حرية ـ (17/9/2024)
انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مؤخراً مقاطع فيديو بكثافة لطائرات مسيرة تنفث اللهب والمواد الحارقة، حيث أمطرت أوكرانيا المواقع الروسية بمواد حارقة، تصهر الحديد وتحرق الشجر والبشر وكل ما أمكن الوصول له في مواقع خصومهم في ساحات المعركة.
وبعد الطائرات المسيرة والروبوتات القاتلة التي تلاحق الجنود في ساحة المعركة بين روسيا وأوكرانيا، ابتكر طرفا النزاع “لعبة جديدة” قاتلة بشكل أكثر ترهيباً، حيث أصبحت “مسيّرات التنين” تطلق مادة “الثيرمايت” لإحراق كل ما يقع تحتها من معدات وتجهيزات حربية ومواقع عسكرية وغابات وتجمعات الجنود، وهي تعد حسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية أشد فتكا خصوصاً من الناحية النفسية.
بدأت القوات الأوكرانية والروسية مؤخراً في تبادل استعمال مركب الثيرمايت في ساحة المعركة، عبر تجهيز الطائرات المسيرة -التي أصبح يطلق عليها “مسيرات التنين”- بهذه المادة الحارقة لرشها فوق رؤوس الجنود في مشهد يذكرنا بقنابل النابالم التي استخدمتها أمريكا في فيتنام والعراق وأفغانستان، كما سبق وأن استخدمت روسيا هذه المادة “الثيرمايت” خلال الحرب في سوريا.
يذيب الحديد في ثوان.. ما هو مركب الثيرمايت؟
- الثيرمايت (Thermite) هي مركب كيميائي مكون من بودرة الألومنيوم، وأكسيد الحديد، تتسبب في حروق مروعة وقاتلة، حيث تبقى مشتعلة لأكثر من 180 ثانية بعد انفجارها.
- ينتج هذا المركب تفاعلاً ناشراً للحرارة، حيث يحدث فيه عمليتي أكسدة واختزال في نفس الوقت، ويسمى ذلك التفاعل “تفاعل الثرميت” أو “الثيرمايت”.
- يصل هذا المركب لدرجات حرارة تصل إلى 4000 درجة فهرنهايت (2200 درجة مئوية) ما يعني أن الخليط الساخن يؤدي إلى تآكل (كل شيء) حتى الحديد في ثوان، وبالتالي تصبح قذائف الهاون والقنابل اليدوية والخراطيش مميتة لكل الجنود الذين كانوا يحملونها معهم في الجبهات.
- وتتسبب هذه المادة في احتراق الأشجار والنباتات بسرعة وتعطل تقدم القوات، وتُعد تهديدًا حقيقيًا لأي عدو بفضل دقتها الفائقة، كما يقول أحد كبار القادة العسكريين الأوكرانيين.
- في الأساس، كان يستخدم هذا التفاعل القوي للحام بواسطة الثرميت ويستخدم غالباً في لحام قضبان السكك الحديدية. كما تستخدم أكاسيد أخرى بغرض إنتاج معدن نقي، مثل استخدام أكسيد الكروم مع الألومنيوم لإنتاج الكروم النقي. ويستخدم ثيرمايت النحاس أكسيد النحاس بغرض تجهيز الوصلات الملحومة للكابلات الكهربائية.
- وزارة الدفاع الأوكرانية نشرت في 4 سبتمبر/أيلول مقطع فيديو قالت إنه يظهر هجوماً شنته “مسيّرة التنين” على مواقع روسية في منطقة خاركيف شمال شرق أوكرانيا.
كيف استخدمت أوكرانيا وروسيا “الثيرمايت”؟
- نشر أحد الحسابات الأوكرانية كيف شرع الجيش الأوكراني في استخدام “مسيّرة التنين” في هجوم هدفه إحراق “المنطقة الموجودة أسفلها بمادة الثيرمايت، ويقول الحساب: “يمكن وضع حوالي 500 غرام من خليط الثيرمايت تحت الطائرة المسيّرة.. يتم إطلاق التفاعل الكيميائي عن طريق جهاز تحكم عن بعد قبل وقت قصير من بلوغه الهدف.
- ورداً على دخول هذا السلاح الجديد، أعلنت روسيا بدورها عن الشروع في استخدام الطائرات المسيرة المزودة بمادة الثيرمايت. وقال حساب “موسكو نيوز” الخميس 12 سبتمبر/أيلول على منصة إكس: “ردا على استخدامه من قبل أوكرانيا، بدأت القوات المسلحة الروسية أيضاً في استخدام حشو الثيرمايت في الطائرات بدون طيار لحرق الجنود الأوكرانيين في الغابات”.
- ويقول تقرير لوكالة فرانس 24 إن “الثيرمايت” يدخل ضمن خانة الأسلحة المحرمة بموجب القانون الدولي، تماماً كما هو الشأن بالنسبة إلى كافة الأسلحة الحارقة مثل الفوسفور الأبيض والنابالم، بالرغم من أن هناك وجهة نظر لناحية منع استخدام هذه الأسلحة، أثارتها منظمة هيومن رايتس ووتش ومراقبون.
- حيث توضح “هيومن رايتس ووتش” في تقرير مفصل أنها قامت بتوثيق استخدام الأسلحة الحارقة على مدار السنوات الـ15 الماضية في أكثر من بؤرة توتر في العالم، بما فيها مادة الفوسفور الأبيض.
- وتشرح المنظمة الحقوقية بأن الأسلحة الحارقة تحتوي على مركبات كيميائية مختلفة، مثل النابالم والثيرمايت، التي تشتعل وتتسبب في معاناة إنسانية كبيرة وقت الهجوم، وفي الأسابيع والأشهر وحتى السنوات التالية. كما تشير هيومن رايتس ووتش إلى البروتوكول الثالث لاتفاقية الأسلحة التقليدية والذي يضم 116 دولة، وهو يسعى “إلى حماية المدنيين من استخدام هذه الأسلحة. لكن المنظمة تلفت هنا إلى “ثغرتين تسببا في تقويض فعاليته”.
كيف تعمل المسيّرات المجهّزة بقاذف الثيرمايت وما فعاليتها كسلاح؟
- في الأساس، تقوم الطائرات بدون طيار برش مادة الثيرمايت المشتعلة بشكل مستمر أسفل منها على المنطقة المستهدفة خلال شن هجماتها، وهو ما يؤدي إلى رسم خطوط نيران ودخان متتابعة فوق الأشجار أو خنادق الجنود. تتسبب كل واحدة من تلك الجزيئات الملقاة في إشعال حرائق صغيرة، لكنها تتحول إلى خطر داهم حين تكون مجتمعة وهو ما يؤدي إلى اشتعال حرائق أكبر.
- وبالرغم من أنها قد تسبب حروقاً، إلا أنها لن تتسبب في الإيقاع بعدد كبير من الضحايا بشكل عام، ما لم تستهدف عديد الجنود أو الأفراد المنتشرين والمجتمعين بمنطقة محصورة مثل المخابئ أو المنازل. إذ أن التأثير الأساسي لها على الميدان يبقى إشعال الحرائق التي قد تجبر القوات المدافعة عن خط معين على الانسحاب من خنادقها أو مواقعها عموماً.
- ولا شك أن هذا السلاح له قيمة عسكرية، لكنها لن تتحقق إلا إذا تزامنت مع تنفيذ العمليات التي تحاول استغلال نقاط الضعف في المواقع المحترقة للعدو.
- في النهاية، لا يُحظر القانون الإنساني الدولي استخدام الأسلحة الحارقة، ولكن استخدامها محظور فقط في المناطق المدنية حيث توجد مخاطر كبيرة لإلحاق الضرر بالمدنيين. ينص البروتوكول الثالث من معاهدة الأسلحة التقليدية على ضرورة توخي الحذر في حال تم استخدام الأسلحة الحارقة، لتجنب أو لتقليل الخسائر العرضية في أرواح المدنيين وإصابتهم أو إلحاق الضرر بالأهداف المدنية.
يذكر أن روسيا سبق وأن استخدمت مركب “الثيرمايت” في حربها بسوريا إلى جانب نظام الأسد، على المناطق الحضرية المأهولة بالسكان منذ نوفمبر 2012 إلى نهاية 2015.
كما سبق وأن استخدمت روسيا لقنابل الثيرمايت في تدمير مستودع ذخيرة شرق أوكرانيا في عام 2017، حيث ألقت مسيرة روسية قنبلة ثيرمايت على المستودع واحرقته بالكامل.