حرية ـ (11/9/2024)
فالح الحمراني
على خلفية استمرار التناقضات والتنافس والخصومات بين القوى السياسية العراقية النافذة وتفاقم بعضها، والصعوبات الخطيرة التي تواجه الاقتصاد العراقي والمجالات المالية والاجتماعية، ما يزال الوضع الأمني في بعض مناطق البلاد صعب. وخرج “مرصد التطورات في العراق” الذي ينشر معهد الشرق الأوسط في موسكو نتائجه شهريا، باستنتاج مفاده أن مواصلة تنظيم داعش أنشطته الإرهابية وتواجد القوات التركية في البلاد يشكلان المصدر الرئيس المهدد لأمنها الوطني. وتزعم تركيا إنها تمارس أعمالها العسكرية في البلاد بالتنسيق مع الجهات العراقية المختصة!
وحسب تقدير المرصد ما يزال الوضع الأمني في بعض مناطق العراق معقدا. وعلى الرغم من تراجع نشاط تنظيم داعش الإرهابي، إلا أنه ما يزال يشكل تهديدا لقوات الأمن والسكان في البلاد. وما يزال “الجهاديون” قادرين على القيام بأنشطة تخريبية مستدامة واستخدام أيديولوجيتهم الظلامية لمصلحة تجنيد بعض الشرائح في العراق، والاحتفاظ بالقدرة على القيام بأنشطة إرهابية في عدد من مناطق البلاد. ويستخدم التنظيم خلاياه النائمة لتنفيذ أعمال إرهابية. وفي الوضع الحالي، تكثف قوات الأمن العراقية هجماتها على خلايا داعش النائمة.
على صعيد آخر لم توقف القوات المسلحة التركية في الشهر الماضي، نشاطها العسكري في شمال العراق ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني التركي. وتعتبر أنقرة حزب العمال الكردستاني أحد التهديدات الرئيسية للأمن القومي للبلاد.
ووقعت وزارتا الدفاع التركية والعراقية في 15 آب، مذكرة تعاون في المجال العسكري والأمن ومكافحة الإرهاب، وحسبما قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان عقب مفاوضات في أنقرة مع وزير الخارجية فؤاد حسين واجتماع آلية الأمن رفيعة المستوى بمشاركة وزيري الدفاع وأجهزة المخابرات في البلدين. وقال فيدان: ” يحدونا الأمل بأن نرتقي بتعاوننا إلى مستوى أعلى”. وتجدر الإشارة الى أن قرار إنشاء مركز تنسيق لآلية أمنية رفيعة المستوى بين البلدين اتخذ في أبريل من هذا العام، بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب اوردغان إلى العراق. ومن مهام المركز حماية الحدود المشتركة ومكافحة الإرهاب. وسيعمل مركز التنسيق المشترك على أساس مقر العمليات المركزي للقوات المسلحة العراقية، لكن العسكريين الممثلين فيه سيكونون تابعين لقيادته. وسيقوم المركز بتبادل المعلومات الاستخبارية والتعامل مع التخطيط العسكري وتنسيق أعمال البلدين في مجال مكافحة الإرهاب.
ووضعت مذكرة التعاون العراقية التركية، الموقعة في نيسان، الأساس القانوني للتعاون بين البلدين في شؤون مكافحة الإرهاب، وتنص المذكرة على وجه الخصوص على تحويل القاعدة العسكرية التركية في مدينة بعشيقة شمالي العراق، والتي تم الاتفاق على سير عملها بين الطرفين المختلفين، إلى مركز مشترك للتدريب والتعاون. وهذا سيسمح للجيش التركي بتدريب قوات الأمن العراقية ومكافحة حزب العمال الكردستاني وجماعة “الدولة الإسلامية” الإرهابية بصورة مشتركة.
وقال “مركز مكافحة التضليل” التابع للإدارة الرئاسية التركية في بيان، إن المذكرة الأمنية بين تركيا والعراق لم تنص على إنهاء مرابطة القوات المسلحة التركية على الأراضي العراقية. وأوضح: “إن تأكيدات بعض وسائل الإعلام بأن الاتفاقية الموقعة بين العراق وتركيا تهدف إلى إنهاء وجود القوات المسلحة التركية في العراق غير صحيحة”. ولا توجد لوائح حول هذا الموضوع. وبموجب المذكرة، سيقوم البلدان بإنشاء مركز تنسيق مشترك في بغداد، ومركز مشترك للتدريب والتعاون في بعشيقة. وكما أشارت وزارة الدفاع التركية، “يتضمن تدريب الأفراد العسكريين وضباط إنفاذ القانون، ومكافحة المنظمات الإرهابية، وضمان أمن الحدود، ومكافحة الهجرة غير الشرعية، والتهريب والجريمة المنظمة، وتبادل المعلومات الاستخبارية”. وأكدت الدائرة العسكرية خططها لإنشاء مراكز في بغداد وفي قاعدة عسكرية في بعشيقة. وسيقودهم ضباط من البلدين. وسيشارك أيضا موظفون مدنيون في العمل، وسيتم تحديد تكوينهم وتخصصهم في المستقبل. وستكون المهمة الأساسية للمراكز، بحسب الجانب التركي، هي “القضاء على التهديدات التي تشكلها التنظيمات الإرهابية أو المحظورة على سيادة وأمن البلدين والمنطقة”.
وقدم المرصد كشفا واسعا بالعمليات التي قامت بها القوات المسلحة التركية في داخل العراق في الشهر الماضي، ونقل عن رئيس بلدية ناحية أميدي في محافظة دهوك بكردستان العراق، في 19 آب، إنه تم إخلاء 201 قرية بسبب الاشتباكات المستمرة بين حزب العمال الكردستاني التركي والقوات التركية في المنطقة. يغطي قضاء آميدي 28% من مساحة محافظة دهوك ويتكون من ستة أقسام إدارية و356 قرية وثماني بلديات. وفي 23 آب، قتل الجيش التركي 16 من مقاتلي حزب العمال الكردستاني في شمال العراق خلال عملية “قلعة المخلب” في مناطق هاكورك وأسوس وغارا والمدينة.
ويعتقد المحللون أن المجمع الصناعي العسكري العراقي يعاني حاليا من “هجرة الأدمغة”، ونقص المتخصصين والموظفين المؤهلين، وتدمير القاعدة الصناعية نتيجة الاحتلال الأمريكي والصراعات الأهلية، فضلا عن تشبث حكومة بغداد بشراء المعدات في الخارج بدلا من تطوير الإنتاج الخاص بنا.
واكد إن الحكومة العراقية تبذل جهوداً كبيرة لتعزيز الجيش وقوات الأمن الوطنية الأخرى، وزيادة فعاليتها القتالية لتحقيق نجاح كبير في مواجهة الجماعات المسلحة المناهضة للنظام. وفي الوقت نفسه، يتم إيلاء اهتمام خاص لتحسين المعدات التقنية للقوات، وتشبعها بالأسلحة والمعدات العسكرية الحديثة والفعالة، وتحسين جودة تدريب مختلف فئات الأفراد العسكريين. وينصب التركيز الرئيسي في هذا المجال على الحصول على المساعدة العسكرية والفنية العسكرية الأجنبية الضرورية وربما الأكبر. ولابد من التأكيد هنا على أن الأزمة الاقتصادية الحادة التي ضربت العراق والصعوبات المالية أدت إلى انخفاض ملحوظ في الإنفاق العسكري، مما أثر سلباً على وضع الجيش. كما أن المواجهة المستمرة بين مختلف الجماعات والانتماءات العشائرية في القيادة العراقية لها تأثير سلبي على الوضع في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية الأخرى.
وبشكل عام على وفق المرصد، لا تزال الفعالية القتالية للقوات المسلحة العراقية والميليشيات الشيعية وقوات البيشمركة الكردية، اليوم ورغم التقدم الكبير الذي تم إحرازه، غير عالية بما فيه الكفاية. وهذا هو السبب كما يرى المرصد، إن وجود المستشارين العسكريين الأمريكيين ضروري لحد كبير في بغداد لاحتواء فلول تنظيم داعش وأذنابه.