حرية – (14/8/2024)
هناك بعض الأشياء التي لا مفر من أن يورثها الأهل لأبنائهم، ربما أنف مميز، أو حساسية قاتلة من الجوز.
فيليب لاركين كتب ذات يوم أن “البؤس” ينتقل بين الأجيال، وهو ميراث “يتعمق مثل الجرف الساحلي”، وبالطبع الموروثات ليست كلها كئيبة ومحبطة، فنحن نرث أيضاً أشياء مثل التعاطف والمال (إذا كنت محظوظاً)، وآداب المائدة، لكن ماذا عن الذوق؟
لا يزال موضوع ما إذا كان ينبغي للأهل فرض ذوقهم الثقافي على أطفالهم وكيفية فعل ذلك أمراً خلافياً، ففي نهاية الأسبوع الماضي كشف الموسيقي جين غالاغر، ابن المغني السابق في فرقة “أويسس” Oasis (الواحة) ليام غالاغر عن أن والده فرض فرقتي “ذا هو” و”بيتلز” عليه وعلى أشقائه، وقال في حديث مع صحيفة “صنداي تايمز” إنه “لم ينشأ أي منّا على موسيقى البوب، ولم يكن [ليام] يريدنا أن نستمع إلى جاستن بيبر أو ‘وان دايركشن’ One Direction، ولا أي من هذه الترهات”.
من المؤكد أن كثيراً من الناس يمكنهم أن يتفهموا ذلك، أن يفرض أحد الوالدين ميوله الفنية وكأنها مقدسة، أياً كان ذوق الأهل الفني، مثلاً فرقتي “ريد هوت تشيلي بيبرز” Red Hot Chilli Peppers أو “ستيلي دان” Steely Dan، فإن فكرة غرس أحد الوالدين ذوقه الثقافي في أطفاله منتشرة على نطاق واسع، وبقدر ما قد تكون مزعجة إلا أن هذا لا يعني أنها خاطئة، فمشاركة ذوقك مع أطفالك ليس أمراً مقبولاً وحسب، بل قد يكون ضرورة أخلاقية.
لكن لماذا هذا الموضوع مهم؟
الفن في الأساس وسيلة للتواصل الإنساني، فالاستماع إلى الموسيقى معاً ومشاهدة فيلم معاً والذهاب إلى متحف معاً، كل هذه تجارب مشتركة، ولذلك فإن الذوق المشترك قد يكون وسيلة للتواصل وفهم الآخرين بصورة أفضل، وعندما يأتي هذا من أحد الوالدين فإنه قد يكون بمثابة هدية ووسيلة للقول إن “هذا الشيء جعل حياتي أكثر ثراء، فلنر ما إذا كان بوسعه أن يجعل حياتك أكثر ثراء أيضاً”.
عندما كنت مراهقاً تعرفت على كثير من الأشياء خلال مراحل تكويني من خلال نصائح والديّ، برامج تلفزيونية مثل “ستة أقدام تحت الأرض” Six Feet Under، و”ذا واير” The Wire، و”ديدوود” Deadwood وموسيقيون مثل فان موريسون وبروس سبرينغستين وجون برين، طبعاً من غير المرجح أنني كنت سأمضي حياتي كلها من دون الاستماع إليهم، لكن ذكرى التعرف الأولى هذه عبر نصيحة أبوية، وليس مجرد استكشاف، والاستماع إليهم بجانب أهلي شيء أعتز به.
وبالنسبة إلى كثير من الناس فقد تكون مشاركة الذوق أيضاً وسيلة للتواصل مع جذورهم، فالآراء الثقافية للناس لا تتكون ببساطة بين ليلة وضحاها، بل هي خليط عمر من الاكتشافات والمؤثرات، وهناك أشياء أحبها، موسيقى وأفلام وكتب، انتقلت عبر الأجيال، وأشياء كان أجدادي شغوفين بها وقدموها لوالدي اللذين قدماها لي بدورهما، وهذا يخلق شعوراً جوهرياً بالاستمرارية بين الأجيال، وربما كان هذا أكثر وضوحاً في عائلتي مقارنة بمعظم العائلات.
كان جدي لأبي عازفاً لموسيقى الجاز وكاتب سير ذاتية، وكانت ثقافة الموسيقى، عزفها والاستماع إليها ومناقشتها، تتجاوز الحد الطبيعي عند معظم الأسر، لكن نقل الثقافة [بين الأجيال] تجربة عالمية.
إننا نعيش في مجتمع يقدس كل ما هو جديد على حساب كل شيء آخر، روح العصر في تجدد مستمر، وكأن إلهاً ثقافياً عملاقاً يضغط باستمرار على زر التحديث على الكمبيوتر السماوي الخاص به، ولو لم يفرض الأهل ذوقهم على أطفالهم فلن يكون للأعمال القديمة العبقرية المضادة للخوارزميات.
أفلام لوريل وهاردي، على سبيل المثال، أو موسيقى بيسي سميث، أية وسيلة للوصول للجمهور الهزيل الأصغر سناً الذي وصلته اليوم، وليس من قبيل المبالغة أن نقول إن مشاركة ذوقك مع أطفالك عمل من أعمال الحفاظ على الثقافة.
الجانب الآخر من هذا الموضوع، وحيث أعتقد أن غالاغر أخطأ في تربيته، يكمن في قوله إن أطفاله لا ينبغي لهم أن يستمعوا إلى موسيقى البوب أو موسيقى بيبر أو هاري ستايلز، فبقدر ما قد يكون من الصحي والمثري أن تشارك الفن العظيم مع أطفالك، فإنه لن يمثل أبداً مجمل اهتماماتهم، فبعض الأشياء ستكون دائماً لهم ولأقرانهم، ومشاركة المرء لذوقه يجب أن تكون حول فتح الأبواب وليس إغلاقها.
“إن التدريس مهنة مقدسة”، هكذا قال مؤلف المسرح الموسيقي الراحل ستيفن سوندهايم، مضيفاً أن “الفن شكل من أشكال التدريس”، وما الأهل سوى مدرسين بالمعنى الأعظم والأكثر أهمية، وقد يكون من المبالغة أن نقترح عليك إجبار طفلك على الاستمتاع بشيء ما، أو على سبيل المثال منعه من تناول العشاء حتى ينتهي من الاستماع إلى ألبوم “هانكي دوري” Hunky Dory، لكن من المهم أن يتم تعريف الأطفال بالفنون والأشياء التي يشعر الأهل بأنها مهمة.
إنها وسيلة لتعليمهم عن العالم وعن نفسك، وسواء قبلوا الدرس أو رفضوه، كما يرفض جسداً زرع الأعضاء أحياناً، فالأمر ليس مهماً، وبالنسبة إلى أشخاص مثل جين غالاغر الذي أصبح الآن قائد فرقة الروك الخاصة به “فيلانيل” Villanelle، فهم لن ينظروا إلى الماضي بغضب بل بامتنان.