حرية ـ (3/9/2024)
عبد المنعم سعيد
لا يوجد مثال يجسد العلاقة بين المكان والزمان والإنسان قدر الصراع الجارى الآن فى الشرق الأوسط. دارت معادلة الصراع العربى الإسرائيلى على مدى العقود السبعة الماضية حول متغيرين: خلق الحقائق على الأرض (استغلال الجغرافيا عبر الزمن)؛ ومهارة استخدام السياسة والدبلوماسية والسلاح (بناء التاريخ). والنتيجة كانت قيام الدولة الإسرائيلية وتوسعها إلى ما بعد الحدود التى قررها قرار تقسيم فلسطين عام 1947؛ وما وصلت إليه بعد حرب يونيو 1967 من إمبراطورية متسعة من نهر الأردن إلى البحر المتوسط، ومن مدينة القنيطرة السورية فى الشمال حتى القنطرة المصرية فى الجنوب. الجانب العربى من الصراع لم يبدأ فى تحقيق نجاح إلا بعد حرب أكتوبر 1973 عندما انكمشت الإمبراطورية الإسرائيلية بقدر شبه جزيرة سيناء، وبعض من الأراضى الأردنية، ومساحة صغيرة فى الجولان السورية (عمل مجيد للإنسان العربي). أما الفلسطينيون فلم يصلوا إلى هدفهم فى الدولة الفلسطينية المستقلة، وكان أقصى ما وصلوا إليه هو «سلطة وطنية» على أرض فلسطينية، ولكنها قليلة الحيلة، ومحدودة القدرات والسلطات.
وبينما نجحت إسرائيل فى جمع قدر من شتات اليهود فى العالم، وإقامة دولة متقدمة تكنولوجيا وعسكريا، ولديها القدرة على الاستيطان فى الداخل الذى تحتله؛ فإن الصراع فضلا عن إعاقته للتقدم والتنمية العربية، فإنه من ناحية أخرى ولد نزعات متطرفة وغير متصالحة مع الحركة الوطنية الفلسطينية فى الداخل ولا مع العالم فى الخارج. لم يكن حكم الإخوان المسلمين هو ما تطلع إليه المؤسسون الأوائل لحركة الاستقلال فى فلسطين؛ ولكن بعد سبعين عاما من الصراع فإن أكثر من سبعة ملايين فلسطينى استمروا على أرض فلسطين ما بين النهر والبحر فى الضفة الغربية وقطاع غزة وداخل إسرائيل نفسها.
الصراع الحالى قائم على حدود القدرة الديمغرافية لدى الطرفين للتعامل مع خيار العودة إلى حرب الوجود لا الحدود أو التعايش السلمى بين النهر والبحر. فى الحالتين تكون الديمغرافيا حاكمة للجغرافيا والتاريخ.