حرية – (19/8/2024)
ماذا يحدث في ألمانيا؟ سؤال بات يؤرق برلين التي تلقت عدة ضربات أمنية متلاحقة.
ثقوب غامضة مقطوعة في سياج قاعدة للجيش، ومؤامرة مزعومة لاغتيال أكبر مصنع للأسلحة في ألمانيا، بالإضافة إلى التنصت على الهاتف في مكالمة رفيعة المستوى من القوات الجوية الألمانية، كلها أحداث شهدتها ألمانيا هذا العام وأعادت لها أجواء الحرب الباردة.
وبحسب هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” فإنه لا يمكن إلقاء اللوم بشكل قاطع على موسكو في كل هذه الأحداث، ولكن ألمانيا في حالة تأهب قصوى بسبب الدعم العسكري المستمر الذي تقدمه برلين لكييف.
وذكرت “بي بي سي” أنه “في الوقت الذي تشتعل فيه الحرب الساخنة بين روسيا وأوكرانيا، هناك مخاوف من أن أوروبا قد تنزلق إلى حرب باردة جديدة”.
مارك غاليوتي، وهو زميل بارز في المعهد الملكي للخدمات المتحدة ومدير مؤسسة ماياك للاستخبارات قال: “عندما نفكر في الحرب الباردة، نميل إلى التفكير في سبعينيات القرن العشرين، وهي الفترة التي أصبحت فيها قواعد اللعبة راسخة ومقبولة، وبطريقة ما، نحن في بداية الحرب الباردة ــ الخمسينيات والستينيات- أي أنها فترة أكثر قسوة”.
ولكن كيف تبدو الحرب الباردة المتجددة بالنسبة لأكبر اقتصاد في أوروبا ودولة كانت في يوم من الأيام منقسمة إلى نصفين بسبب الستار الحديدي؟.
محاولة اغتيال
وفي الشهر الماضي، وقعت أكبر مفاجأة عندما ذكرت شبكة “سي إن إن” الأمريكية أن “مسؤولين أمريكيين أبلغوا برلين بمؤامرة روسية مزعومة لقتل الرئيس التنفيذي لشركة راينميتال، أكبر شركة أسلحة في ألمانيا”.
ونفى الكرملين التقرير، لكن وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، التي تبدو شخصية متشددة إلى جانب المستشار أولاف شولتز الأكثر ترددا، انتقدت روسيا.
وتُنتج شركة راينميتال قذائف المدفعية والمركبات العسكرية لأوكرانيا، ولو نجحت مؤامرة قتل رئيسها التنفيذي أرمين بابرغر، البالغ من العمر 61 عاماً، لتسبّب ذلك في “موجات من الصدمة” في العالم الغربي، بحسب “بي بي سي”.
تنصت
وقبل ذلك بفترة وجيزة سمح خطأ أمني للجواسيس بالتنصّت على محادثة حساسة للغاية بين كبار مسؤولي القوات الجوية الألمانية، وتم بثّها لاحقاً على التلفزيون الروسي، وهو ما كان سبباً لإحراج شديد لبرلين، نظراً لأن ضابطا كبيرا في القوات الجوية الألمانية بدا وكأنه يسمح للجواسيس بالدخول إلى المكالمة الآمنة من خلال الاتصال بخط غير آمن.، قد أثارت هذه الأمور اتهامات بأن ألمانيا “كانت منذ فترة طويلة حلقة ضعيفة” داخل ملف مكافحة التجسّس الأوروبي.
و”بعد قضية التجسّس بأسابيع أُلقي القبض على مواطنين ألمانيين من أصل روسي؛ للاشتباه في تخطيطهما لتخريب منشآت عسكرية أمريكية في بافاريا. واستدعت بيربوك السفير الروسي للشكوى احتجاجا على ذلك الأمر”، بحسب “بي بي سي”.
وخلال الأسبوع الماضي عُثِر على ثقوب في أسوار منشآت المياه التي تزوّد قاعدتين عسكريتين في ولاية شمال الراين – وستفاليا، مع مخاوف من أن هناك من يسعى إلى تلويث الإمدادات.
وتم إغلاق قاعدة القوات الجوية الألمانية في كولونيا لعدة ساعات بسبب “تقييم المياه غير الطبيعية”.
ولا تُعدّ ألمانيا الدولة الأوروبية الوحيدة التي تستهدفها أعمال تخريبية واضحة، لكنها الدولة التي تحتضن كثيراً من القواعد العسكرية الأمريكية التي أُنشئت في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
ويعتقد مارك غاليوتي أن موسكو تنظر إلى ألمانيا بوصفها قوةً كبيرة، ولكنها «مترهلة»، ما يجعلها نقطة ضغط مثالية.
كما تم التجسس على منشأة عسكرية أمريكية في بافاريا حيث كان الجنود الأوكرانيون يتدربون على دبابات أبرامز القتالية.
ولكن هذه الحادثة الضخمة، على الرغم من عزلتها، غذت الاتهامات بأن ألمانيا كانت منذ فترة طويلة “حلقة ضعيفة” داخل مكافحة التجسس الأوروبية بسبب نظامها الفيدرالي المجزأ الذي يرتكز على التركيز القوي على خصوصية الأفراد.
وبكل المقاييس، فإن أعظم عمل تخريب معروف أثر على ألمانيا في السنوات الأخيرة كان عندما تم تفجير خطوط أنابيب الغاز نورد ستريم، التي تمر تحت بحر البلطيق من روسيا، في عام 2022.
وتزايدت التكهنات حول من أمر بتنفيذ الهجوم منذ ذلك الحين، ولكن في تطور دراماتيكي أصدرت ألمانيا مذكرة اعتقال بحق مدرب غوص أوكراني.
وفي الأسبوع الماضي، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية أن هذه العملية “المتواضعة” تم تمويلها من القطاع الخاص ولكن تم الإشراف عليها من أوكرانيا.
ورفضت كييف التقرير ووصفته بأنه “هراء”، وفي حين كان هناك دائما تشكك في أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيأمر بتدمير خط الأنابيب الخاص به، فإن هذا يظهر أن عالم التجسس المظلم يمكن أن يكون مليئا بالمنعطفات والتقلبات.
وقالت “بي بي سي” إنه بينما تحوم مقارنات الحرب الباردة حول الأمن الأوروبي، فإن سياسات تلك الفترة تجددت أيضاً في ألمانيا بطريقة صارخة وغير متوقعة.
وأشارت إلى أنه بينما يحوم شبح الحرب الباردة فوق القارة الأوروبية، تجدّدت سياسات تلك الفترة أيضاً في ألمانيا بطريقة صارخة وغير متوقعة، ففي محاولة لتعزيز الأمن تعمل الحكومة الألمانية على قانون جديد، يهدف إلى تعزيز مرونة البنية التحتية الحيوية.
وقالت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر إنه يجب أن يكون هناك “أقصى قدر من إجراءات الحماية في جميع المجالات”.
وبالإضافة إلى ذلك هناك أيضاً خطط «مثيرة للجدل» متمثّلة في قيام الولايات المتحدة بنشر صواريخ بعيدة المدى في ألمانيا بدءاً من عام 2026، وعندما بدأت العملية العسكرية الشاملة في أوكرانيا وعد المستشار أولاف شولتز بنقطة تحوّل في سياسة الدفاع والأمن الوطنية الألمانية.
ولكن أنصار الحكومة الألمانية ومنتقديها على حد سواء يعترفون بأن عكس اتجاه سنوات من نقص الاستثمار في الدفاع سوف يستغرق وقتاً، مثلما سوف يستغرق تعديل العقلية التي تأثرت كثيراً بماضي ألمانيا العسكري.
ويقول مارك غاليوتي إن الأمر لا يقتصر على إعادة بناء الدفاع فحسب، بل أيضاً تحسين الأمن السيبراني والاستخبارات المضادّة، ويضيف: “التخطيط الأمني لا يحدث على مدى أسابيع أو أشهر، بل على مدى سنوات”.