حرية – (28/8/2024)
عمد سامر أبو هوّاش في مجموعته الشعريّة “من النّهر إلى البحر” الصادرة عن منشورات المتوسّط (طبعة أولى 2024) إلى اختصار المسار الكتابي والشعريّ في آن متّجهًا نحو “التصويريّة” التي حاكت مشهديّات الحرب الجارية والممنهجة على قطاع غزّة.
ولم يتغاضَ في ذلك عن تحويل المسميّات والمفردات الغزّية الفصيحة إلى رموز، فضلًا عن توظيف الإيقاع الموسيقى الداخلي لخدمة القضيّة أوّلًا ولاضافة بعد جماليّ شكليّ ثانيًا. هكذا تبدو الإشكاليّة الأساس في المجموعة هي التالية: كيف خدم التكرار الشاعر في تعزيز التلقّي لدى القارئ؟ وإلى أيّ حدّ بقي الشاعر على مسافة من الإبداعيّة السائدة والمتحوّلة؟
التكرار ووظيفته
اتّسمت معظم قصائد أبو هوّاش بخاصيّة التكرار التي منحت بعدًا إيقاعيًّا لقصائده المنثورة المتحرّرة من الأوزان، والحقّ أنّ الكتابة عن قضيّة أو بمعنى أدقّ الالتزام الأدبي تجاه قضيّة اجتماعيّة ووطنيّة يعدّ امتدادًا لنسق تجديديّ بدأ منذ إطلاق “مانيفيستو” قصيدة النّثر عام 1960 في كتاب “لن” لأنسي الحاج (دار الجديد) مرورا بتبنّي محمّد الماغوط لهذا النسق، علما ان قصائد الماغوط اتسمت ببعدها الإيقاعيّ واتّخاذ الثورة كمناخ للتعبير أو ربّما لمحاولة التغيير. يتقاطع أبو هوّاش من خلال هذه المجموعة على الأقل مع شعراء الحداثة لا سيّما قصيدة النّثر عبر اعتماده على الإيقاع الداخليّ وتحديدا التكرار لتحقيق غايتين.
تتسم الغاية الأولى في بناء عمليّة تلقي وخلق صلة وصل مباشرة بين الشاعر والقارىء، وقد خصّص أبو هوّاش قرّاءه في عدد كبير من القصائد منها قصيدة “من النهر إلى البحر” التي تكرّرت فيها “كلّ” كأداة شاملة تعني مباشرة الشعب الذي يتعرّض إلى إبادة وفقدان لموجودات تشكّل مصدر حياته وابداعه ” كلّ شارع/ كلّ بيت/ كلّ غرفة/ كلّ نافذة…” (ص. 84).
هذا الخروج من الكلّ نحو الأجزاء والمصحوب بتكرار الأداة “كلّ” يعيدنا إلى نظريّة الشكل او ما يسمى “علم النّفس الغشتالتي” الذي يقوم على التنظير حول عمل العقل والدماغ البشري، وان الجنوح نحو الأجزاء ينمّ عن التلاشي المستمرّ للأثر ومحاولة اثباته أو ابقائه كنوع من مقاومة المحو والهدم الذي ينتهجه الاحتلال الاسرائيلي.
في قصيدة “عن قاتل لا أريد ذكر اسمه” أتى تكرار حرف الجرّ “في” كعامل مساعد لمنح الزمن طابعًا سوداويًّا تراجيديًّا ” في حياتك السابقة …في غيبوبتك الطويلة تلك…في تلك الظلمات…” (ص. 87 ).
الغاية الثانية من التكرار اتخذت بعدًا جماليًّا وقد لجأ الشاعر بشكل لاواعٍ إلى تكرار الأحرف بقدر ما كرّر العبارات أو ما يعرف بالاتجاه نحو “اللازمة”: “والسماء تشهد/ والغيم يشهد/ والطير يشهد…”(ص. 62 ) حرف العطف المصحوب تكراره بفعل “شهد” كسر تشيّوء السماء والغيم والطير التي تعدّ بدورها رموزًا دينيّة في الديانات السماويّة تحديدًا، ما يعطي الشاعر حيّزًا للعمل على الجانب العاطفي الذي يعدّ عنصرًا رئيسًا من عناصر العمل الأدبي.
الإبداع بين السائد والمتغيّر
خرج أبو هوّاش عن طريق أسلافه المعروفين ب”شعراء القضيّة ” فتجنّب الاشارة إلى الأمكنة بأسمائها المعروفة، متّجهًا معجميًّا نحو العناصر التي تكمّل المكان وتجعله مكانًا مفتوحًا متواصل الأطراف ينطبق على العنوان “من النهر إلى البحر” والبعد السيميائي البصري الذي منحه اللون الأبيض وأيادي الأفراد المتشابكة التي تعيدنا إلى التضامن بمفهومه الاجتماعي، أيّ أنّ أبي هوّاش تجاوز اللغة المتداولة شعرًا نحو اعطاء القضيّة بعدًا ابداعيًّا مغايرًا يقوم على المفاجأة من جهة والدهشة من جهة ثانية “وكيف تمكن كتابة قصيدة… عن ذاك الصبيّ الذي نقشوا اسمه رقمًا على جبينه” (ص: 60). ولكم ثقيل هذا الهواء …وهذا الجسد الذي كان يومًا لكِ” (ص.49)، استخدمت لفظة جسد بدلًا من جسم للدلالة على مدى سيطرة الموت وكون الطفلة شهيدة فقدها جدّها ونعاها بكلمات بسيطة بشاعريّتها “يا روح الروح”، والجسد لفظة تنسب لغويًّا لمن باتوا في عداد الموتى.
يلخّص سامر أبو هوّاش في مجموعته المشهد الغزّي بطريقة تمزج ما بين المباشرة وما بين كسر النمطيّة في محاولة ودعوة متقدّمتين لكتابة المشهد الدموي بقلم ابداعيّ يتحرّر من موروثات مقاربة المشهد الوطني وتوصيف النكبة وتمددها.
الإبداع بين السائد والمتغيّر
خرج أبو هوّاش عن طريق أسلافه المعروفين ب”شعراء القضيّة ” فتجنّب الاشارة إلى الأمكنة بأسمائها المعروفة، متّجهًا معجميًّا نحو العناصر التي تكمّل المكان وتجعله مكانًا مفتوحًا متواصل الأطراف ينطبق على العنوان “من النهر إلى البحر” والبعد السيميائي البصري الذي منحه اللون الأبيض وأيادي الأفراد المتشابكة التي تعيدنا إلى التضامن بمفهومه الاجتماعي، أيّ أنّ أبي هوّاش تجاوز اللغة المتداولة شعرًا نحو اعطاء القضيّة بعدًا ابداعيًّا مغايرًا يقوم على المفاجأة من جهة والدهشة من جهة ثانية “وكيف تمكن كتابة قصيدة… عن ذاك الصبيّ الذي نقشوا اسمه رقمًا على جبينه” (ص: 60). ولكم ثقيل هذا الهواء …وهذا الجسد الذي كان يومًا لكِ” (ص.49)، استخدمت لفظة جسد بدلًا من جسم للدلالة على مدى سيطرة الموت وكون الطفلة شهيدة فقدها جدّها ونعاها بكلمات بسيطة بشاعريّتها “يا روح الروح”، والجسد لفظة تنسب لغويًّا لمن باتوا في عداد الموتى.
يلخّص سامر أبو هوّاش في مجموعته المشهد الغزّي بطريقة تمزج ما بين المباشرة وما بين كسر النمطيّة في محاولة ودعوة متقدّمتين لكتابة المشهد الدموي بقلم ابداعيّ يتحرّر من موروثات مقاربة المشهد الوطني وتوصيف النكبة وتمددها.