حرية – (14/8/2024)
عبد المنعم سعيد
إذا كانت العقود الثمانية الأولى من القرن العشرين شهدت الخروج الأمريكى إلى العالم، وممارسة الحرب الساخنة والباردة فيه عالمية أو إقليمية، وجرى ذلك بالتبادل بين الرؤساء الديمقراطيين والجمهوريين منذ تيودور روزفلت حتى رونالد ريجان، فإن ربع القرن الذى تلا من تسعينيات القرن شهد العولمة الأمريكية تشمل العالم كله. البداية كانت مع الرئيس الجمهورى جورج بوش الأب، ومن بعده الرئيس الديمقراطى بيل كلينتون، وكلاهما عمل على إعادة ترتيب الأوضاع العالمية للتعامل مع الاتحاد السوفيتى وترتيب الأوضاع فى أوروبا، خاصة البلقان، ووضع الشرق الأوسط على طريق السلام انطلاقا من مؤتمر مدريد. بات العالم منسجما مع التقاليد الأمريكية لتحرير التجارة وإنشاء منظمة التجارة العالمية واستيعاب روسيا والصين فيها، وتنظيم انتقال رءوس الأموال لمواجهة الأزمات المالية الدولية. بات العالم «قرية صغيرة» يشرف على أمنها «الشريف» الأمريكى وأقماره الصناعية وأسلحته العابرة للقارات والمحيطات.
المدهش هو أن ما بدا حلما جميلا سرعان ما تحول إلى كابوس مخيف عندما نجح جورج بوش الابن فى كسب الانتخابات الرئاسية فى مواجهة آل جور الذى كان امتدادا فكريا للرئيس كلينتون. الرئيس الجديد حمل معه إلى السلطة والبيت الأبيض حزمة من أفكار «المحافظين الجدد» الذين أعلنوا عزمهم أن يكون القرن الحادى والعشرون قرنا أمريكيا، مما جعل هذه الفكرة تتعدى سبل التجارة والاقتصاد والأفكار إلى استخدام السلاح بعد ما جرى من أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001 التى سرعان ما قادت إلى غزو أفغانستان والعراق، وشن الحرب على الإرهاب من خلال تغيير النظم السياسية التى باتت متهمة بتوليده. انتهى الشكل الأمريكى الباسم للعولمة وخرج الشكل القبيح الذى ظهر فى الأزمة المالية العالمية الكبرى 2008، وخلق حالة من الفوضى العالمية التى ترتب عليها نزوح اللاجئين والمهاجرين من جنوب العالم إلى شماله، ولم يفلح الرئيس التالى باراك أوباما وعرقه الأسود فى تحقيق ردة للقرن الأمريكى بانكماش تتراجع فيه أمريكا عن العالم.