حرية ـ (1/9/2024)
حذر خبراء مغاربة من تداعيات زيارة مثيرة للجدل لوزيرة الدفاع الإسبانية مارجريتا روبليس إلى الجزر الجعفرية الواقعة قبالة سواحل المغرب، والتي تطالب الرباط بالسيادة عليها، على العلاقات بين البلدين، والتي تشهد انتعاشة سياسية واقتصادية، ينتظر أن تتعمق مع استضافة البلدين بشكل مشترك مع البرتغال لمونديال 2030.
وأجرت روبليس في 19 أغسطس، زيارة إلى الجزر لـ”دعم الجنود الإسبان”، وأشادت وزيرة الدفاع الإسبانية خلال زيارة إلى ثكنات عسكرية بعمل الجنود المنتشرين على تلك الجزر “الذين يحرصون على الأمن، ويستعدون كل يوم للرد على أي حادث”، كما جاء في بيان على موقع رئاسة الحكومة الإسبانية.
وتحتل إسبانيا عدداً من الجزر الصغيرة في غربي البحر الأبيض المتوسط، قبالة سواحل مدينتي الناظور والحسيمة، وهي تخضع لإسبانيا منذ عام 1848.
غير أن المغرب لا يعترف بسيادة إسبانيا على تلك الجزر ولا على مدينتي سبتة ومليلية، ويعتبرها أراضي مغربية.
وكانت القمة المغربية الإسبانية الأخيرة في عام 2023، أكدت على “وضع الملفات الخلافية جانباً”، في وقت تشهد فيه العلاقات السياسية والاقتصادية بين الجانبين تطوراً، خاصة مع استعداد البلدين لاستضافة مونديال 2030 بشكل مشترك مع البرتغال.
“تداعيات مكلفة”
وفي ظل صمت رسمي في الرباط، نبه المحلل السياسي المغربي عبد الفتاح الفاتحي إلى أن التفاهمات المغربية الإسبانية “تشدد على أن هناك اتفاقاً ثنائياً يقضي بتدبير القضايا الحدودية الخلافية وفق مبدأ التفاوض”.
وحذر الفاتحي في حديث لـ”الشرق”، من أن أي تحرك محكوم بنزعة سياسية “لا تستوعب حجم التداعيات المكلفة شعبياً ورسمياً، ستؤثر بالضرورة على تنفيذ خارطة الطريق المغربية – الإسبانية”، كما تم التوقيع عليها بإشراف الملك محمد السادس ورئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز.
وقال المحلل السياسي إن الحكومة الإسبانية “تقدر بدقة حدود تداعيات أي تحرك له دلالات سياسية متصلة بطبيعة مناطق تشكل مطالب مغربية ذات حساسية، في انتظار تدبير مثل هذه القضايا الشائكة”.
وأضاف أن مثل هذه التحركات تعد “أمراً مقلقاً للمغاربة”، خاصة وأن بعض الأحزاب السياسية الإسبانية “تحمل الزيارة دلالات رمزية تمس الحدود السيادية”.
“لا خلفيات استفزازية”
لكن أستاذ العلاقات الدولية في جامعة “القاضي عياض” بمراكش، إدريس الكريني، استبعد أن تكون للزيارة أي “خلفيات استفزازية”، خاصة في هذه الظروف بعد أن بذل البلدان جهوداً كبيرة في سبيل تعزيز العلاقات بين الجانبين، ويسعيان إلى بلورة عدد من الملفات على مستوى الربط القاري، وتنظيم فعاليات كأس العالم 2030.
واعتبر الكريني في حديث لـ”الشرق”، أن الأمر يتعلّق بزيارة ترتبط بـ”التنسيق الأمني لمعالجة بعض التحديات المطروحة”، من قبيل الهجرة غير النظامية ومكافحة الإرهاب، وغيرها من الجرائم المرتبطة بالملاحة.
وأشار إلى أن الأمر “لا يمكن أن يؤثر سلباً على العلاقات بين الجانبين”، لافتاً إلى أن المغرب “ما زال يصر على بلورة نقاشات بناءة وهادئة بشأن مجموعة من الملفات الخلافية، سواءً تعلق الأمر بسبتة ومليلية أو الجزر الجعفرية”.
ولفت الكريني إلى أن المغرب سبق وأن أبدى “موقفا صارماً” بشأن ترسيم حدوده البحرية، والدفاع عن سيادته ومصالحه المختلفة.
“تفاهمات سرية”
من جانبه، قال الباحث في العلوم السياسية نجيب الأضادي، إن المغرب يراقب ويأخذ بعين الاعتبار هذه التحركات التي “تحمل نوعاً من الاستفزاز”، لكنه يتعاطى معها بهدوء، إذ “تنتهج المملكة في العادة سياسة الهدوء بحثاً عن تحقيق مصالحها الاستراتيجية لا إنتاج المواقف”.
وأشار الأضادي في حديث لـ”الشرق”، إلى توتر سابق في العلاقات بين البلدين، على خلفية زيارة الملك خوان كارلوس إلى سبتة ومليلية عام 2007، حيث استدعى المغرب سفيره في مدريد، وأعرب عن استيائه وتنديده بتلك الزيارة.
وقال إن البلدين اللذين تجمعهما مصالح استراتيجية يبحثان التوصل إلى اتفاق بشأن المدينتين والجزر المتنازع عليها. لافتاً إلى “تفاهمات سرية” تجري للتوصل إلى اتفاق بشأن “سيادة مشتركة” بين البلدين في أفق 2030.
ويبرز ملف “الحدود البحرية” بين المغرب وإسبانيا، كأحد أهم النقاط الخلافية بين البلدين، إلى جانب ملفات سبتة ومليلية والجزر الجعفرية، وذلك نظراً لما تُمثله السواحل البحرية من أهمية استراتيجية بالنسبة للطرفين.
وفي يناير 2020، صادق مجلس النواب المغربي بالإجماع على مشروعي قانون يحددان المساحات البحرية للمغرب، في خطوة سعت من خلالها الرباط إلى تعزيز موقفها السياسي في مواجهة مطالب جوارها الجغرافي، و”صون مصالح المغرب وحقوقه السيادية على كافة مجالاته البحرية”.
جدل دائم
بالرغم من التطور الذي يطبع العلاقات بين الرباط ومدريد، يظل ملف مدينتي سبتة ومليلة، والجزر المتوسطية، موضوع جدل دائم بين البلدين.
وفي عام 2002 كاد البلدان أن يدخلا في نزاع مسلح بعد إقدام فرقة قوات خاصة إسبانية على محاصرة جنود مغاربة على جزيرة ليلى، كانوا في مهمة لمراقبة الهجرة غير النظامية بحسب مصادر رسمية، لينتهي الحادث بتدخل دبلوماسي أميركي، اتفق عقبه الطرفان على أن تبقى الجزيرة خالية من أي تواجد بشري.
والجزيرة عبارة عن صخرة تمتد على مساحة 13 هكتاراً (0.13 كم2)، وتقع على بعد نحو 200 متر من السواحل الشمالية المغربية قرب مدينة سبتة.
ومن ضمن المدن المتنازع عليها سبتة، التي تقع على الساحل المغربي قبالة جبل طارق، فيما تقع مدينة مليلية بالريف الشرقي للمغرب تقابلها سواحل غرناطة وألميريا.
أما الجزر الجعفرية، فهي عبارة عن 3 جزر تحت السيادة الإسبانية، وتقع على بعد نحو 3.5 كم تقريباً من سواحل بلدة رأس الماء المغربية، ومصنفة “منطقة عسكرية إسبانية”.
وجزيرة باديس أو قمرة كما يطلق عليها الإسبان، توجد على بعد عشرات الأمتار من شاطئ مدينة الحسيمة المغربية، ولا تتجاوز مساحتها الهكتارين (0.02 كم2)، واتخذتها مدريد قاعدة عسكرية.
وأخيراً صخرة الحسيمة، وهي جزيرة صغيرة تبلغ مساحتها 70 متراً وعرضها 50 متراً، وتبعد عشرات الأمتار عن ساحل المدينة المغربية.
ومنذ استقلاله، طالب المغرب باسترجاع مدينتي سبتة ومليلية، والجزر المتوسطية، معتبراً إياها من مخلفات الفترة الاستعمارية، ووضع تبعاً لذلك طلباً لإدراجها في لائحة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي في الأمم المتحدة، لكن مساعيه لم تنجح.
وأمام المطالبات المغربية بالسيادة، ردت مدريد عام 1975 بأن المدينتين، بالإضافة إلى الجزر “توجد ضمن الحدود الوطنية، وتنتمي إلى إسبانيا منذ قرون”
وكانت سبتة ومليلية والجزر الجعفرية، شكلت مصدر أزمات دبلوماسية بين البلدين، آخرها عام 2020، بعدما تحدث رئيس الحكومة المغربية السابق سعد الدين العثماني في مقابلة مع “الشرق”، عن “إمكانية فتح الملف في يوم ما”.
وعلى إثر هذه التصريحات استدعت إسبانيا سفيرة المغرب لديها كريمة ينيعيش وأبلغتها أن الحكومة “تتوقع احترام سيادة ووحدة أراضي إسبانيا”، فيما جددت الرباط موقفها “الثابت” من المدينتين.