حرية ـ (12/9/2024)
حيدر أحمد
تأتي الزيارة التي يقوم بها الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان، إلى العراق في فترة تشهد العلاقات بين البلدين كثيرا من التعقيدات. كما أنها تتزامن مع توترات إقليمية عديدة.
شهدت علاقات العراق وإيران بعد 2003 تقلبات كبيرة، إذ تأثرت بالتغيرات السياسية والأمنية في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، وتفاقمت هذه التحديات بعدما أصبح العراق ساحة للتدخلات الإقليمية، والنزاعات الطائفية، والتوترات بشأن النفوذ السياسي والاقتصادي، إلى جانب التحديات الأمنية المتصلة بالجماعات المسلحة والصراعات في المنطقة.
اتخذت إيران في البداية موقفا رافضا للغزو الأمريكي للعراق، على عكس بعض حلفائها من القوى السياسية العراقية الذين كانوا داعمين لإسقاط نظام حزب البعث.
موقف إيران ذاك كان لخشية طهران من الوجود الأمريكي ونفوذه على حدودها الغربية حسبما يرى مراقبون، ولذلك دعمت إيران ما تسمى فصائل المقاومة العراقية “المناهضة للوجود الأمريكي سواء كان بالتدريب أو التسليح”.
من جانب آخر، عملت إيران على دعم أصحاب “المشروع السياسي العراقي المناهض للاحتلال الأمريكي”، سواء كانوا من السياسيين الشيعة أو السنة، ووقفت إلى جانبهم في عملية سياسية شهدت صعودا مطردا للكتل السياسية التي ينتمي لها أولئك الساسة.
في عام 2011 انسحبت القوات الأمريكية من العراق بناء على اتفاقية وقعها الجانبان في عام 2008 والتي تنص كذلك من بين ما تنص عليه أن تساعد واشنطن بغداد عسكريا إذا تعرضت لتهديد كبير على أن يكون ذلك بطلب من الأخيرة.
وبعد الانسحاب الأمريكي أصبحت إيران الرقم الأكبر في العراق. وتتطورت العلاقة بين البلدين الجارين واتسعت لتشمل الأمور الاقتصادية والتجارية وحتى الأمنية والعسكرية، فقد ظلت إيران تدعم الفصائل المسلحة التي كانت تقاتل القوات الأمريكية، خصوصا بعد أن أصبح لتلك الفصائل أجنحة سياسية وسجلت حضورا في البرلمان العراقي، بل وفي الحكومة أيضا.
في عام 2014، وبعد أن اجتاحت عناصر تنظيم الدولة الإسلامية ثلاث محافظات عراقية، طلبت الحكومة العراقية مساعدة الجانب الأمريكي الذي أرسل مئات الجنود، وهو إجراء أثار حفيظة إيران والفصائل العراقية المسلحة التي وإن كانت تقاتل عناصر التنظيم المتشدد فإنها لم تقاتل جنبا إلى جنب مع القوات الأمريكية، على عكس الجيش العراقي وجهاز مكافحة الإرهاب اللذين كانا يحظيان بدعم لوجستي ومعلوماتي أمريكي.
وبعد دحر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق بقيت القوات الأمريكية هناك على أساس أن خطر التنظيم لا يزال ماثلا، الأمر الذي أبقى التوتر حاضرا بين إيران والفصائل العراقية المسلحة من جهة، والجانب الأمريكي من جهة ثانية.
ودأبت تلك الفصائل على استهداف القواعد التي يوجد فيها الجنود الأمريكيون لإجبارهم على مغادرة العراق.
على صعيد آخر، كادت الأوضاع بين العراق وإيران في مطلع يناير/ كانون الثاني الماضي أن تتدهور بعد هجمات بالصواريخ البالستية على مدينة أربيل، ما تسبب في سقوط مدنيين بين قتيل وجريح.
أعلن الحرس الثوري مسؤوليته عن الضربات التي استهدفت أربيل، وقال في بيان، إنها جاءت رداً على إسرائيل التي اتهمتها إيران بقتل عدد من قادة الحرس الثوري. وأضاف البيان أن هجوم الصواريخ استهدف ما سماه مقرا تجسسيا رئيسيا للموساد في إقليم كردستان العراق.
لكن العراق وعلى لسان مستشار الأمن القومي، قاسم الأعرجي، أكد أن ادعاءات إيران باستهداف مقر للموساد في محافظة أربيل، لا أساس لها من الصحة، حسب وصفه.
ومن جانبه، عدّ مجلس أمن إقليم كردستان القصف الصاروخي الذي شنّه الحرس الثوري الإيراني والذي استهدف به مناطق مدنية في مدينة أربيل “انتهاكا صارخاً لسيادة الإقليم والعراق كافة”.
من كل ما سبق يمكن القول إن العلاقة بين العراق وإيران في الفترة التي تلت عام 2003 شهدت شدا وجذبا، وفي الوقت الذي كان هناك تعاون كبير بين البلدين في شتى المجالات، كانت هناك توترات شابت تلك العلاقة أيضا.
تشابك الأحداث
تأتي زيارة بزشكيان إلى العراق، وهي أول زيارة خارجية له منذ فوزه في الانتخابات الإيرانية التي جرت في يوليو/ تموز الماضي، في ظل توترات إقليمية متعددة، أبرزها حرب غزة التي تُلقي بظلالها على الأوضاع السياسية في العراق والمنطقة كلها، إذ إن بعض الفصائل العراقية المسلحة القريبة من إيران أبدت دعمها العلني للفصائل الفلسطينية، ما رفع من حدة التوترات مع القوى الإقليمية والدولية.
ويرى مراقبون تحدثوا لبي بي سي أن “التحدي الأكبر يكمن في كيفية التعامل مع هذه الأزمات المتشابكة، بما في ذلك تأثيرات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ودور الفصائل المسلحة في العراق، خاصة وأن هذه الملفات تتداخل بشكل عميق مع المصالح الإقليمية والدولية”.
وقال السفير الإيراني في العراق، محمد كامل آل صادق، لبي بي سي، إن “زيارة بزشكيان تؤكد أن العراق يحظى باهتمام من منظور السياسية الخارجية للرئيس الإيراني، إذ أعلن أن سياسته الخارجية مبنية على أهمية دول الجوار، وللعراق أولوية في هذا المجال”.
وتابع آل صادق أن “العراق يستطيع أن يلعب دورا مهما في توطيد العلاقات بين دول المنطقة، كما هو الحال عندما لعب سابقا دورا في إعادة العلاقة بين الرياض وطهران، وأن الإيرانيين يأملون أن يلعب العراق هذا الدور في توطيد العلاقة مع سائر دول المنطقة”.
ولفت السفير الإيراني إلى أن “الملف الاقتصادي مهم وأن الجانبين سيتناولان هذا الملف حتما، وكذلك الحال مع الملف الأمني، وأنه توجد اتفاقيات ومذكرات تفاهم بخصوص الجانب الأمني ستوقع بين مسؤولي البلدين”.
ملفات اقتصادية وأمنية وسياسية
يعد العراق من الدول القليلة المستثناة من العقوبات الأمريكية النفطية على إيران، إذ تستمر بغداد في استيراد الغاز الطبيعي والكهرباء من طهران بموجب إعفاء أمريكي يتجدد كل فترة.
كما أن بغداد مدينة لطهران بحوالي 11 مليار دولار مقابل واردات الغاز الطبيعي والكهرباء التي لم يتم تسديدها حتى الآن بسبب العقوبات المفروضة على إيران.
ويقول مدير مركز الاتحاد للدراسات الاستراتيجية محمود الهاشمي لبي بي سي، إن الزيارة فيها رسالة إلى الولايات المتحدة والغرب وبعض دول المنطقة مفادها أن إيران والعراق يتمتعان بعلاقة تتعمق أكثر في ظل الظروف الراهنة.
ويضيف أن رئاسة بزشكيان امتداد طبيعي لرئاسة الراحل إبراهيم رئيسي الذي اختار العراق محطة لأولى زياراته الخارجية. ومن المرجح توقيع 30 اتفاقية في الشؤون الأمنية فضلا عن الاقتصادية، وأخرى تتعلق بالماء والطاقة، مبينا أن هذه الاتفاقيات سبق وأن تم الاتفاق عليها في عهد رئيسي.
وبحسب الهاشمي، فإن مشكلة العقوبات الأمريكية على إيران ومحاولة إيجاد طرق لتجاوزها، ستكون حاضرة خلال مباحثات البلدين.
ولفت الخبير الاستراتيجي إلى أن “إيران ترى العراق عمقا استراتيجيا لما سماها المقاومة، خصوصا وأن إيران لا تزال تحضر للرد على اغتيال إسماعيل هنية” حسب قوله.
وأوضح الهاشمي من جانب آخر أن العراقيين يرون أنهم لم يستفيدوا بعد من الشركات الإيرانية سواء في الإسكان أو المشاريع النفطية ويطمحون إلى المشاركة لسهولة العمل ورخص العقود.
من جانبه، يشير الباحث والمختص في الشؤون المالية والمصرفية، مصطفى حنتوش، في حديثه لبي بي سي، إلى أن العراق يتشارك حدوداً تزيد عن 1400 كم مع إيران، ما يجعل التعاون الاقتصادي بين البلدين ذا جدوى كبيرة. وأوضح أن العراق يستورد من إيران العديد من السلع مثل الكهرباء والغاز والحديد بالإضافة إلى الفواكه والخضراوات ومنتجات الألبان بما يقدر بـ 10 مليارات دولار سنوياً.
وأشار حنتوش إلى ضرورة وضع حلول اقتصادية من قبل العراق لتنظيم تجارته مع إيران، بحيث تشمل دعم المنتجات التي يمكن للعراق زراعتها أو صناعتها محليًا، بالإضافة إلى استيراد السلع التي يمكن الحصول عليها بتكلفة مماثلة من دول أخرى.
أما بالنسبة للسلع التي لا يستطيع العراق إنتاجها محلياً أو تغيير وجهة استيرادها، فإن الحل الأمثل هو أن يسعى العراق إلى الحصول على موافقة أمريكية لاستيراد هذه السلع من إيران عبر منصة رسمية تشمل آليات مثل الحوالات أو الذهب، أو منطقة تبادل تجاري، كما هو الحال في بعض دول المنطقة مثل الإمارات وتركيا وعمان.
كما أشار إلى أنه على مدى العامين الماضيين، شهد العراق ضغوطا على سعر الدولار في السوق الموازية بسبب الحظر الكامل على تحويل العملات إلى إيران، سواء كانت بالدولار أو الدينار، في حين لا تزال هناك حركة تجارية وسياحية كبيرة بأسعار ملائمة.
وبحسب مراقبين، فإن إيران من جهة أخرى تسعى إلى حل مشكلة الجماعات المناهضة لها والموجودة في إقليم كردستان العراق منذ عقود، وتعمل على إنهاء وجود هذه الجماعات مقابل التفاوض على ملفات استراتيجية أخرى مع العراق، مثل ملفي المياه والطاقة.
ويرى محللون أن إيران تستغل هذه الملفات الحساسة للضغط على الحكومة العراقية والإقليم لتحقيق أهدافها الأمنية والسياسية في المنطقة.
وتعتبر طهران هذه الجماعات والأحزاب، “منظمات إرهابية” وتتهمها بشن هجمات على أراضيها، كما تتهمها بالتشجيع على التظاهرات التي اندلعت في إيران في سبتمبر/أيلول عام 2022 بعد مقتل الشابة مهسا أميني.
وتتخذ الأحزاب الكردية المعارضة لإيران، وهي (حدكا، كوملة، بيجاك) من المناطق الحدودية مع إيران في إقليم كردستان العراق مقرا لها.
ووقع العراق وإيران في 19 مارس / آذار 2023 اتفاقية أمنية، تتضمن التنسيق في مجال حماية الحدود المشتركة بين البلدين، فضلا عن توطيد التعاون المشترك في مجالات أمنية عدة.
كما أن أبرز بنود تلك الاتفاقية، بحسب الخارجية الإيرانية هو “نزع أسلحة المجموعات الانفصالية المسلحة، الموجودة في إقليم كردستان، وإخلاء الثكنات العسكرية التي تم إنشاؤها هناك ونقل عناصرها إلى مخيمات تأخذها الحكومة العراقية لهم بنظر الاعتبار”.