفترة طويلة، فإن عقلية القطيع لا تكف عن إضحاكك. خذ على سبيل المثال الانهيار المفاجئ الذي شهده قطاع التكنولوجيا بين عشية وضحاها، مدفوعاً بشيء كان يمكن لأي ذكاء اصطناعي يتمتع بكفاءة معقولة أن يتوقعه. إنه أمر لا يصدق.
إليكم بعض الحقائق: خسر مؤشر “ناسداك المركب” 3.6 في المئة من قيمته، وهبط مؤشر “ستاندرد أند بورز 500” الأوسع نطاقاً بنسبة 2.3 في المئة، في أسوأ انخفاضين سجّلهما المؤشران منذ عام 2022.
حتى مؤشر “داو جونز” الذي ليس مؤشراً حقيقياً لسوق الأسهم، ولكن لا يزال يُشار إليه على نطاق واسع، ولم يستطِع تجنب التراجع، إذ خسر من قيمته ما نسبته 1.3 في المئة.
إذا كانت هذه الأرقام لا تبدو مثيرة إلى حد كبير، فعلى صعيد القيمة الفعلية بالدولار، يمثل ما حدث في الـ25 من يوليو (تموز) الماضي (بالنسبة إلى أولئك في أوروبا) تريليون دولار (780 مليار جنيه استرليني). وهذا قدر هائل من القيمة الضائعة.
ولقد استثمر القطيع بحماسة في التكنولوجيا، مدفوعاً بضجة الذكاء الاصطناعي والوعود البراقة التي قطعها كبار المناصرين. ويبتعد القطيع الآن لأن المناصرين لم يحققوا (بعد) هذه الوعود. ويبدو أن ذلك لن يحدث في أي وقت قريب.
وتتحمل “تيسلا” خصوصاً وطأة هذا الانحدار. ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى تقرير الأرباح غير المثير للإعجاب. فثرثرة إيلون ماسك حول تصنيع خطوط الإنتاج في الشركة روبوتات شبيهة بالإنسان فشلت في تحريك السوق التي اهتمت أكثر بتخفيضات أسعار سيارات “تيسلا” الكهربائية.
ومع ذلك، لحقت خسائر بالأعضاء الستة الآخرين في ما يسمّى “الشركات السبع الرائعة” الفائقة الأداء في مجال التكنولوجيا، “مايكروسوفت” و”أمازون” و”ألفابت” (التي نعرفها أنتم وأنا باسم “غوغل”) و”ميتا” (“فيسبوك”) و”أبل” و”إنفيديا”.
وكانت نتائج “ألفابت” مختلفة تماماً عن نتائج “تيسلا”. فقد أعلنت عن أرباح وإيرادات أفضل من المتوقع، مدفوعة بإعلانات البحث والخدمات السحابية. ومع ذلك، وجدت “وول ستريت” أسباباً لانتقادها، بخاصة الإنفاق الكبير على الذكاء الاصطناعي. وكذلك عانت “إنفيديا”، وهي لاعب رئيس آخر في مجال الذكاء الاصطناعي، خسائر كبيرة مع تكثيف عمليات بيع الأسهم.
لكن هل ما حصل حقاً انفجار فقاعة؟ حسناً، لا. ليس بعد.
في حين كانت الانخفاضات كبيرة، فإن هذا أقرب إلى التصحيح وليس الانهيار الكامل. إن مثل هذه التصحيحات ضرورية وتحدث من وقت لآخر. وتميل الأسواق إلى استباق الأحداث بسبب عقلية القطيع، خصوصاً في أسهم التكنولوجيا، نظراً إلى الضجة الواسعة النطاق التي تحيط بالذكاء الاصطناعي. وهذا لا يعني أن المردود لن يأتي، لكن الأمر سيستغرق وقتاً أطول مما قد تكون “وول ستريت” على استعداد لانتظاره.
وعلى رغم أن هبوط مؤشر “ناسداك” في يوم واحد كان دراماتيكياً، مما يمثل أحد أسوأ الأيام في تاريخ شركات التكنولوجيا “السبع الرائعة”، فإن الوقت ما زال مبكراً. فعندما انفجرت فقاعة الإنترنت في أواخر تسعينيات القرن الـ20 [كانت فترة تميزت بالمضاربة المفرطة في الشركات المرتبطة بالإنترنت]، خسر مؤشر “ناسداك المركب” 78 في المئة من قيمته. ونحن لسنا حتى قريبين من هذا المستوى الآن.
وعلاوة على ذلك، لا أتوقع حدوث أي شيء مماثل، ذلك أن شركات التكنولوجيا العملاقة السبع، إلى جانب الشركات الأصغر حجماً من حولها، تولد الإيرادات بطرق لم تكُن شركات “الدوت كوم” القديمة قادرة على تحقيقها. ويقودها ويديرها أفراد أذكياء وهم قادة في مجالاتهم. وهذا من شأنه أن يوفر مستوى دعم لأسهمها.
ولا أتوقع أن نرى أي شيء من هذا القبيل. إن نجوم التكنولوجيا السبعة، وكواكب “وادي السيليكون” الأصغر التي تدور حولها، تكسب المال في الغالب بطريقة لم تعرفها شركات التجارة الإلكترونية القديمة. ويديرها أشخاص أذكياء ويعمل فيها أشخاص أذكياء. هم قادة في مجالاتهم. وسينشئ ذلك أرضية صلبة تدعم أسهمها.
وكتب لويس نافيلييه، كبير مسؤولي الاستثمار في مؤسسة “نافيلييه وشركاه”، في مذكرة يقول إن “رحلة شركات التكنولوجيا العملاقة إلى الجودة تتحكم بها أرباح لا يمكنها أن تمر حتى بخيبات أمل طفيفة”. قد يحصل مزيد من ذلك بعد إعلان “أبل” و”أمازون” و”ميتا” أحدث أرقامها خلال الأسبوع الماضي. وتواجه شركات التكنولوجيا ضغطاً لكي تقدّم شيئاً مذهلاً إذا أرادت تجنب ضربة جديدة. لكنه أضاف أن “قصة الذكاء الاصطناعي لم تنتهِ”.
لا، لم تنتهِ، ليس بعد. لكنها خسرت بعض تألقها – وبدأ المستثمرون المتعطشون إلى الربح بالبحث في مكان آخر يثير اهتمامهم. وهذا يشمل بعض القطاعات غير المرغوب فيها سابقاً، والشركات الأصغر فيها. وهذا، مجدداً، أمر ضروري وصحي.