حرية – (15/8/2024)
تُذكّي الأفلام الرومانسية أهمية “القبلة الأولى”، ولكن هل هي كفيلة بالفعل لتطمئنك بأن شفتيك لامستا شفتي “الشخص المناسب”؟ نعطي القبلة أهمية كبيرة، ولكن ما الذي يمنح فعل التقبيل كلّ هذه الخصوصيّة؟
من بين الإجابات المطروحة، هو أننا عندما نكون أطفالاً صغاراً يكون لدينا استعداد فطري للتحسُّس عبر الشفتين: فمنذ مرحلة الرضاعة الطبيعية، نربط شفاهنا ذهنياً بتعزيزات إيجابية.
هناك اقتراح آخر لتفسير الأمر، ومفاده أننا مهيؤون بشكل خاص لتلقي القبلة على الشفاه، بحكم ماضينا التطوري. فبعد مرحلة الفطام، وقبل القدرة على المضغ، خلال سنوات تكويننا الأولى، قد تمضغ الأمهات الطعام، ثم تمرره إلى أفواه الصغار – تسمّى هذه العملية الإطعام وهي سلوك معروف بين القرود أيضاً.
من ناحية ثانية، تعتبر الشفاه منطقة حساسة للغاية. إنها من الأجزاء القليلة في أجسادنا التي تظل مكشوفة ونغطيها بملابسنا.
ويقول عالم الأنثروبولوجيا البروفيسور ويليام يانكوفياك: “كلما زادت ملابسك، كلما ارتفعت كثافة التقبيل، وكلما قلّت الملابس، كلما قلّت كثافة التقبيل. والاستثناء المثير للاهتمام هو أنّنا لم نجد قبلاً بين الصيادين وجامعي الثمار، مع استثناء واحد، هو في ثقافة سكان القطب الشمالي الأصليين، أو الإنويت”.
ويتابع البروفيسور ويليام يانكوفياك: “إنهم مجموعة الصيد وجمع الثمار الوحيدة التي نجدها تعترف بالقبلة – عبر القبلة الشهيرة بالـ”قبلة المحيطية” وتعني ملامسة الأنوف. في واقع الأمر، هم يمررون شفاههم ذهاباً وإياباً فوق بعضها البعض”.
والسؤال هو لماذا؟
في جميع الأماكن الأخرى التي عاش فيها صيادون وجامعو الثمار، لم يكن هناك ملابس. ما يعني أنه كان بالإمكان أن يحدث اتصال حسي من خلال أي جزء من الجسم”، بحسب يانكوفياك.
“ولكن عندما ترتدي الملابس، فإن النقطة الحسية الوحيدة المكشوفة، والمساحة المعرضة للمس دون غيرها، تكون الوجه”.
ولكن، قد يكون هناك أيضاً غرض تطوّري للتقبيل.
فمن خلال الاقتراب من بعضنا البعض، يمكننا أيضاً استطلاع روائح بعضنا البعض. هذا ما قد يوضح لماذا لا يعدّ التقبيل الرومانسي على الشفاه، سلوكاً شائعاً لدى كلّ البشر.
ووجدت إحدى الدراسات أن أقل من نصف ثقافات العالم تستخدم التقبيل على الشفاه. فبين الثقافات التي شملها المسح وعددها 168 ثقافة، 46 بالمئة منها فقط هي التي تستخدم القبلة على الشفاه، كلفتة رومانسية.
يقول البروفيسور ويليام يانكوفياك: “أعتقد أن السرّ في ذلك نابع من قدرة الناس على تلبية حاجاتهم الحسية بطرق مختلفة عن التقبيل. المثير أن هناك منحىً لا يمكن تجاهله هنا- فكلما زادت التعقيدات الاجتماعية، كلما راج التقبيل”.
أقدم الأدلة على سلوك التقبيل، يعود لنصوص “الفيدا” الهندوسية السنسكريتية والتي يعود تاريخها إلى 3500 عام .
إن أقدم الأدلة على وجود سلوك التقبيل، يعود لنصوص “الفيدا” الهندوسية السنسكريتية، والتي ترجع إلى 3500 عامًا مضت.
تقول شيريل ر. كريشنباوم، مؤلفة كتاب “علم التقبيل”: “هناك العديد من المجتمعات البشرية التي برزت لديها عادة التقبيل على الشفاه على غرار ما نعرفه اليوم”.
تضيف: “ولكن هناك قبلة شعوب الملايو التي وصفها عالم الأحياء البريطاني تشارلز داروين، إذ تجلس النساء القرفصاء على الأرض، ويتمدّد الرجال فوقهنّ، ويستنشق الطرفان روائح بعضهما البعض بسرعة”.
في جزر تروبرياند، قبالة الساحل الشرقي لبابوا غينيا الجديدة، يتبادل المتحابون القبلات من خلال الجلوس وجهاً لوجه وقضم رموش بعضهم بعضاً. “وهو ما أعتقد أن كثيرين من بيننا اليوم لن يجدوه في قمة الرومانسية، ولكن بالنسبة لسكّان تلك الجزر فإنّه يفي بالغرض”، بحسب كيرشنباوم.
وتضيف: “كل هذا يرمي لتوطيد الشعور بالثقة – للتقرب من شخص آخر – وأن يجعلنا مقربين مع الذين نهتم بهم”.
لماذا لا تقبّل الحيوانات بعضها؟
التقبيل عن طريق ملامسة الشفاه والضغط عليها سلوك بشري فريد، على الأرجح. وإن كان الغرض من التقبيل تطوّري، لماذا لا نرى المزيد من فصائل الحيوانات تتجه إلى تبادل القبل؟
أجابت ميليسا هوغنبوم على هذا السؤال لـ”بي بي سي إيرث” في عام 2015: “أحد الأسباب التي قد تجعلنا نضطر إلى الاقتراب من وجه الشريك/ هي شمّ رائحته جيداً وتفحُّصها. يمكن للرائحة أن تمدّنا بكلّ أنواع المعلومات المفيدة: النظام الغذائي، وجود أمراض، المزاج الخاص، ومدى الانجذاب. لكن العديد من الحيوانات لديها حواس شم أكثر تطوراً بكثير مما لدينا نحن كبشر، لذلك ليس من الضروري لها أن تقترب على نحو وثيق”.
إذا هل سنستمرّ بالتقبيل – ولماذا لا تبالي بعض الثقافات بها؟
تقول كريشنباوم مؤلفة كتاب “علم التقبيل”: “لقد رأينا عادة تبادل القبلات تنشأ وتختفي في جميع أنحاء العالم لأسباب مختلفة، تراوحت من الأمراض المعدية وصولاً إلى قيام أباطرة بتحريم التقبيل على شعوبهم، لاعتقادهم أنّ ذلك امتياز لا يحق لهم أن يحظوا به”.
وتتابع: “ولكن هناك شيء أكيد، والذي نراه مراراً وتكراراً، وهو أنه على الرغم من حظره، وعلى الرغم من الأمراض، إلا أنّ [التقبيل] يعود للظهور دوماً”.