حرية ـ (1/9/2024)
عبد المنعم سعيد
من يعش يتعلم كثيرا، وأكثر التعليم أهمية ما يتعلق بالمصطلحات والمفاهيم. وحتى أيام مضت لم أكن قد سمعت عن «الزمكان»، وعندما سمعت لم يكن مفهوما حتى كان الإدراك هو وضع الزمان والمكان فى حزمة واحدة تتفاعل فيما بينها. العلاقة بينهما كانت دائما جزءا مهما من فهم التطور الإنساني؛ وفى مجالنا السياسى فإن الجغرافيا والتاريخ متفاعلان، وأن هذا الأخير ما هو إلا الجغرافيا (المكان) متفاعلا مع الزمن (التاريخ). المكان يحدد المحددات والإمكانات والبيئة، بينما الزمان يدخل الإدراك الإنسانى إلى المعادلة الصعبة. بعد ذلك تتشعب المسألة حيث السياسة تستغل الزمن وتغير المكان لكى تنتج معادلات جديدة تجعل ما سوف يأتى مختلفا عما كان. مثل ذلك يفسر لماذا تأخر الكون لعشرات الملايين من السنوات فى إنتاج مخلوقات ديناصورية تماثل البيئة المحيطة بها فى جمودها ووحشيتها. الإنسان وحده كان هو الذى أمسك بتلابيب العلاقة لكى يحيا ويتزايد وينتشر فى كوكب الأرض؛ وقبل بضع عشرات الألوف من السنين نجد أن الزمن أصبح كثير القيمة لأنه فى تكراره فتح الباب للتراكم المعرفى فى فهم الطبيعة أو الجغرافيا لكى يصل إلى اكتشاف الزراعة والزراعة المنتظمة وبعدها وصل فى قفزات سريعة إلى ما نحن عليه الآن.
ولكن ما نحن عليه الآن تفاعل فيه المكان (كوكب الأرض) مع الزمن لكى نتغلب على جاذبية الأرض وتخرج إلى خارج الكوكب حيث يتغير كل شيء حيث لا جاذبية ولا زمن يماثل ما نعرفه على اليابسة الأرضية. الكون الذى نعرفه يعرف الأكسجين والماء والتربة وخصائص كثيرة، ومخلوقات أكثر؛ والزمن فيه قائم على سرعة وصول ضوء الشمس الذى يصل ما بين النجم والكوكب خلال ثمانى ثوان، وبات ذلك وحدة قياس الزمن. ولكن الخروج من الأرض إلى «الفضاء» بات انتقالا إلى «دنيا» أخرى تتغير فيها العلاقات بين الزمان والمكان بحيث تصير «الزمكانية» أكثر تعقيدا من أى وقت مضى بالنسبة للإنسان فى عمره المديد.