حرية ـ (18/9/2024)
خلال القرن الماضي، أرّقت المافيا الصقلية السلطات الإيطالية التي اتجهت منذ الثمانينيات لتضييق الخناق على الجريمة المنظمة بالبلاد.
وعقب توجهها لتجفيف مصادر تمويل الجريمة المنظمة وتتبع عمليات بيع وترويج المخدرات، لم تتردد السلطات القضائية الإيطالية في الإطاحة بكبار قادة المافيا الصقلية.
فقد وجه القضاء الإيطالي، بقيادة القاضي جيوفاني فالكوني (Giovanni Falcone)، العديد من التهم، التي تراوحت أساسا بين القتل وترويج المخدرات وتبييض الأموال، لعدد من رؤوس المافيا الصقلية.
وبفضل ذلك، صدرت أحكام بالسجن بحق عدد كبير من المسؤولين بالمافيا الصقلية.
اغتيال فالكوني ودور أبحاث بورسيلينو
لكن عقب صدور هذه الأحكام بحقهم، اتجه المسؤولون بالمافيا الصقلية، على رأسهم سالفاتوري رينا (Salvatore Riina)، للانتقام من القضاة الإيطاليين الذين أشرفوا على المحاكمة.
وفي 23 أيار/مايو 1992، تمكنت المافيا الصقلية من اغتيال القاضي فالكوني بالقرب من منطقة كاباتشي (ِCapaci).
فعلى الطريق السريع بالقرب من هذه المنطقة، تم وضع كميات هامة من المتفجرات بأنابيب تصريف المياه.
بورسيلينو رفقة فالكوني
ومع مرور موكب جيوفاني فالكوني، تم تفعيل المتفجرات ليفارق بذلك الأخير الحياة عن عمر ناهز 53 سنة.
بعد فالكوني، وجّهت المافيا الصقلية أنظارها نحو القاضي، ورفيق فالكوني المقرب، باولو بورسيلينو (Paolo Borsellino).
فمن مقره بقصر العدالة بباليرمو (Palermo)، قضى بورسيلينو أغلب فترة عمله في ملاحقة وتتبع أنشطة كبار العائلات بالمافيا الصقلية.
في الأثناء، استخدم عدد هام من أبحاثه واستنتاجاته في إدانة العديد من كبار قادة الجريمة المنظمة.
صورة لباولو بورسيلينو
اغتيال بورسيلينو
وبعد مضي 57 يوما فقط عن حادثة مقتل جيوفاني فالكوني، اغتيل باولو بورسيلينو بتفجير ضمن ما عرف بحادثة فيا داميليو (Via D’Amelio).
وبحسب العديد من التقارير، مكث باولو بورسيلينو بمنزله الصيفي يوم 19 تموز/يوليو 1992 ما بين الساعة الواحدة والساعة الرابعة بعد الظهر.
لاحقا، توجه الأخير، رفقة المسؤولين عن حمايته الشخصية، نحو فيا داميليو بباليرمو لزيارة والدته.
ومع وصولهم لهذا المكان، كان كل شيء عاديا، حيث لم يلاحظ الحراس الشخصيون أية حركة غير عادية وشاهدوا فقط بعض السيارات التي كانت رابضة قرب الرصيف.
سلفاتوري رينا عقب اعتقاله
في حدود الساعة الرابعة وثمانية وخمسين دقيقة مساء، جدّ انفجار هائل بالمكان أسفر عن مقتل القاضي باولو بورسيلينو وخمسة من مرافقيه.
وتواجد ضمن القتلى حينها إيمانويلا لوي (Emanuela Loi) التي مثلت أول امرأة إيطالية عملت بمجال الأمن والحراسة الشخصية.
بحسب التحقيقات التي أجرتها الشرطة الإيطالية، استخدم منفذو العملية، المنتمون للمافيا الصقلية، سيارة من نوع فيات 126 (Fiat 126)، سرقوها بوقت سابق، ووضعوا بداخلها شحنة متفجرات بلغ وزنها 100 كلغ لاغتيال بورسيلينو. وقد تم تفجير هذه الشحنة المتفجرة عن بعد تزامنا مع وصول القاضي الإيطالي للمكان.
وأثارت عملية اغتيال بورسيلينو حالة من الغضب بإيطاليا. وبالتزامن مع استقالة المدعي العام بباليرمو بياترو جيامانكو (Pietro Giammanco) من منصبه، عمد المسؤولون بروما لإرسال 7 آلاف جندي لصقلية لتسيير دوريات والتصدي لأنشطة المافيا الصقلية.