حرية ـ (22/9/2024)
طارق فهمي
ليست الإشكالية المطروحة في من سيحقق الانتصار في الانتخابات الأميركية بعد عدة أسابيع من الآن، وإنما فيما سيطرح حضوره السياسي، ويقنع الرأي العام الأميركي والشرائح الاجتماعية بجدوى وحقيقة ما يطرحه، خاصة أن هذه الانتخابات فارقة في حياة الأمة الأميركية في ظل مخاوف تجدد العنف السياسي. هذه الانتخابات لن تكون سهلة في سياق ما يجري داخلياً، ومحاولة التعامل مع ما تواجهه الولايات المتحدة في العالم من تحديات ومخاطر، وفي ظل واقع سياسي واستراتيجي متغير يمكن أن يطرح نفسه داخل الولايات المتحدة وخارجها.
استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة، وبرغم اتباعها منهجاً محدداً في عينة محددة، إلا أنها لا تخلو من مغالطات، أو أخطاء عديدة جزء منها مرتبط بالسياسات الراهنة للحزبين «الديمقراطي» و«الجمهوري»، وفي ظل مزايدات مقبولة بعيداً عن نقاط التباين بين الحزبين في التعامل، وهو ما جري في المناظرة الأخيرة بين ترامب وهاريس وكشفت أن الأمة الأميركية تحتاج إلى رئيس بمواصفات معينة، وفي ظل واقع محدد ومتباين خاصة أن القضية ليست في أطروحات محددة متعلقة بالبرنامج الاقتصادي، وللهجرة والسياسات الخارجية والعلاقات مع دول الناتو وروسيا والصين، وهي عناصر للملف الانتخابي بأكمله، وإنما الأمر متعلق بالموقف السياسي الشامل، ومقاربة الحزبين والفوارق أمام الرأي العام الأميركي الذي بات يركز في القضايا الخارجية انطلاقاً من الاهتمام بالداخل المرتبك.
وفي هذا السياق يعد الملف الصحي ونظم الرعاية الطبية الأهم من ملف الإعفاءات الضريبة والمتراكمة وأمن إسرائيل لا يقل عن أمن الولايات المتحدة، ومن ثم فان الانتخابات الأميركية هي من تحدد المقاربة الرئيسية التي تتعامل فيها الشرائح المختلفة في الخريطة الانتخابية الأميركية، والتي تمنح للمواطن الأميركي الاختيار بين المرشحين، خاصة أن الانتخابات في الكونجرس لا تقل أهمية أيضاً في إطار لعبة التوازنات الصعبة التي يتعامل فيها الحزبان.
ولا شك أن المرشحة «الديمقراطية كامالا هاريس قد طرحت مقاربة واقعية اتساقاً من برنامج بايدن الانتخابي، وأضافت إليه كثيراً من الرؤى الجادة، وكشفتها في المناظرة الأخيرة، والتي يمكن أن تقف في مواجهة ما طرحه المرشح «الجمهوري» ترامب وتوقف أمامه الجمهور الأميركي بصورة أو بأخرى ما يؤكد أن الحملات الانتخابية للمرشحين وأياً كان ما تطرحه قد يغير نمط ومزاج الناخب الأميركي بصرف النظر عن ما يُطرح من واقع سياسي متباين عليه في الولايات المتحدة.
وهناك تخوف من أن يتدخل في المشهد الانتخابي دول كبرى مثل روسيا والصين خاصة أن المحكمة العليا الأميركية لم تصدر بعد حكمها في الانتخابات الأخيرة، واتهام موسكو باللعب في نتائجها ما يؤكد أن الانتخابات الأميركية المقبلة ستكون ساحة محتملة لصراع من نوع آخر مرده مواقف وتوجهات بعض الدول الأوروبية وروسيا والصين مما يجري ومصالح كل طرف في توجيه المصالح ووزن مرشح دون آخر ما يؤكد أن تدويل الشأن الانتخابي الأميركي بات مطروحاً، وقد يحدث بصورة أو بأخرى ما يفعل إطار التدخلات الدولية بالفعل بصرف النظر عن الاتهامات الحالية والمطروحة، والتي يمكن أن تتزايد في الفترة المقبلة نتيجة لما يجري من تطورات مفصلية في جوهر العملية الانتخابية بأكملها، ويمكن أن تفعل المسار السياسي أو الاقتصادي لكل مرشح، وفي ظل مراجعة كل طرف لحساباته وتقييماته، وهو ما يجري بالفعل ويتطلب قيادة كل حزب بطرح البدائل، خاصة في الملفات الداخلية التي تعلن عن نفسها، وفي ظل توقعات أن تشهد الانتخابات المقبلة ظاهرة مهمة، منها عودة الصوت العائم والمرتبك وتشتت الكتل التي تصوت أتوماتيكيا، والتي تمنح المرشح فرصة للحصول علي الأصوات بنسب ضخمة إضافة لوجود سبع ولايات قادرة علي الحسم، وهي الولايات المتأرجحة التي يتعامل معها الحزبان بجدية بالغة ومهمة، والتي قد تصعد بمرشح دون آخر لقمة الحسم في ظل نظام فيدرالي قوي يعتمد على تكتيل القوى.
ومن ثم فإن المتوقع أن تشهد الانتخابات المقبلة تحولات مهمة في نمط التصويت، خاصة في ولايات الجنوب ارتكاناً إلى أن الشرائح الملونة والجاليات ستمنح صوتها لمن يطرح مقاربة، خاصة بحجم المطالب وأسلوب الإعاشة وتوفير المداخيل المناسبة، وهو ما يعمل عليه الحزب «الديمقراطي»، خاصة أن المرشحة كاملا هاريس تتحدث من خلال منطق سياسي جاذب يجمع ما بين الطرح متعدد الحلول مقابل طرح غير واضح للمرشح ترامب، وهذا يشير إلى أن الحزبيين يعملان بقوة على استقطاب عدد كبير من الشرائح الوازنة، وليس فقط تأمين حصول كل حزب على أعلى الأصوات في معاقله، وهو أمر تاريخي مرتبط بما يمكن أن يطرحه الحزبان خاصة في ظل ما تواجهه الولايات المتحدة من تحديات متعلقة بمصالحها الكبرى، والتي لا تتوقف عن الشرق الأوسط بل تمتد إلى جنوب شرق آسيا وأوروبا ومناطق متعددة في العالم، خاصة أن الإشارة إلى تقدم مرشح على آخر لا تتم وفق استطلاعات الرأي فقط، بل تمر بحسابات صعبة ومعقدة، ولا يمكن التنبؤ بها في سياق ما يجري، وإنْ كانت كل الشواهد تشير إلى ولع الجمهور الأميركي بالظواهر الجديدة، ومن ثم فإن ترشح سيدة يمكن أن يجذب الناخب الأميركي، ويغير من قواعد التصويت المطروحة، والنمطية بصورة كبيرة ويدفع لمتغيرات مستجدة.
*أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية.