حرية ـ (3/9/2024)
جيمس زغبي
على الرغم من أن العناوين الرئيسية الصادرة عن إسرائيل وفلسطين تنذر بالسوء، إلا أننا كان ينبغي أن نتوقعها. المشكلة، بالطبع، هي أنه يبدو أن الإسرائيليين عازمون على جعل الوضع السيئ للغاية أسوأ، وإدارة بايدن تتصرف كما لو أنهم لم يفعلوا شيئاً خلال السنوات الثلاث والنصف الماضية سوى صب البنزين على نار مستعرة. يستمر الإسرائيليون في التصرف كما لو لم تكن هناك عواقب لسلوكياتهم العنيفة.
لا يوجد أي تهدئة لهجومهم الذي يشنونه على غزة، حيث يأمرون بشكل روتيني بعمليات إخلاء جماعية جديدة تجبر عائلات بأكملها على النزوح مرة أخرى. ومن ناحية أخرى، فقد أسفرت عمليات القصف في جميع أنحاء غزة عن نقص حاد في الغذاء والدواء والمياه. وهناك تقارير عن وفاة أطفال بسبب سوء التغذية والآن شلل الأطفال. وما لا يفهمه الإسرائيليون أن الغضب والألم لا يؤديان إلا إلى المزيد من المقاومة وتجنيد المزيد من المجندين التابعين لحركة «حماس».
فعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، كان الإسرائيليون يواجهون المقاتلين الفلسطينيين في مناطق شمال ووسط غزة التي زعموا أنها «تم تطهيرها». ولكن كما تعلمت الولايات المتحدة في فيتنام وأفغانستان والعراق، فإن أي منطقة لا يتم «تطهيرها» طالما بقي الغزاة الأجانب.
وفي الوقت نفسه، يبدو أن الضفة الغربية على وشك الانفجار. فمنذ عدة سنوات، كانت القوات الإسرائيلية وشرطة الحدود تنفذ غارات قاتلة على المجتمعات الفلسطينية. ومنذ بدأت الحرب في غزة، تسارعت وتيرة هذه الغارات وأصبحت أكثر فتكاً، ومصحوبة بقصف جوي.
بيد أن هذا ليس كل شيء. فقد عانى الفلسطينيون منذ فترة طويلة من عنف المستوطنين المتطرفين من حرق ونهب، بل وحتى استخدام القوة المميتة. وقد أجازت القوات العسكرية الإسرائيلية هذه الهجمات وشجعتها في كثير من الأحيان. كما تزايدت هذه الظاهرة في تواترها ونواياها القاتلة. ولجعل الأمور أسوأ، انخرط أعضاء الائتلاف الحاكم الذي يرأسه نتنياهو في استفزازات، قولاً وفعلاً، شجعت المستوطنين المتطرفين، مما ولّد المزيد من الغضب أو الخوف لدى الشعب الفلسطيني الأسير. وتم إضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية غير القانونية، وتوفير الحماية العسكرية والخدمات الحكومية والأسلحة لها، ولأغراض عملية، تم ضمها إلى إسرائيل نفسها. وقام أحد الوزراء المتطرفين بقيادة المستوطنين إلى الحرم القدسي، معلناً عن نيته بناء كنيس يهودي على أرض المسجد الأقصى.
وقال عضو آخر في الائتلاف الحاكم إن هدف الحكومة يجب أن يكون إزالة الجزء الأكبر من الفلسطينيين من الضفة الغربية، لجعلها أكثر قابلية للحكم. وكانت كل هذه العوامل مجتمعة بمثابة حافز لـ «حماس» لتجنيد المزيد من الأفراد، حيث اكتسبت المجموعة أعضاء جدداً ليس فقط في الأراضي المحتلة، بل أيضاً بين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. وبينما تستمر رقصة الموت هذه، يتصرف فريق بايدن بلا وعي. إنهم يرهقون أنفسهم في محاولة التفاوض على وقف إطلاق النار، والذي يجب أن يعرفوا الآن أن حكومة نتنياهو ليس لديها أي مصلحة في قبوله. وبغض النظر عن الكيفية التي تتلاعب بها الولايات المتحدة بالشروط لجعلها مقبولة لدى الجانب الإسرائيلي (وبالتالي جعلها غير مقبولة ليس فقط لحماس، بل وأيضاً للمصريين)، فإن نتنياهو، خوفاً من خسارة حكومته، يواصل إما بالرفض أو ارتكاب بعض الفظائع الجديدة كتكتيك للمماطلة.
لا تزال الخطوط الحمراء الأميركية يتم تجاوزها ولا يزال القانون الأميركي يُنتهك. لكن رد إدارة بايدن يتلخص في إرسال الأسلحة وتهديد أولئك في المجتمع الدولي الذين يطالبون بالمساءلة. والمحصلة النهائية هي تعزيز شعور إسرائيل بالإفلات من العقاب. ويستمر الغضب الفلسطيني في النمو، وكذلك مكانة «حماس» لدى السكان المحبطين. وتتعرض الولايات المتحدة للمزيد من الإدانة في نظر العالم باعتبارها ممكّنة للأفعال الإسرائيلية.
وما بدأ كرد فعل على الهجوم الذي وقع في السابع من أكتوبر تحول الآن إلى هجوم إبادة، وهو ما أدى إلى المزيد من المقاومة بلا نهاية في الأفق. ولا ينبغي لأحد من أي من الجانبين أن يفترض أن أي نوع من النصر يمكن تحقيقه. فقد أصبح المجتمعان الإسرائيلي والفلسطيني أكثر تطرفاً. وسيستغرق ملء بئر المرارة التي حُفِرَت أكثر من جيل. يمكننا أن نلقي باللوم على «حماس» بسبب هجومها المروع في أكتوبر، أو إسرائيل بسبب ردها البغيض. ولكن اللوم يقع أيضاً على عاتق الولايات المتحدة. فقد عملنا لفترة طويلة جداً وعلى مدار العديد من الإدارات الأميركية على تمكين إسرائيل من تنفيذ أفعالها غير القانونية.
ونتيجة لهذا فقد شجعنا المتطرفين الإسرائيليين وقضينا على قوى السلام الإسرائيلية. وفي الوقت نفسه، عملنا على إضعاف تأثير المعتدلين الفلسطينيين، بينما عملنا على تمكين المتطرفين الفلسطينيين الذين يُنظَر إليهم على نحو متزايد باعتبارهم السبيل الوحيد للمضي قدماً. وفي كل هذا الوقت، يحصل الإسرائيليون على المكافأة، في حين يعاقب الفلسطينيون.
وبينما يُطلَب من الفلسطينيين اتخاذ الخيارات الصعبة، لا يُطلَب من الإسرائيليين سوى القليل وعندما ترفض إسرائيل، لا توجد عواقب. لتغيير هذه الديناميكية، يتعين على الولايات المتحدة أن تعكس مسارها وأن تفعل ذلك بشكل جذري. إن قطع الأسلحة الأميركية عن إسرائيل، الذي طال انتظاره، والاعتراف بحق الفلسطينيين في تقرير المصير من شأنه أن يوجه الصدمة للنظام بالضبط على النحو المطلوب. وسيفرض ذلك نقاشاً داخلياً في إسرائيل، ويعزز من عزيمة أولئك الذين يريدون السلام. وقد يخدم أيضاً في إرسال رسالة إلى الفلسطينيين مفادها أن محنتهم وحقوقهم مفهومة. إن هذه الإجراءات، وخاصة إذا تبعتها العزيمة والخطوات الملموسة، لن تنهي الصراع غداً، ولكنها بالتأكيد ستضعنا على مسار أكثر فاعلية نحو السلام من المسار الذي نسلكه الآن.
ربما يقول البعض إنه من غير المرجح أن يتخذ الرئيس بايدن مثل هذه الخطوة على الإطلاق. ولكن إذا تمكن من حشد نفس العزيمة التي استلزمها التنحي لصالح نائبه، فيمكنه أن يجد الشجاعة للقيام بذلك أيضا. لن يؤدي ذلك إلى إصلاح الضرر الذي حدث، لكنه سيمهد الطريق لخليفته للتحرك بسهولة أكبر نحو تحقيق السلام الإسرائيلي الفلسطيني.