حرية – (6/8/2024)
قالت لي أختي، فيما توقفت لألتقط أنفاسي بعدما أخبرتها قصة عن شعوري بالحزن بسبب انفصالي عن صديق قديم، “يجب أن تجربي العلاج النفسي”.
ذكرتها عندها بأنني أتعالج نفسياً أساساً، لكنني سأحرص على طرح هذا الموضوع في الجلسة المقبلة. لكنها هزت برأسها وقالت لي، “لا. يجب أن تذهبي إلى جلسات علاج برفقتها… مثل علاج الأزواج، لكن للصداقات”.
ثم ساد صمت قطعته بقولها “هذا اتجاه جديد الآن”.
لفتني هذا المفهوم، شعرت بأنه غريب ومنطقي جداً في الآن نفسه. فجميعنا لدينا صداقات ضعفت أواصرها مع الوقت، إما بسبب تباعدنا عن بعض مع الوقت أو لأننا نحمل بعض الضغينة تجاه بعضنا البعض بسبب خلاف قديم لم نحله أو لأننا وجدنا صعوبة كبيرة في التكيف مع التغيرات التي طرأت على حياة كل منا. في الواقع، خسرت عدة صداقات قيمة على مر السنوات- صداقات ما زلت أفكر فيها إلى اليوم، وأحزن على فقدانها. لكن ماذا لو لم تكن العثرات التي واجهناها نهاية العلاقة بالضرورة؟ وماذا لو بدأنا بالذهاب مع أصدقائنا لجلسات العلاج النفسي، تماماً كما نفعل مع علاقاتنا العاطفية – هل يمكننا أن ننقذ أثمن العلاقات العذرية؟
أثناء محاولتي التحري عن هذا الموضوع وربما إنقاذ صداقة مأزومة، أخذت أتصل بالمعالجين النفسيين- الذين قال عدد منهم إنهم بدأوا بعلاج صديقين أو حتى مجموعات من الأصدقاء معاً. وكما تشرح المعالجة النفسية ومؤسسة عيادة “تي أس ثيرابي” TS Therapy تومي سوبيل، “بما أن صداقاتنا غالباً ما تكون علاقات طويلة الأمد وذات أهمية جوهرية في حياتنا، من المنطقي أنه في حال حدوث أي انكسار في العلاقة، قد يشكل العلاج النفسي طريقة إيجابية للتدخل وإصلاح الضرر. ويوفر العلاج مساحة آمنة للأصدقاء، كي يعبروا عما يقلقهم وعن أي استياء يشعرون به وعن مشاعرهم ويسهل إجراء حوارات أكثر أهمية، كما يعزز الروابط في العلاقات”.
لا شك في أن هذا ما حصل مع ديبس التي اكتشفت أن الذهاب إلى جلسات العلاج مع صديقة ساعدهما على الإصغاء إلى بعضهما بعضاً للمرة الأولى منذ فترة طويلة ووفر لهما طريقاً واضحاً يمكنهما أن تتبعانه لإصلاح الأمور. وتقول، “ليس العلاج النفسي بجديد عليّ، لقد جربته مرات عدة في حياتي لذلك شعرت بأنه أكثر حل طبيعي عندما وجدت صعوبة في الحفاظ على صداقة تعز عليّ”.
وتقول، إن صديقتها أبدت رد فعل إيجابي جداً للغاية على اقتراح العلاج. “شرحت لها بأن ذلك مؤشراً إلى مدى تثميني لصداقتنا وعلى رغبتي بالعمل لكي نعود إلى الطريق السليم”.
كانت الصديقتان تمران بمرحلتين مختلفتين من الحياة: فإحداهما متزوجة ولديها طفل فيما الثانية أصبحت عازبة قبل فترة قصيرة وتعيش وحدها، لذلك كانت الهوة تتسع بينهما منذ فترة من حيث تفهم كل واحدة لحياة الأخرى. وتابعت ديبس بقولها، “لم يكن بإمكاننا فهم الاختلافات الصغيرة في شعور كل واحدة منا في حياتها. شعرت بأنها لم تفهم ببساطة الضغوط التي أرزح تحتها بصفتي والدة فيما شعرت هي بأنني لا أتعاطف مع الصعوبات التي تعانيها باعتبارها سيدة عازبة في الثلاثينيات من عمرها. كانت قضايانا وجداول مواعيدنا ومسؤولياتنا مختلفة للغاية، وأعتقد أننا شعرنا بالإنهاك والامتعاض المتزايد فيما كنا نحاول أن نفهم بعضنا بعضاً”.
العلاج النفسي للمجموعات: قد يساعد المرء أن يعثر على مساحة آمنة لمناقشة انهيار الصداقات مع عدة أصدقاء
حضرت الصديقتان أربع جلسات معاً ووجدتا أن وجود بيئة آمنة وداعمة تتيح لهما أن تتحررا من العبء الذي يثقل كاهلهما من خلال الأسئلة الموجهة جعلت هذه الهوة بينهما تبدو أصغر فوراً تقريباً. وتشرح ديبس، “كان من الجيد أن يعلق شخص آخر على ما يحدث ويبسط الأمور بالنسبة إلينا. كما أن (المعالجة النفسية) جعلت الأمور تبدو طبيعية جداً وساعدتنا لكي نرى أن الوضع ليس ذنب أي منا، لكن يمكن لنا نحن الاثنتين أن نتصرف لكي نغيره. كان من المريح أن يقدم أحدهم لنا بعض الحلول العملية بدلاً من أن نحاول نحن الاثنتين أن نحل الأمور وحدنا”.
ليست ديبس وحدها في هذا الوضع. تقول المؤلفة والمعالجة النفسية تاشا بايلي “تلقيت، بوصفي معالجة نفسية مزيداً من الطلبات من أصدقاء وحتى زملاء، يرغبون بتوظيف مساحة العلاج هذه في العمل على علاقاتهم. ومن ناحية أخرى نرى عدداً أكبر من الأصدقاء والإخوة الذين يقصدون العلاج المخصص للأزواج معاً، لا سيما على برامج تلفزيون الواقع. وتعلمنا هذه الأمثلة أننا نحتاج أحياناً إلى مكان آمن وشخص محترف ومحايد يساعد الصداقة على الاستمرار. والأهم هو أنهم يعلموننا أن هذا الوضع طبيعي”. وتضيف بايلي، “كلما تقدمنا في العمر، ازدادت صداقاتنا تعقيداً وازداد التضارب فيها، ويساعد وجود المعالج النفسي في التعامل مع علاقات معينة”.
دفعتني الفكرة القائلة، إن الصداقة المعقدة طبيعية لكن ليس من الضروري أن نتقبلها على هذا الأساس، كي أسأل بايلي عما يجب أن أتوقعه من الجلسات. وتشرح لي قائلة، “سوف يبدو لك الأمر مختلفاً جداً عن جلسات العلاج الفردية. ففي العلاج النفسي الشخصي، يكرس المعالج النفسي جهده لك وحدك، وصحيح أنه يسائلك، لكنه دائماً ما يأخذ طرفك. أما في علاج الصداقات، فأنت لست العميلة الأساسية للمعالج، بل العميل هو العلاقة. لن يكون على المعالج النفسي أن ينحاز لك أو لصديقتك، بل سيتعين عليه أن يقربكما كي تفهما ما تحتاج إليه العلاقة وكيف عليكما تنميتها في المستقبل”.
وتشير كذلك إلى أن العلاج ليس محصوراً بأوقات الأزمات فحسب، “ليس من الضروري أن تنتظروا كي تصل الصداقة إلى مرحلة متأزمة قبل أن يصبح العلاج خياراً مفتوحاً”، بل إن تجربة الذهاب إلى العلاج في بداية المشكلة تعطي الطرفين المهارات والتبصر للحيلولة دون تصعيد التوتر أكثر.
أصبحت حياة صديقتي تدور كلياً حول الأطفال، فيما اتخذت قراراً واعياً بالتركيز على العكس
جيني
كيف يفتح الإنسان الموضوع مع صديق إذاً؟ حتى بعدما اقتنعت بفكرة العلاج النفسي للأصدقاء، أعلم أنه سينتابني مزيج من المشاعر إذا قصدتني صديقة وطرحت علي الموضوع. وتنصح بايلي بالتالي، “استهلوا الموضوع بالكلام عن مدى تثمينكم للصداقة. اشرحوا مدى اهتمامكم بتعزيز العلاقة عبر العمل على بعض التحديات التي طرأت عليها، وكيف يمكن للعلاج النفسي أن يحدث فرقاً. تذكروا أن هذا القرار كبير. فالوقت والمال والمشاعر اعتبارات كبيرة عندما يفكر المرء باللجوء إلى العلاج. لذلك، أأفسحوا المجال والوقت لأصدقائكم كي يفكروا في اقتراحكم”.
وتضيف، “إذا تقبلوا الفكرة، اقترحوا عليهم أن تعثروا على معالج نفسي معاً وفكروا في الصفات التي تعتبرونها مهمة لكم في هذا الطرف الثالث، قد تكون هذه التجربة بنفسها كفيلة بتقريبكم من بعضكم بعضاً”.
عندما أفكر في الموضوع الآن، يبدو لي من المستغرب جداً أن ممارسة العلاج برفقة الأصدقاء لم يكن أمراً اعتيادياً من قبل. فقد أفردت مساحة كبيرة من جلسات علاجي الشخصي في الماضي للكلام عن صداقاتي، إذ ترتدي أهمية عاطفية ضخمة في حياتي وتؤثر في نظرتي إلى العالم، ومع ذلك، لم أفكر قبل سن الـ34 بأن العمل معاً على هذه الروابط القيمة قد يكون أكثر فاعلية بكثير من محاولة العمل عليها وحدي، وانطلاقاً من جانب واحد من القصة فقط.
وفيما تعمقت في البحث، وجدت أن الهدف من علاج الصداقات ليس محصوراً بإعادة إحياء صداقة متعثرة، بل يمكن استخدام هذا العلاج أيضاً لإنهاء صداقة بأقل الطرق إيلاماً (إن كان هذا الشيء متاحاً). وتقول سوبيل، “على غرار علاج الأزواج، قد تكون نتيجة جلسات علاج الأصدقاء معاً أنه ما من نفع في هذه الصداقة لطرف واحد أو لكلا الطرفين، وأن ضررها يفوق فائدتها. والواقع المحزن هو أن الصداقات لم تبن كلها كي تستمر طوال العمر، لكن إيلاء العناية اللازمة لهذه الصداقات، كما الحب والرعاية، حتى في نهايتها، قد يسهم بدرجة كبيرة بتعافي الطرفين”.
هذا ما حدث في حالة جيني* التي وصلت إلى مرحلة إنهاء صداقة كانت تثمنها يوماً ما، بسبب خيارها بعدم الإنجاب، فأرادت أن تحترم هذا الرابط وتحرص على قطع هذه الصلة بترتيب واحترام. وتقول جيني، “أصبحت حياة صديقتي تدور كلياً حول الأطفال، فيما اتخذت قراراً واعياً بالتركيز على العكس. فذهبت كل منا في اتجاه معاكس ولم يعد بيننا قواسم مشتركة كثيرة، وأعتقد أن كل واحدة منا أرادت أن تفسح المجال في حياتها لصداقات مختلفة يمكن أن نتلاقى معها في المرحلة الحالية من حياتنا بدلاً من أن تقوم على قواسم مشتركة كانت بيننا في السابق”.
أقرت الصديقتان بعاطفتهما المتبادلة وقررتا حضور عدة جلسات عن العلاج النفسي للصداقة كي تفترقا بأفضل طريقة، “دون أن يبقى أي شيء معلقاً” يمكن أن يتسبب بالألم أو الإحباط أو الندم في المستقبل. “أرغمنا ذلك على التفكير المعمق والحداد بطريقة شعرنا بأنها صحية من دون أن تكون ثقيلة. كان في إنهاء الأمور بهذه الصورة بعض السخرية لأن هذه الطريقة علمتنا كيف نكون أصدقاء أفضل لبعضنا البعض”.
ولا يفوت الأوان أبداً كي يتعلم الإنسان كيف يكون صديقاً أفضل وكيف يعزز الصلة مع الأشخاص الذين لا يربطنا بهم رابط دم أو قانون، بل حب. وكما هي الحال مع كل أشكال الحب، تتطلب الصداقات جهداً وقد يبدو العلاج النفسي معظم الأحيان جهداً كبيراً، إن كنتم تتعاملون معها جدياً. لكن كما تكتب جاين أوستن في رواية دير نورثانجر “ما من شيء لن أفعله من أجل أصدقائي الحقيقيين”.