حرية ـ (8/9/2024)
ناصر الحزيمي
حينما قررت أن أقرأ لعالم الاجتماع المهم الدكتور علي الوردي وقع اختياري على كتابه الكبير “لمحات اجتماعية في تاريخ العراق الحديث”، وهو كتاب شيق كتبه الوردي بأسلوب سلس وتساءلت وقتها بعد أن أتممت قراءة الكتاب حول عنوان الكتاب “لمحات اجتماعية في تاريخ العراق الحديث”، وهل كان هذا العنوان دقيقا ومعبرا خصوصا أن مجمل مادة الكتاب حول أحداث بغداد المدينة العريقة وشيئا مختصرا عن النجف وكربلاء، أما باقي المدن العراقية المهمة مثل البصرة والموصل ومنطقة كردستان وهي مناطق شاسعة وغنية بالتنوع الاجتماعي والثقافي فلم يدرسها اجتماعيا ولا حتى تاريخيا، علما أن الدكتور الوردي يعتبر هذا الكتاب هو مشروع العمر يقول في مقدمة كتاب اللمحات:
((إن هذا الكتاب قد يجوز أن أعده “كتاب العمر” بالنسبة لي، فقد بذلت فيه من الجهد والوقت أكثر مما بذلت في أي كتاب آخر سابق له. وقد جعلته عدة أجزاء أكملت منها أربعة، والمأمول أن أتابع البحث في تاريخ العراق الحديث حتى أصل به إلى الوقت الحاضر الذي نعيش فيه، وهذا ما أستمد العون عليه منه تعالى)).
وبالرغم من أن طموح الدكتور الوردي أن يستمر في مشروع دراسة المجتمع العراقي حتى زمنه الحاضر إلا أنه لم يستمر وهنا ملاحظة يجب أن نتأملها وهي أن الدكتور الوردي قد بنى كتاب اللمحات بأجزائه الستة على هيكل كتاب “دراسة في طبيعة المجتمع العراقي” الذي صدر في عام 1965م ويكاد أن يكون هذا الكتاب ملخصا لكتاب “لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث”.
ووقف في اللمحات حيث وقف في “دراسة في طبيعة المجتمع العراقي” وعليه فإذا أراد الدكتور الوردي أن يستمر فعليه أن يكمل البناء بهيكل جديد مع مرحلة ما بعد العشرينات، ويبدو أن عامل السن قد حال دون ذلك خصوصا أننا لم نطلع على مسودات مخطوطة لكتاب اللمحات تكمل ما صدر.
أريد أن أختم كلامي هنا حول عدم تناول الدكتور علي الوردي العراقيين غير الناطقين بالعربية مثل الأكراد والتركمان.
خصوصا أننا نتعامل مع عالم يرى أن لكل مكان خصوصيته في إجرائيات التعرف عليه والبحث حوله وكما نعرف أن الدكتور الوردي قد وعد بأن يدرس المجتمع العراقي عموما لا البغدادي أو النجفي أو الكربلائي فقط ووجدت الجواب في كتاب “دراسة في طبيعة المجتمع العراقي” يقول الدكتور الوردي ((… المنطقة الجبلية: وهي تقع في الزاوية الشمالية الشرقية من العراق، ويسكنها الأكراد في الغالب، وفيها أقلية تركمانية… وفي المنطقة أقليات دينية متنوعة كالغلاة واليزيدية وبعض الطوائف المسيحية. وهذه المنطقة لا تدخل في نطاق بحثنا. وهي جديرة ببحث خاص بها. وقد حاولت ذات مرة دراستها فلم أوفق إلا قليلا، وذلك لجهلي باللغات السائدة فيها…)).
أنا لا أدري لماذا قال الوردي “لا تدخل في نطاق بحثنا” فكتاب اللمحات خاص بعموم العراق ومنطقة كردستان عراقية وأنا أظن السبب أن الدكتور الوردي كان جهده الإجرائي منحصرا في بغداد خصوصا، وهو ما ذكره من جلوسه في مقاهي بغداد وطلابها الذين استعان بهم من بغداد غالبا وبرنامج “أنت تسأل ونحن نناقش” في بغداد والبث وقتها نطاقه محدود لا يغطي إلا بغداد وما قرب منها وبعض أهل بغداد هم من يملك تلفاز، هذه هي موارده التي ذكرها لدراسة المجتمع العراقي وجميعها بغدادية بامتياز.