حرية – (26/8/2024)
على رغم ما حاولت إسرائيل إظهاره من إنجاز عسكري لمنعها عملية عسكرية واسعة من قبل “حزب الله” رداً على اغتيال أحد أبرز قادته فؤاد شكر، فإن ما كشف عن أن قرار الضربة الاستباقية جاء في أعقاب معلومات استخباراتية إسرائيلية من أن الحزب ينوي توجيه ضربة ضد أهداف استراتيجية حساسة في تل أبيب، وضعت متخذي القرار من رئيس الحكومة ووزير الأمن وقيادة الجيش أمام حملة احتجاج واسعة من رؤساء بلدات الشمال وسكانها الذين ما زالوا نازحين عن بلداتهم من دون أفق قريب لعودتهم.
وفيما لم تعترف إسرائيل رسمياً بإصابة مسيرات وصواريخ “حزب الله” قاعدة الاستخبارات 8200 في “جليلوت” في المركز، منطقة تل أبيب، وموقعاً آخر لـ”الموساد”، أعلن أكثر من جهة أمنية وإعلامية عن استهداف هاتين القاعدتين التي تعتبران الأكثر أهمية وحساسية في جهاز الاستخبارات العسكرية و”الموساد”.
طائرة من دون طيار تابعة لـ”حزب الله” اعترضتها القوات الجوية الإسرائيلية فوق شمال إسرائيل
وكانت إسرائيل قد أعلنت بعد خطاب الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله، إغلاق ملف الرد على اغتيال فؤاد شكر الذي تستعد له منذ 40 يوماً، لكنها في الوقت نفسه أبقت الوضع الأمني واستعدادات الجيش في حال طوارئ واستعداد قصوى، باعتبار أن القتال في الجبهة الشمالية منوط بتطورات صفقة الأسرى.
وركزت الأجهزة الأمنية على تكثيف الحماية لمختلف القواعد العسكرية والمواقع الاستراتيجية والاستخباراتية وأبقتها في حال طوارئ قصوى، والأمر نفسه بالنسبة إلى آبار الغاز في عرض البحر وخليج وميناء حيفا وغيرها من المناطق الاستراتيجية الحساسة، على رغم ما اعتبره أمنيون وعسكريون أن خطاب نصرالله يبعث الطمأنينة بأن الوضع الأمني لن يشهد نوعاً من التصعيد.
بصمة الولايات المتحدة ومساهمتها
ومساء السبت الماضي، وبعيداً من وسائل الإعلام، وفي نطاق ضيق اقتصر على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير أمنه يوآف غالانت وقادة الأجهزة الأمنية بالتنسيق والتشاور مع الولايات المتحدة، اتخذ قرار الضربة الاستباقية على “حزب الله”. وبحسب إسرائيل، اتخذ القرار بعد أن اتضح لتل أبيب أن “حزب الله” وجه نحو 6 آلاف صاروخ ومسيرة باتجاه إسرائيل ووضع مواقع استخباراتية وقواعد عسكرية حساسة ضمن أهداف هجومه، بما في ذلك في تل أبيب. وقال مسؤول أميركي كبير لقناة “كان” الإخبارية إن الولايات المتحدة أسهمت في الاستعداد للضربة الاستباقية والقرار اتخذ بتنسيق وتخطيط ومساعدة كاملة معها.
وقال الناطق السابق بلسان الجيش الإسرائيلي يوناتان كونركوس إن ما حدث في هذه الضربة وخلال الفترة الأخيرة يحمل بصمة الولايات المتحدة التي تحاول الامتناع عن توسيع الحرب إلى إقليمية، وبرأيه فإن زيارات القادة الأميركيين المكثفة إلى المنطقة وإسرائيل جاءت في سياق التنسيق للضربة الاستباقية، وأضاف “لا أعتقد إن إسرائيل في هذه الضربة بالتعاون مع الولايات غيرت قواعد اللعبة في ضربتها الاستباقية، إنما عملت على تشويش أهداف الطرف الآخر، وقد أسهمت في كل هذا الولايات المتحدة”.
واتضح أن إسرائيل أبلغت، إلى جانب الولايات المتحدة، دول الحلفاء، بنيتها توجيه ضربة استباقية، وبعثت برسالة لمجموعة من الأطراف الأجنبية للمساعدة في منع التصعيد، وفي مضمون رسالتها أنها ستعمل لإحباط هجوم من “حزب الله”، “لكنها لا تنوي تحويل ذلك إلى حرب واسعة النطاق”.
حملة “سلامة تل أبيب”
وقد استيقظ الإسرائيليون صباح الأحد على تعليمات الجبهة الداخلية بفرض حال طوارئ حربية والبقاء قرب أماكن آمنة، وقد أغلق مطار بن غوريون الدولي والشواطئ في طبريا ونهاريا وعكا، في حين دعا نتنياهو “الكابينت” المصغر إلى اجتماع طارئ، صباحاً، داخل ملجأ أقيم خصيصاً تحت الأرض في منطقة وزارة الأمن في تل أبيب المعروفة باسم “الكرياه”، وانتهى الاجتماع مع إعلان “حزب الله” عن انتهاء المرحلة الأولى من رده على اغتيال القيادي في الحزب شكر.
وافتتح نتنياهو الاجتماع بالتأكيد أن إسرائيل غير معنية بحرب على لبنان وقد نفذت عملياتها مع ضمان عدم إشعال حرب شاملة، غير أنه، في الوقت نفسه، قال للجمهور إن الضربة الاستباقية هذه ليست نهاية المطاف.
وأثار حديث نتنياهو ودوافع الضربة الإسرائيلية المرتبطة بهجوم على تل أبيب الغضب لدى سكان الشمال النازحين عن بيوتهم منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وكذلك رؤساء بلديات الشمال.
وخرج رئيس بلدية المطلة ديفيد أزولاي بانتقاد واسع ضد متخذي القرار إلى جانب رئيس بلدية كريات شمونة أفيحاي شتيرن الذي قال إن الضربة الاستباقية، وإن لم تجلب أي أمن للحدود الشمالية ولا للسكان ولا تضمن عودتهم إلى بيوتهم، فقد جاءت للدفاع عن تل أبيب “وهو قرار يؤكد أن القيادة تنازلت عن الشمال ولم تعد هذه المنطقة تهم الحكومة والقيادة”، وأضاف “منذ بداية الحرب ونحن نطالب بضربة على لبنان تضمن أمن بلدات وحدود الشمال وإعادة السكان لكن أحداً لم يحرك ساكناً، على رغم الدمار الهائل والقتل اليومي، وعندما اقترب الخطر أكثر على تل أبيب، وبصراحة بسبب المراكز الاستراتيجية المهمة، وحتى البورصة التي تخشى إسرائيل استهدافها، تقررت ضربة استباقية”، وتابع شتيرن “على هذه القيادة أن تفهم أنها ترتكب خطأً كبيراً لأنها إذا لم تنجح في حماية كريات شمونة وبلدات الشمال والدفاع عنها فلن تتمكن من حماية تل أبيب”.
أما رئيس بلدية المطلة فخرج في رده على الضربة الاستباقية إلى أبعد من ذلك وطلب من القيادة الإعلان، وبصورة فورية، عن انسحاب إسرائيل من منطقة الشمال، كما فعلت في قرار “فك الارتباط عن غزة”، وانسحابها من المستوطنات هناك، وإلغاء الشمال عن خريطتها الجغرافية، وبرأيه، فإن هذه الضربة الاستباقية جاءت من أجل حماية وضمان تل أبيب. ودعا أزولاي الحكومة إلى تسمية ضربتها الاستباقية “سلامة تل أبيب” نسبة إلى عمليتها عند اجتياح لبنان في عام 1982، التي أطلقت عليها اسم “سلامة الجليل”.
من جهته، شكك الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي تامير هيمان في التقارير الإسرائيلية التي تحدثت عن وجود مخطط لـ”حزب الله” يتضمن مهاجمة أهداف إسرائيلية بنحو 6 آلاف صاروخ ومسيرة وقد أحبطته، وقال “لو كان الأمر كذلك، وقد خطط ’حزب الله‘ لإطلاق 6 آلاف صاروخ وقضت عليها إسرائيل، لكانت بيروت مشتعلة الآن”.
أما رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان، فاستبعد أيضاً ما أعلنته إسرائيل “لو كان ’حزب الله‘ ينوي بالفعل إطلاق 6 آلاف صاروخ ومسيرة بهدف تدمير البنى التحتية الاستراتيجية لدولة إسرائيل، فمن المستحيل الاكتفاء بمجرد إزالة التهديد”، ودعا ليبرمان متخذي القرار في إسرائيل إلى “وقف حالة الذعر التي تعيشها إسرائيل والانتقال إلى المبادرة لخطة استراتيجية وإنهاء حرب الاستنزاف والتوقف عن تخلي الحكومة عن سكان الشمال، حتى لو كان الثمن تصعيداً دراماتيكياً”.
لا اتفاق
في هذه الأثناء، وعلى رغم تراجع حدة القلق وعدم اليقين فإن إسرائيل أبقت استعدادها وجهوزيتها لمختلف السيناريوهات بما في ذلك احتمال ضربات مكثفة باتجاه قواعد عسكرية، ولم تسقط إسرائيل من حساباتها أيضاً توجيه ضربات بالتعاون مع إيران، وبحسب مسؤول عسكري، فإن واحدة من أبرز النقاط التي سيناقشها رئيس أركان الجيش الأميركي سي كيو براون، الذي سيصل إسرائيل اليوم، ضرورة إبقاء حال الطوارئ والاستعداد من دون إسقاط سيناريو عمليات من قبل إيران.
وعلى رغم إبقاء الاستعداد والجهوزية فإن الجهود الإسرائيلية اتجهت نحو القاهرة في محاولة للتوصل إلى صفقة قريبة.
وقال مصدران أمنيان مصريان، أمس الأحد، إن المحادثات التي جرت في شأن غزة في القاهرة انتهت من دون التوصل إلى اتفاق، إذ لم توافق “حماس” ولا إسرائيل على عديد من الحلول التي قدمها الوسطاء.
وغادر وفدا إسرائيل و”حماس”، مساء الأحد، العاصمة المصرية بعد جولة مفاوضات جديدة في شأن وقف إطلاق النار في غزة.