حرية – (19/8/2024)
اقتحم وزيران إسرائيليان ومئات المستوطنين المتطرفين صباح الثلاثاء 13 أغسطس/آب 2024 باحات المسجد الأقصى المبارك في القدس المحتلة تحت حماية شرطة الاحتلال، في ما يُعرف “بذكرى خراب الهيكل”.
وأظهرت مقاطع فيديو انتشرت من داخل المسجد عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مستوطنين وهم يؤدون طقوسا تلمودية وصلوات ورقصات داخل باحات المسجد، وخاصة في الناحية الشرقية له.
وبحسب شهود ، فقد قام بعض اليهود بأداء السجود الملحمي في المسجد الأقصى اليوم أثناء مرور بن غفير أمامهم، ما يُعتبر تصعيداً كبيراً مقارنة بالسنوات السابقة، “أكثر علانية وتطرف”.
فما هو السجود الملحمي وكيف يؤديه اليهود؟ وماهي خطورته؟ وماذا بعد الصلوات التلمودية العلنية في الأقصى؟
ما هو السجود الملحمي وكيف يؤديه اليهود؟
ما قبل السجود الملحمي
تقوم جماعات الهيكل، ممثلةً بمجموعة “حوزريم لهار” التي تهدف إلى العودة إلى جبل الهيكل، بتنفيذ تلاوة فقرات من نص “شماع”، وهو جزء من سفر التثنية ويبدأ بعبارة: “اسمع يا إسرائيل، إن الله إلهنا إله واحد”.
عند تلاوة هذه الفقرات داخل المسجد الأقصى، يصرخ المستوطن بها بينما يغطي وجهه أو يضع يده على عينيه. وحتى إذا لم ينطق الكلمات بوضوح، فإن مجرد وضع يده على وجهه يُعتبر تلاوةً لتلك الفقرات.
بعد تلاوة “شماع”، يتبعها قراءة الأدعية الـ18، وتنتهي بالصلاة المعروفة بـ”القاديش” أو التسبيح. بالإضافة إلى ذلك، تقوم جماعات الهيكل بتنفيذ ما يُعرف بـ”ذروة الصلاة”، والذي يتضمن السجود الملحمي أو السجود على الوجه داخل المسجد الأقصى.
ما هو السجود الملحمي وكيف يقوم به المستوطنون؟
يقوم المستوطنون اليهود بالسجود الملحمي من خلال الانبطاح الكامل، واستواء الجسد على الأرض ببسط اليدين والقدمين والوجه بالكامل، ويمثّل هذا أقصى درجات الخضوع.
وبموجب العقيدة اليهودية فإن هذا السجود ممنوع على الحجارة لأنها مادة صناعة الأصنام، ويضع اليهود فاصلا قماشيا على الأرض عند السجود في عيدي “رأس السنة العبرية” و”الغفران”.
وبحسب مزاعمهم فإن السجود جائز على حجارة المسجد الأقصى باعتباره “هيكلاً قائماً” و”محل سكن الرب”، ولهذا بات يميّز بعبارة توضيحية عن بقية السجود فيسمى “السجود الملحمي”.
بعد أن يؤدي المستوطنون تلك الشعائر داخل المسجد الأقصى، يبقى أمامهم شعائر ما بعد الصلوات التي تتطلب إدخال أدوات مرئية مثل لفائف التوراة، والبوق، والشمعدان، بالإضافة إلى القرابين النباتية والحيوانية، والمذبح الحجري، وهذا ما يسعى المستوطنون لتحقيقه بعد تمكّنهم من ممارسة الصلاة في الأقصى.
ما هي خطورة السجود الملحمي؟
قال وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتامار بن غفير، أثناء اقتحام مجموعة من المتشددين للمسجد الأقصى بمناسبة ذكرى “خراب الهيكل”، “لقد أحرزنا تقدماً كبيراً في مجال الحكم والسيادة… لقد شاهدنا اليوم اليهود يصلون هنا بحريّة،كما قلت سابقاً، سياستنا هي السماح بالصلاة لليهود في الأقصى”.
ويعتبر هذا الطقس، الذي يتضمن “السجود الملحمي”، من “أعظم درجات الخشوع في الطقوس التوراتية” بحسب ما أفاد به الباحث زياد ابحيص في حديثه لل”جزيرة نت”، ويُعد فرض السجود الملحمي خطوةً “خبيثةً وخطيرةً” وفق تعبيره تهدف إلى تأسيس ما يُسمى بالعبادات القربانية، وتحويل المسجد الأقصى إلى مركز روحي لليهود، وهذا يعكسُ سعيهم الممنهج لهدم المسجد المبارك وإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه.
تأتي هذه الطقوس في إطار رؤية “جماعات الهيكل”، التي تعتبر المسجد الأقصى مكاناً يهودياً مُقدساً وهيكلًا قائماً، حتى وإن كانت أبنيته إسلامية، كما أوضح الباحث في شؤون القدس زياد ابحيص.
ووفقاً للباحث، تسعى هذه الجماعات عبر طقوسها التلمودية إلى تغيير هويّة المسجد الأقصى، وتحويله من موقع مقدس إسلامي خالص إلى موقع مشترك، ضمن المخطط المعروف بـ”التقسيم الزماني والمكاني”.
ماذا بعد الصلوات التلمودية العلنية في الأقصى؟
ذبح قُربان عيد الفصح
كل عام، يسعى المتطرفون اليهود إلى تقديم القرابين من خلال ذبح الماعز في الحرم القدسي الشريف، الذي يُعرف عند اليهود بجبل الهيكل.
تقومُ الجماعات اليهودية المتطرّفة بالضغط للسماح بإجراء هذه التضحية في الحرم الشريف، الذي يُطلق عليه اليهود اسم “جبل الهيكل”، وذلك عشية عيد الفصح، ويصرّ اليهود على أن ذبيحة عيد الفصح لا يمكن أن تُؤدى إلا في هذا الموقع المقدس.
ففي مقابلة أجرتها بي بي سي مع رفائيل موريس وهو أحد المسؤولين في هذه الجماعة، العام الماضي حول محاولاته للصلاة في ساحات المسجد الأقصى وهو يرتدي زياً إسلامياً، ويصف نفسه بأنه يهودي متدين وصهيوني، قال: “أعتقد أن جبل الهيكل ملك للشعب اليهودي، بسبب ما وعدنا به الله في الكتاب المقدس”.
و أضاف “المهمة هي إعادة احتلال جبل الهيكل”.
لفائف الرثاء
يقومُ هذا الطقس على قراءة لفائف “الرثاء” اليهودية وهي الأناشيد والأشعار التي تعبّر عن الحزن والندم على تدمير مدينة القدس والهيكل الأول المزعوم عام 586 قبل الميلاد، وتُعتبر هذه الخطوة استفزازية للغاية حيث يقوم بعض اليهود المتطرفون بإدخال هذه اللفائف إلى داخل المسجد وقراءتها كجزء من طقوسهم الدينية.
النفخ بالبوق
بحسب ما ذكره لنا المركز الفلسطيني للإعلام ففي المعتقدات التوراتية، يُعتبر النفخ بالبوق رمزاً للتفوق والسيادة. على سبيل المثال، قام حاخام جيش الاحتلال شلومو جوريون بالنفخ بالبوق على جبال سيناء عند احتلالها عام 1956، وأيضاً عند تلة المغاربة في شرق القدس بعد احتلالها عام 1967، كما ينفخ المستوطنون بالبوق سنويًا في ما يُسمى عندهم بـ”عيد الاستقلال” (النكبة).
ويُمثّل النفخ بالبوق عندهم “علامة بدء مرحلة جديدة من الزمن”، حيث يفصل بين السنوات العبرية ويُعتبر بمثابة بداية ليوم القيامة. وفقًا لجماعات الهيكل، يُعتبر النفخ بالبوق في المسجد الأقصى فاصلًا بين زمانين: زمان هويته الإسلامية، الذي يتوهمون أنه انتهى، وزمان تهويده، الذي يعتقدون أنه قد بدأ.
يُعتبر النفخ بالبوق في الأقصى خطيرًا بقدر ما يُعتبر ذبح القربان، لأنهما يعلنان عن بداية زمن جديد حيث يُحوّل المسجد المبارك إلى “الهيكل” وفقًا لرؤيتهم.
اتفاقيات “الوضع الراهن” من حدوث هذا التغيير
وتمنع اتفاقيات “الوضع الراهن” أي تغيير في إدارة الأماكن المقدسة في مدينة القدس الشرقية، والتي يعود تأسيسها إلى العهد العثماني.
في عام 1852 ميلادي، أقرّ السلطان العثماني عبد المجيد الأول ما يُعرف بـ”الوضع الراهن لترتيب الأماكن المقدسة”، والذي يُعرف بالإنجليزية بـ”ستاتس كو” (Status Quo).
بالنسبة لدائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية، فإن “الوضع الراهن” هو النظام الذي ساد منذ إقراره في العهد العثماني، واستمر خلال فترة الانتداب البريطاني لفلسطين (1920-1947)، ثم في العهد الأردني، وحتى بعد الاحتلال الإسرائيلي للقدس الشرقية عام 1967. ينص هذا الوضع، إجمالاً، على أن المسجد الأقصى هو مكان مقدس للمسلمين فقط ويخضع لإدارتهم وفق ما ورد في تقرير لوكالة “الأناضول“
ووفقاً لما ورد في التقرير فإن إسرائيل تسعى إلى إنهاء “الوضع الراهن” وتقسيم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود. تتضمن هذه الخطط تقسيم المسجد زمانيًا، بحيث يُخصص أوقات معينة لليهود لدخول المسجد، وأيضًا تقسيمه مكانيًا عبر اقتطاع أجزاء منه وتخصيصها لليهود.
ومنذ قرار الحكومة الإسرائيلية في عام 2003 بفتح المسجد الأقصى بشكل أحادي أمام اقتحامات المتطرفين اليهود، دأبت دائرة الأوقاف الإسلامية على تقديم الشكاوى بشأن انتهاكات إسرائيل لـ”الوضع الراهن” في المسجد الأقصى.