حرية – (29/8/2024)
بندر الدوشي
بعد أقل من 70 يوماً سوف تتعامل المنطقة والعالم مع إدارة أميركية جديدة تماماً، سواء كانت ديمقراطية أم جمهورية، وعلى اعتبار أن أميركا هي القوة العظمى الأولى في العالم فإن كل دول العالم تترقب كل 4 أعوام الانتخابات الأميركية عن كثب وماذا تنتج عنها للتكيف مع نتائجها.
أما في أميركا فهناك صراع مستعر ومفتوح بين ترامب الرئيس السابق، وهاريس نائبة الرئيس الأميركي بايدن، وهي تتقدم حالياً في أغلبية استطلاعات الرأي، وقد ينتهي بها المطاف في البيت الأبيض، فهي المرجحة وفق المعطيات الحالية للفوز بالرئاسة، وبالتالي كل دول المنطقة تريد فهماً أكثر لمواقفها السياسية الخارجية خصوصاً فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط.
وقبل الخوض في ذلك نعود إلى عام 2020 عندما انتصر بايدن على ترامب وتولى السلطة، حينها توقع المراقبون أن تكون إدارته امتداداً طبيعياً لإدارة أوباما، وهو أمر غير دقيق في العديد من الأوجه، وفي الحقيقة بايدن يختلف عن أوباما تماماً، والمثال الأوضح على ذلك أن بايدن كان من مؤيدي الانسحاب من أفغانستان وفعلها على عكس أوباما، ومن يفهم الشأن الأميركي يدرك عمق الخلافات بين الرجلين التي بدأت عندما ترشح بايدن في انتخابات 2008 كمنافس لأوباما والعديد من الديمقراطيين في تلك الفترة، وخلال حملته الانتخابية، تعرض بايدن لانتقادات حادة لوصفه أوباما بأنه “أول أميركي من أصل إفريقي يتمتع بفصاحة وذكاء، ونظيف وجميل المظهر” في مقابلة له عام 2007 مع صحيفة “نيويورك أوبزرفر”.
حينها رد أوباما قليل الخبرة سريعاً لوأد الفتنة في مهدها وقال لشبكة “سي إن إن” إن بايدن اتصل به للاعتذار.
لكنه لم يغفر لبايدن ما فعله. وعندما فاز أوباما بالترشح قرر اختيار نائب له، وكان لديه خيارات محدودة، وهما السيناتور تيم كين من ولاية فيرجينيا عديم الخبرة، والسيناتور ذو الخبرة الواسعة جو بايدن، وهي ما رجحت كفة بايدن في تلك الفترة.
وفي 2016 عندما شارفت فترة أوباما الثانية على النهاية وكان بايدن يستعد لدعم أوباما له، وجه لبايدن أولى اللكمات المفاجئة والموجعة عندما فضل المرشحة الديمقراطية ووزير خارجيته السابقة هيلاري كلينتون على نائبه الذي خدم معه 8 سنوات لهزيمة ترامب لكنها فشلت، وهو ما توقعه بايدن، ثم جاءت انتخابات عام 2020 حيث لم يؤيده أوباما إلا متأخراً جداً وتحديداً بعد انسحاب السيناتور اليساري بيرني ساندرز من السباق وبأيام.
ثم جاءت الضربة القاضية قبل أسابيع عندما أجهز أوباما وبيلوسي على بايدن ودفعاه للخروج من السباق الرئاسي، حيث بدا أوباما مذهولاً وفقاً لمقربين منه، من التراجع الإدراكي والمعرفي الشديد لدى بايدن في حدث لجمع التبرعات في كاليفورنيا قبل أشهر بسيطة من المناظرة الأولى. ويبدو أن المناظرة كانت الفرصة الأخيرة لبايدن، حيث لم يلتق الرجلان حتى اليوم رغم حضورهما المؤتمر الديمقراطي في شيكاغو قبل أسابيع.
ولذلك، أنا أختلف مع من يقول إن فترة بايدن كانت فترة ثالثة لإدارة أوباما، رغم أن الخطوط العريضة لرئاسته لم تبتعد عن الخط الأوبامي.
والسؤال هنا الآن ماذا عن كامالا هاريس؟ وباختصار كامالا هاريس هي حليف وصديق مقرب لأوباما، وإذا انتصرت فعلى الأرجح هي من ستكون إدارتها امتدادًا حقيقياً لإدارة أوباما. وهناك الكثير من الأسباب التي دفعتني للخروج بهذا الاستنتاج وهي بشكل موجز كالتالي: في الشأن الأميركي من يفوز بالمناصب الكبرى وحتى المناصب الشرفية هم أوائل الداعمين للمرشحين الفائزين، وفي حالة هاريس – أوباما فإن علاقتهما تعود إلى عام 2004، عندما ساعدت هاريس في استضافة حفل لجمع التبرعات لحملة أوباما لعضوية مجلس الشيوخ في قاعة رقص بفندق في سان فرانسيسكو، حينها كان أوباما في أمس الحاجة لهذا الدعم.
ووفقاً للمصادر سرعان ما ارتبطا ببعض بسبب خلفياتهما الثقافية، ووجدا قواسم مشتركة مع بعضهما بعضاً في عالم سياسي يهيمن عليه الساسة البيض في تلك الفترة.
وعندما ترشح أوباما للرئاسة كان شخصاً مغموراً وفرصه ضئيلة للفوز لكن هاريس من أوائل من دعم حملة أوباما وآمنت بحظوظه، وتواجدت في عيد رأس السنة الجديدة في ولاية أيوا عام2007 مع حملته من أجل أوباما تاركة عائلتها على بعد 1000 ميل في كاليفورنيا.
وبعد وقت قصير من أداء أوباما اليمين الدستورية أعلنت هاريس ترشحها لمنصب المدعي العام الجديد لولاية كاليفورنيا لكن المثير هنا هو دعم الرئيس أوباما لها، وهو أمر نادر لرئيس يدعم مرشحاً في منصب صغير في ولاية ديمقراطية زرقاء، لكن موقفه ساعدها كثيراً في تلك الانتخابات وأصبحت مدعي عام ولاية كاليفورنيا.
لكن في عام 2013، وجد أوباما نفسه في قلب عاصفة إعلامية لإشادته بالمظهر الجسدي للسيدة هاريس في فعالية لجمع التبرعات في كاليفورنيا. وقال “كما أنها، من قبيل الصدفة، المدعي العام الأكثر وسامة في البلاد” وهي تصريحات محرجة لكن تم تجاوزها باعتذار أوباما الشخصي لها.
وبالفعل أراد أوباما مكافأتها نظير دعمها المبكر لمسيرته، وتم طرح هاريس كبديل محتمل لإريك هولدر في عام 2014 عندما كان يستعد لترك منصب المدعي العام للولايات المتحدة، لكن هاريس اعتذرت عن قبول المنصب بهدوء نظرا لأنها تريد إكمال المهمة في كاليفورنيا خصوصا أن فترة أوباما كانت في أواخرها.
وشاهدنا في المؤتمر الوطني الديمقراطي قبل أيام كيف رد أوباما الجميل لهاريس وألقى خطابا حادا جدا ضد ترامب، وكان يعمل عليه لمدة ثلاثة أشهر وفقا لنيويورك تايمز، وأعاد صياغته في الأسابيع الأخيرة ليتناسب مع مرشح مختلف، وهي هاريس الحليف السياسي له منذ عقدين من الزمان.
وتقول المصادر المقربة من الشخصين إنه خلال فترة ولاية هاريس كنائبة للرئيس، تزايدت مشاركة أوباما في حياتها المهنية من خلال المكالمات الهاتفية المنتظمة والوجبات المشتركة، وعندما تصعب الأمور عليها، كان يقدم لها الدعم والاقتراحات.
وبعد اتخاذ الرئيس بايدن قرار إنهاء حملته لعام 2024 وإبلاغ هاريس، كان عليها إجراء جولة من المكالمات.
وذهبت المكالمات الأولى إلى أفراد الأسرة، بما في ذلك دوج إيمهوف زوجها. ولكن من بين أكثر من 100 شخص تحدثت معهم نائبة الرئيس في ذلك اليوم، كان أوباما في المرتبة الثالثة أو الرابعة على قائمتها، وفقًا لشخص مطلع على مكالماتها.
ومنذ ذلك الحين، انخرط أوباما ومستشاروه في حملتها بجدية ويقومون حاليا بتقديم المشورة لها بشأن الرسائل السياسية لمواجهة ترامب، بما في ذلك اختيارها لرفيقها في الترشح لمنصب نائب الرئيس تيم والز. وليس من قبيل المصادفة أن تركز حملة هاريس على أفكار الفرح والسعادة والحرية، بعد 16 عامًا من وعد حملة أوباما بالأمل وبداية جديدة.
وعلى أي حال هناك الكثير من التقارير التي تتحدث عن توافقهما في الآراء السياسية الداخلية والخارجية، وأنهما متحالفان حاليا وفق وسائل الإعلام الأميركية في مهمة واحدة وهي هزيمة ترامب واستعادة البيت الأبيض من بايدن.
وفي حال انتصارها فإن المنطقة ستكون موعودة بالفعل بعودة أوباما كفترة رئاسية ثالثة ولن يكون غريبا مشاهدة رجال أوباما يعودون بمناصب كبرى في إدارتها الجديدة بما في ذلك سياسته الجدلية مع النظام الإيراني ورؤيته للمنطقة.
لكن يبقى سؤال ماذا لو انتصر ترامب؟ والإجابة تلك قصة أخرى، وهو بالمناسبة أمر ليس مستبعدا ففرصته حتى الآن شبه متساوية مع هاريس، وأرقامه أفضل بكثير من انتخابات 2016 و2020.