حرية – (14/8/2024)
تواجه الولايات المتحدة تحديات كبيرة في مواجهة الأسلحة الأسرع من الصوت، خاصة مع تقدم منافسين مثل الصين في كل من تكنولوجيا الأسلحة الأسرع من الصوت والأسلحة الموجهة بالطاقة، وخاصة الليزر. وتسافر الصواريخ الفرط صوتية بسرعة كبيرة لدرجة أن حتى الدفاعات التقليدية التي تملكها أمريكا غير فعالة، مما يجعل الليزر إجراءاً مضاداً محتملاً.
لماذا يحتاج الجيش الأمريكي إلى الليزر للتغلب على الصواريخ الفرط صوتية الصينية؟
تعرف الأسلحة الفرط صوتية بأنها صواريخ أو مركبات انزلاقية، سرعتها تفوق سرعة الصوت عدة مرات، وكثير من هذه الصواريخ أو المركبات يمكنها حمل رؤوس نووية، وتمتلك روسيا والصين صواريخ فرط صوتية، فيما تعمل الولايات المتحدة الأمريكية على تطوير نماذج أولية منها. كما تبحث فرنسا أيضاً في تطوير قدرات تفوق سرعة الصوت؛ بهدف صنع جيل جديد من أنظمة الردع النووي.
يمكن لمثل هذه الأسلحة الهجوم بسرعة كبيرة، ويمكن إطلاقها من مسافات كبيرة والتهرب من معظم الدفاعات الجوية. ويمكنها حمل متفجرات تقليدية أو رؤوس حربية نووية. ولدى الصين وروسيا هذه الصواريخ جاهزةً للإطلاق، لكن ليس الولايات المتحدة.
تقول مجلة national interest الأمريكية٬ إنه يمكن لأشعة الليزر تعطيل أو تدمير الصواريخ الفرط صوتية من خلال استهداف تدفق الهواء الساخن أو تعمية أجهزة استشعار هذه الصواريخ.
لكن لا تزال التحديات مثل قيود إنتاج الطاقة ومشاكل خط الرؤية قائمة لدى الجيش الأمريكي. ومع تفوق الصين على الولايات المتحدة في تكنولوجيا الأسلحة الأسرع من الصوت والليزر، تحتاج أمريكا بشكل عاجل إلى تطوير أنظمة ليزر فعالة للدفاع ضد هذه التهديدات الناشئة.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، ذكرت مجلة Politico الأمريكية أنَّ الجنرال ديفيد طومسون، نائب رئيس عمليات الفضاء الأمريكية، دقَّ ناقوس الخطر حول الأسلحة الفرط صوتية الروسية، قائلاً إنَّ الولايات المتحدة “ليست متقدمة بقدر الروس، أو الصينيين، من حيث البرامج الفرط صوتية”.
وعلى مدار أكثر من 60 عاماً، استثمرت الولايات المتحدة مليارات الدولارات في عشرات البرامج لتطوير نسختها الخاصة من هذه التكنولوجيا. وقد انتهت تلك الجهود إما بالفشل وإما أنها أُلغِيَت قبل أن تُتاح لها فرصة النجاح.
تغيير جذري في ساحات المعارك الحديثة
تقول المجلة الأمريكية “ناشونال إنترست” إن ظهور الصواريخ الفرط صوتية أحدثت تغييراً جذرياً في ساحة المعركة الحديثة. والحقيقة أن منافسي أميركا، وخاصة الصين وروسيا، طوروا هذه الأنظمة قبل وقت طويل من قدرة الجيش الأميركي على تطوير هذه الأنظمة ونشرها٬ وهو ما يعد مشكلة حقيقية للجيش الأمريكي.
وتفوق المنافسين في هذا المجال وعدم تمكن الجيش الأميركي من تطوير أي تدابير مضادة يمثل مشكلة مضاعفة لواشنطن٬ ومن بين التقنيات التي تم اقتراحها كإجراء مضاد للتهديد الذي تواجهه القوات الأميركية اليوم من خلال الأسلحة الأسرع من الصوت هي أسلحة الطاقة الموجهة٬ مثل أسلحة الليزر.
وكان استخدام الليزر من الأمور التي أرادها الأميركيون لسنوات. وتقول المجلة الأمريكية إنه “عندما نقول الليزر، فإننا نعني الليزر من النوع الذي ينتمي إلى الخيال العلمي٬ رغم أنه لا يزال مختلفًا بعض الشيء، ولكن هذا هو ما يريده الجيش الأمريكي في الأساس”.
وهذا السلاح لا يحده نقص الذخيرة، ولا يتطلب سوى متطلب واحد: الطاقة. لقد ظلت هذه التكنولوجيا بعيدة المنال عن أفضل العقول التي تستطيع المؤسسة العسكرية الأمريكية توظيفها لعقود من الزمان. والواقع أن البحرية الأمريكية تخلت مؤخراً عن سعيها الطويل الأمد إلى الحصول على هذه “التكنولوجيا الأسطورية”. وقامت البحرية الأمريكية بهذا قبل وقت قصير من إعلان منافسي أمريكا في الصين بكل سرور عن تحقيق اختراقات كبيرة في هذه التكنولوجيا.
“نظام استشعار متعدد الطبقات”
وتقول “ناشونال إنترست”٬ إنه لكي تتمكن وزارة الدفاع الأمريكية من الدفاع بشكل أفضل ضد تهديد الأسلحة الفرط صوتية الصينية والروسية، فإنها تعتقد أنها سوف تحتاج إلى إنشاء نظام استشعار متعدد الطبقات يمتد في مختلف أنحاء العالم، وهو أكثر شمولاً من الأنظمة المستخدمة للكشف عن إطلاق الأسلحة النووية ومراقبته. وعلاوة على ذلك، فقد قدر بعض خبراء الدفاع أن اعتراض الصواريخ الانزلاقية الأسرع من الصوت في الفضاء سوف يكون ضرورياً من أجل تحقيق أقصى قدر من الأمن للولايات المتحدة التي تتعاظم قوة خصومها.
وهنا يدخل مفهوم الليزر في المناقشة٬ فبالنسبة لأولئك الذين عاشوا في عهد الرئيس ريغان، قد يبدو هذا الأمر بمثابة إعادة صياغة لمبادرة الدفاع الاستراتيجي التي اقترحها لإسقاط الصواريخ الباليستية السوفييتية القادمة٬ والواقع أن هذا صحيح على مستوى ما٬ لكن الأمر الآن اعقد من ذلك بكثير.
وللعلم فإن استخدام قدرة تتبع الفضاء الطبقية المقترنة بنظام ليزر متقدم وقوي لإسقاط الأسلحة الأسرع من الصوت القادمة هو على الأرجح الأمل الأفضل – والوحيد – لأمريكا في الدفاع الموثوق به ضد هجوم عليها بالصواريخ فرط الصوتية٬ بحسب المجلة الأمريكية.
وعندما يكون السلاح الأسرع من الصوت في الخدمة، فإنه يتحرك بسرعة كبيرة في الغلاف الجوي العلوي لدرجة أنه يخلق تدفق هواء شديد السخونة حوله. وبالنسبة لمعظم الصواريخ الفرط صوتية٬ فإن هذا جزء خطير للغاية من رحلة السلاح إلى هدفه.
ومع هذا التدفق الهوائي شديد السخونة حول الصواريخ الأسرع من الصوت، لا يمكن للسلاح تلقي الأوامر من مشغليه، ويجعله يطير كالأعمى، ويضطر إلى الاعتماد على أجهزة استشعار داخلية للتنقل حتى يمكن إعادة الاتصال ببلد المنشأ والإطلاق. لذلك٬ يمكن لليزر عالي الطاقة اختراق هذا التدفق الهوائي شديد السخونة وتدميره في الهواء.
أو قد يتسبب الليزر ببساطة في تعتيم أجهزة الاستشعار الملاحية التي يستخدمها السلاح، مما يؤدي إلى خروجه عن مساره، ومن المرجح أن يصطدم بالأرض من دون أن يسبب أي ضرر.
ولكي لا يتخلفوا عن الركب الأمريكي، بدأ الصينيون أيضا في استخدام الليزر في أسلحتهم الأسرع من الصوت. وفي إحدى المشاريع الضخمة الصينية٬ توصل الباحثون إلى كيفية ربط شعاع الليزر بشبكة الإنترنت من الجيل السادس (6G) حتى يتسنى للجيش الصيني الحفاظ على اتصال دائم بالأسلحة الأسرع من الصوت التي أطلقها.
وعلى الجانب الآخر من ذلك، ذكر تقرير لستيفن تشين من صحيفة “ساوث تشاينا مورنينج بوست”، والذي يعود تاريخه إلى شهر مارس/آذار 2024، إن العلماء الصينيين “وجدوا أن مضاعفة قوة الليزر تسبب تقشيراً أقل لطلاء الصواريخ الأسرع من الصوت”. لذلك، “بدون الطلاء الخاص على السلاح الأسرع من الصوت، فإنه قد يكون عرضة لارتفاع درجة الحرارة، أو عدم الاستقرار، أو الانهيار في منتصف الرحلة”.
لكن هل الليزر فعال في مواجهة الصواريخ الفرط صوتية؟
لا يزال هناك منتقدون يرون أن الليزر لن يكون فعالاً في مواجهة الصواريخ الفرط صوتية٬ وفي مقالة نشرها موقع Sandboxx News العسكري الأمريكي عام 2023، حدد الباحث أليكس هولينجز بشكل صحيح حدود إنتاج الطاقة لأسلحة الليزر الحديثة. على سبيل المثال، تحتاج أشعة الليزر إلى وقت لاختراق هدفها.
وبحسب هولينجز، فإن “الأسلحة الأسرع من الصوت مثل DF-ZF الصينية قد تسافر بسرعة 2 ميل في الثانية أو حتى أسرع من ذلك، وهذا يعني أنه يجب أن يكون هناك وقت قليل جداً لتدمير السلاح بالفعل بحلول الوقت الذي يظهر فيه في خط رؤية الليزر”.
إن النقاط التي ذكرها هولينغز في انتقاده لليزر صحيحة٬ ولكنه لا يملك الكلمة الأخيرة في هذا الموضوع. وكما يظهر الصينيون للعالم مرة أخرى٬ فقد تخلف الأميركيون الآن في السباق نحو الحصول على الأسلحة الأسرع من الصوت، وعلى الأرجح في سباق الحصول على الأسلحة الليزرية.
والحقيقة هي أن هناك القليل من الدفاعات التي يمكن تركيبها ضد الأسلحة الأسرع من الصوت. والليزر هو الوسيلة الوحيدة القابلة للتطبيق لوقف مثل هذه الأسلحة. ويبدو أن القاعدة الصناعية الدفاعية الأمريكية غير قادرة على بناء سلاح ليزر فعال يمكن استخدامه ضد الصواريخ الفرط صوتية القادمة من الصين وروسيا.