حرية ـ (8/9/2024)
مصطفى فحص
يتخذ اليمين الإسرائيلى الحاكم بشقيه (الليكودى والعقائدى) من عملية السابع من أكتوبر (تشرين الأول) ٢٠٢٣ ذريعة من أجل تصفية القضية الفلسطينية، التى تبدأ بالنسبة إليه سياسيًا برفضه المطلق قيام دولة فلسطينية على ما تبقى من أراضى الضفة الغربية وقطاع غزة عاصمتها القدس، أما جغرافيًا وعقائديًا فإن الوصول إلى هذا الواقع يوجب إعادة احتلال الضفة الغربية بالكامل، أى استعادة أراضى «يهودا والسامرة»، حسب النص التلمودى، إلى الدولة العبرية وتغيير واقعها الديموغرافى.
لذلك فإن العملية العسكرية الإسرائيلية فى شمال الضفة حاليًا ليست أمنية فقط، بل لها بُعد استراتيجى أخطر على مستقبل الفلسطينيين فى الضفة، كونها تأتى فى سياق مشروع وزير المالية الإسرائيلى سموتريتش المعروف بـ«حسم الصراع»، الذى يتبناه وينفّذه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وهدفه السيطرة التدريجية على الضفة الغربية إلى أن يتم ضمها بالكامل، ويترافق ذلك مع تنفيذ مخطط تغيير ديمغرافى للواقع السكانى فى الضفة، من خلال زيادة عدد المستوطنات وتكثيف الاستيطان، حتى يصل إلى حجم موازٍ للتعداد الفلسطينى.
على المستوى السياسى، يتمسك اليمين الإسرائيلى برفض قيام الدولة الفلسطينية. أما على المستوى الميدانى فإنه يعمل منذ سنوات على جعل قيامها مستحيلًا، من خلال قضم الجغرافيا وحصر الديموغرافيا فى الضفة، وتحويل المدن والقرى إلى مساحات ضيقة بنسبة سكانية عالية، أى مجمعات سكنية غير متصل بعضها ببعض، من خلال تقطيع الجغرافيا وجعلها غير قابلة للحياة ودفع الفلسطينيين إلى الهجرة. كما أن مشروع «حسم الصراع» فى رأى الخبراء يستهدف تهجير جزء من سكان شمال الضفة إلى وسطها وجنوبها مرحليًا، والسيطرة على مزيد من الأراضى، وزيادة وتيرة المستوطنات حتى العشوائية التى وصل عددها إلى ١٦٩، والعمل على استهداف أكثر من ٧٥٠ ألف فلسطينى فى الضفة يملكون رقمًا وطنيًا أردنيًا، ودفعهم إلى الانتقال إلى الضفة الشرقية لنهر الأردن.
الخريطة الجديدة للكيان الإسرائيلى التى ظهرت فى آخر مؤتمر صحفى لنتنياهو من دون حدود الضفة الغربية، هى فعليًا نعى رسمى إسرائيلى للحدود السياسية لاتفاقية أوسلو، حيث يمكن تسميتها بالخريطة الجديدة لإسرائيل الموسّعة، التى تقوم على ضم الضفة الغربية وتقطيع قطاع غزة وإفراغ أجزاء واسعة من جنوب لبنان من سكانه، وهذا قد يتطلب إما إعادة احتلال الجنوب، وإما تنفيذ ما هو أوسع من حدود القرار الأممى ١٧٠١ جغرافيًا، ولكن بالنار.
إسرائيل الموسّعة تبدو على حساب الفلسطينيين أولًا وحقوقهم، وعلى حساب اللبنانيين ثانيًا، فلبنان المُنقسم يبدو أنه أحد ضحايا تداعيات عملية «طوفان الأقصى»، نتيجة الانقسام السياسى والاجتماعى العموديين بين طوائفه على قضايا داخلية وخارجية متراكمة، وعزز هذا الانقسام دخول «حزب الله» حرب الإسناد، وحديث نُخبه عن اليوم التالى للحرب، والتطرق إلى الأحجام والدور والدستور والسلاح، مما أثار قلقًا لدى نُخب الطوائف الأخرى، فرفعت مجددًا مطالبتها بالفيدرالية، أو حتى الانفصال، باعتباره الأنسب لدى البعض لحلّ الأزمة اللبنانية المُستعصية، والذى ترافق مع تراجع فكرة العيش المشترك فى بلد واحد، لصالح عيش واحد أو أحادى لكل جماعة أو طائفة، فى بلد شبه مشترك أو ما زال بعض أبنائه يتمسكون بالحد الأدنى من مشتركاته.
وعليه، مِن تراجع حلّ الدولتين فى فلسطين إلى تقدم حلّ الدويلتين أو أكثر فى لبنان، تعمل تل أبيب على زيادة المساحات الديموغرافية والأمنية وفرض إسرائيل الموسّعة، بينما يُعيد اللبنانيون إنتاج تناقضاتهم منذ قيام دولة لبنان الكبير، التى يعدها البعض أقل من حجمهم والبعض الآخر أنها ضاقت عليهم.