حرية ـ (8/9/2024)
تتوالى التحذيرات الروسيّة لأوروبا، مرّة بخطوات عسكرية تعيد إلى الأذهان حرباً عالمية لم تخرج القارة العجوز من كوابيسها بعد، مثل حشد بيلاروسيا، الحليفة اللصيقة لموسكو، قواتها على الحدود مع أوكرانيا تحت حجة إجراء تدريبات، إضافة إلى المعارك المستمرة في أوكراني، ومرة بطرق “أكثر نعومة” لكنها أقسى عملياً، ومنها ما صدر الأسبوع الماضي عن الكرملين من أن المستهلكين الأوروبيين سيتحملون ارتفاعاً في أسعار الغاز ما لم يتم تمديد اتفاقية لنقل الغاز الروسي عبر أوكرانيا، التي تنتهي صلاحيتها في 31 كانون الأول (ديسمبر) المقبل. وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، إن روسيا “ستجد طرقاً بديلة في حال عدم تمديد الاتفاقية لكن المستهلكين الأوروبيين سيدفعون أكثر”.
ويأتي “التذكير” الروسيّ بمسألة الغاز على أبواب الشتاء، وفي وقت أعلنت فيه أوكرانيا مراراً أنها “لا تنوي إبرام اتفاقية جديدة” لنقل الغاز مع روسيا.
وهذا يأخذنا إلى منطقة كورسك التي دخلتها القوات الأوكرانية في مطلع الشهر المنصرم، فمن هناك يمر أحد خطوط الغاز ويتلاقى مع خط قادم من حدود إقليم بيلغورود، الذي أيضاً حاولت القوات الأوكرانية الدخول إليه. ومن غرب أوكرانيا تتوجه خطوط الغاز هذه باتجاه سلوفاكيا، لتنقسم هناك باتجاه تشيكيا ومن ثم ألمانيا والآخر باتجاه النمسا فإيطاليا. كما هناك خطوط أخرى باتجاه رومانيا، إنما هذه تعد من الأبرز، كما تُظهر خرائط موقع “الشبكة الأوروبية لمشغلي نقل الغاز”.
حرب الغاز والنفط
كييف لم تكتف بذلك، بل تتعمد استهداف مستودعات النفط الروسية، وكانت السلطات المحلية في منطقة روستوف جنوب روسيا، قد أفادت الأربعاء الماضي أن مستودعاً ثانياً للنفط في المنطقة اشتعلت فيه النيران خلال شهر في أعقاب هجوم بطائرة بدون طيار.
وبالتالي تعتقد أوكرانيا أن استهداف المستودعات، و “وجودها في كورسك سيوجهان ضربة قوية لقدرة شركة ‘غازبروم‘ على توليد الإيرادات لآلة الحرب الروسية” بحسب الباحث في العلاقات الدولية من جامعة أوكسفورد صامويل روماني.
ويرى سيرغي ماكوغون الرئيس التنفيذي السابق لشركة GasTSO في أوكرانيا والخبير في مجال الطاقة، إن أهمية ما يجري، تكمن في أن هذا الخط هو “الطريق الوحيد المتبقي لتوصيل الغاز مباشرة إلى أوروبا وأصبح أكثر أهمية بعد توقف خطوط أنابيب يامال ونورد ستريم 1 عن العمل في عام 2022”.
ويقول ماكوغون في مقال له، إن شركة “غازبروم” الروسية تدرك جيداً أن “أي انقطاع مؤقت في النقل قد يدفع عملاءها إلى التحول إلى طرق بديلة لتوريد الغاز، وربما بشكل دائم”. ويشير إلى أن التقلبات الطفيفة في أسعار الغاز في الاتحاد الأوروبي رداً على العملية العسكرية الأوكرانية الأخيرة في منطقة كورسك “تدل على أن السوق الأوروبية أصبحت قادرة على العمل بشكل متزايد بدون الغاز الروسي”، ما سوف يتسبب بخسائر ضخمة للشركة الروسية.
نورد ستريم
قد يكون صحيحاً أن أوروبا بدأت البحث عن بدائل للغاز الروسي، وصحيح أيضاً أن بعض هذه البدائل باتت موجودة بالفعل، لكن هل هي كافية؟ هنا علينا التوقف عند مسألة مهمة طرأت في الأسبوعين الماضيين، وتحديداً عند إصدار برلين مذكرة اعتقال أوروبية بحق مدرب غوص أوكراني، كان يقيم في بولندا، يشتبه به في المشاركة بعملية تفجير خطوط الغاز الممتدة من روسيا إلى ألمانيا في بحر البلطيق، في أيلول (سبتمبر) 2022 وهي الخطوط التي تعرف باسم “نورد ستريم 1 و2” والتي أدت إلى تخريبهما.
وبحسب “وول ستريت جورنال” الأميركية فإن “العملية تضمنت استخدام يخت صغير مُستأجر وفريق مكون من 6 غواصين مدربين من أوكرانيا”. والاتهام الألماني أثار غضب بولندا التي قال رئيس وزرائها دونالد توسك في منشور له على موقع “اكس” (تويتر سابقاً) إن “الشيء الوحيد الذي ينبغي عليكم فعله الآن هو الاعتذار والتزام الصمت”.
في المقابل، عدم اتخاذ السلطات البولندية أي خطوة باتجاه تنفيذ مذكرة الاعتقال الألمانية، أثار غضب برلين، قبل أن يتم إرسال جواب قضائي بأن المشتبه به غادر الأراضي البولندية، بحجة “أن ألمانيا لم تدرج اسمه في قاعدة بيانات المطلوبين” على أن يُسمح للمحققين الألمان بتفتيش منزله.
بطبيعة الحال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي نفى الإتهامات بشكل قاطع، فيما جدد مستشاره ميخائيل بودولياك الاتهام لموسكو. جاء ذلك بعد أن نشرت “وول ستريت جورنال” في 18 آب (أغسطس) تفاصيل شكلّت صدمة كبيرة حول “اجتماع بين مسؤولين أوكرانيبن من أجل وضع خطة التخريب” وأن مسؤولين أوكرانيين “رفيعي المستوى” تحدثوا لأول مرة عن “إمكانية تقويض” خطوط أنابيب الغاز هذا في أيار (مايو) 2022.
مع الإشارة إلى أن الدنمارك والسويد وألمانيا فتحت تحقيقات في انفجارات “نورد ستريم” لكن الدنمارك والسويد أغلقتا تحقيقاتهما في وقت سابق من هذا العام. وهنا يستوقفنا أيضاً قرار برلين خفض المساعدات العسكرية إلى كييف.