حرية ـ (22/9/2024)
رغم التطور الكبير في العلوم والتكنولوجيا الذي يشهده العالم، إلّا أنه ما زالت بعض الممارسات التقليدية والخرافية، مثل السحر والشعوذة، تسيطر على عقول البعض في مدينة السليمانية، مثل العديد من المدن الأخرى في اقليم كردستان وباقي مناطق العراق، التي لم تكن بمنأى عن هذه الظاهرة.
وتتطرق المصدر في هذا التحقيق الى تفاصيل ممارسات السحر والشعوذة واختارت مدينة السليمانية كنموذج، ومدى انتشارها، وتأثيرها على الأفراد، ونتائج هذه الممارسات التي غالبًا ما تنتهي بالاحتيال والابتزاز.
ظاهرة السحر والشعوذة
ظاهرة السحر والشعوذة ليست مجرد ممارسات فردية تمارس في الخفاء، بل أصبحت جزءاً من الظواهر التي تهدد استقرار بعض الأسر في المجتمع، و ويتمثل هذا التهديد في الاحتيال الذي يتعرض له الضحايا، حيث يقدم المشعوذون وعوداً كاذبةً بحل مشاكلهم العاطفية أو الصحية أو الاجتماعية مقابل مبالغ مالية ضخمة.
النساء هن أكثر الضحايا
النقيب سركوت أحمد، المتحدث باسم شرطة محافظة السليمانية، يوضح في حديثه أن النساء اللواتي يقعن ضحية لهؤلاء السحرة والمشعوذين يسجلن شكاوى قانونية ضدهم بسبب التعامل غير الأخلاقي معهم.
ويؤكد قائلاً: “سبق لنا أن ألقينا القبض على ساحر في أحد شوارع مدينة السليمانية، بعد أن قدمت امرأة شكوى قالت فيها إنها ذهبت إليه ليقوم بعمل سحر يعيد العلاقة مع زوجها التي كانت قد توترت، لكنه طلب منها إقامة علاقة جنسية معه مقابل أن تنجح تلك التعويذة، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحقه وإحالته إلى المحكمة”.
ويضيف المتحدث باسم شرطة السليمانية بالقول “نستمر في القبض على هؤلاء الأشخاص الذين يمارسون هذه الأفعال، المشكلة تكمن في أن بعض الأشخاص البسطاء وغير الواعين يصدقون هؤلاء المحتالين الذين يدعون القدرة على تحقيق أمور خارقة بالسحر، مثل جعل شخص ما يحب الآخر أو إعادة العلاقات المكسورة، و على سبيل المثال، كانت هناك فتاة دفعت ما بين 200 إلى 300 ألف دينار للساحر ليجعل زوجها أكثر لطفاً معها”.
كما ويشير الى أن “هناك أيضاً من يروج لهؤلاء السحرة ويساعدهم في الوصول إلى الناس، حتى على تطبيق (تيك توك) يتم الترويج لهذه الأمور، على الرغم من التحقيقات التي أجريناها، إلا أن هؤلاء السحرة لا يظهرون علناً ويدّعون أنهم يرسلون التعويذات عبر خدمة التوصيل!”.
دور المجتمع والتوعية
الباحثة الاجتماعية هوراس احمد تشير في حديثها إلى أن الفقر والجهل وضعف الوعي المجتمعي لدى البعض من أبرز العوامل التي تساهم في انتشار السحر والشعوذة في المجتمع.
وتقول ايضا: إن “العديد من النساء، وحتى الرجال في بعض الحالات، يلجؤون إلى السحر والشعوذة كحل يائس لمشاكلهم العاطفية أو الاجتماعية، و يجب أن نعمل على رفع مستوى الوعي في المجتمع، وتقديم حلول بديلة تعتمد على الحوار والتفاهم بدلاً من الوقوع في فخ السحرة والمشعوذين”.
وتتابع قائلة، إن “المسألة ليست فقط في السحر نفسه، بل في الإيمان بالخرافات وعدم الوعي بالقانون، فالكثير من الناس يعتقدون أن السحر يمكن أن يحل مشاكلهم، ولا يعلمون أن هذه الممارسات تعد احتيالاً يعاقب عليه القانون”.
التحديات القانونية
رغم الجهود المبذولة من قبل السلطات في محاربة هذه الظاهرة، فإن الإطار القانوني المتعلق بالسحر والشعوذة يحتاج إلى تعزيز.
النقيب سركوت أحمد يؤكد: أن غالبية النساء اللواتي يزرن هؤلاء السحرة تتراوح أعمارهن بين 20 و50 سنة، بينما تتراوح أعمار السحرة أنفسهم بين 30 و70 سنة.
ويقول أيضا، إنه “في قانون العقوبات، لا توجد مادة صريحة تجرّم السحر أو التنجيم، وما يحدث يُعامل على أنه فعل احتيال، ونقوم بالتعاون مع قوات الأمن في ملاحقة هؤلاء المحتالين واعتقالهم أينما وردت لنا معلومات عنهم، وإحالتهم إلى القضاء”.
شهادات الضحايا
وألقى المصدر، ببعض الضحايا الذين وقعوا في فخ السحر والشعوذة إحداهما، امرأة في الثلاثينيات من عمرها، سردت تجربتها ، قائلة: “كنت أعاني من مشاكل مع زوجي، فنصحتني إحدى صديقاتي بالتوجه إلى ساحر معروف، دفعت له مبلغًا كبيرًا من المال، لكنه لم يفعل شيئاً سوى أن طلب المزيد و في النهاية، شعرت بالخداع والندم”.
وظاهرة السحر والشعوذة ليست مجرد ظاهرة قديمة بل واقع يومي يواجهه العديد من الأفراد في المجتمع العراقي عموما، والحل يكمن في التوعية المجتمعية وزيادة الوعي القانوني، بالإضافة إلى توفير الدعم النفسي والاجتماعي للضحايا، و يجب أن تتكاتف الجهود لمحاربة هذه الظاهرة ومنع استغلال السحرة والمشعوذين للضعفاء.
ساحر تائب
ويقول أحد السحرة التائبين الذي طلب عدم الاشارة الى اسمه في حديثه، إن “معظم زبائنه من النساء اللواتي يعانين من مشاكل اجتماعية خاصة مع الأزواج، فكانت تلك النسوة يقصدنه من أجل كتابة أعمال لهن ما تُعرف بالمحبة والجلب والتهييج بهدف استملاك قلوب أزواجهن وزيادة المودة بين الطرفين”.
ويستعرض هذا الشخص أعمال أخرى ضمن طلبات زبائنه، ويقول إن “بعض النسوة ممن لديهن اعداء يطلبن تعويذات الفرقة والبغضاء، وارسال المرض والسقم والهلاك لخصومهن، وهذه تعد اخطر أنواع السحر الذي ينقسم الى ابيض واحمر واسود”.
ويمضي بالقول إن “هناك أشخاصا يعانون من أمراض يطلبون أعمال العلاجات، وآخرون يبحثون عن كتابة تعويذات وطلاسمات واقسام وعزائم لهم مثل عقد اللسان والهيبة والقبول بحكم وظائفهم حيث يسعون عبر ذلك الى الترقية بالدرجات الوظيفية والنيل من الأعداء والمناوئين”.
ويضيف “وهناك فتيات تقدم بهن العمر يطلبن ما تسمى اعمال فتح القسمة وزواج البنت البائر الباكر”، مشيرا الى أن “هذه ابرز الأعمال التي يروج لها السحرة والمشعوذون”.
القضاء على هذه الظاهرة
ويقول الساحر التائب والذي يُدعى (ب، ع، ح)، إن السلطات سواء في اقليم كردستان او في باقي مناطق العراق بدأت تكثف من حملاتها لمكافحة من يقوم بتلك الأعمال والحد منها، لكنه يرى أن هذه الجهود ليست كافية للقضاء على هذه الظاهرة.
ويتطرق إلى ما يراها أنها حلول ناجعة للحد من ممارسة أعمال السحر والشعوذة منها منع طباعة وتداول الكتب التي تختص بهذا المجال منها القديمة مثل كتب: البوني، والسيد الطوخي، والسيد الحسيني، ومنها الجديدة وهي كثيرة أكثر من أن تُعد أو تحصى”.
ويُشدد على ضرورة فرض رقابة على مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات البرامج الأخرى إذ بات السحرة والمشعوذون يروجون لأعمالهم بشكل كبير من خلالها، فهذه الصفحات والتطبيقات هي الآن تمثل أفضل وسيلة لهؤلاء ليس لممارسة السحر فقط بل لتعليمه ايضا عبر دورات مقابل أموال، منوها الى ان هناك صفحات تعطي دروسا مجانيا ايضا للتعليم في هذا المجال، والسيطرة على هذا الأمر لم يعد سهلا او هيناً كما يتصور البعض.
ويؤكد أن هدف السحرة والشعوذة مما يقومون به من أعمال هو الحصول على المال بالدرجة الأولى، ولكن هناك بعض ضعاف النفوس منهم لا يكتفي بالمال بل يذهب إلى أبعد من ذلك، فيطلب من ضحاياه النساء ممارسة الجنس بذريعة انجاح العمال، وهناك آخرون منهم تصل بهم الدناءة إلى تصوير ضحاياه لغرض ابتزازهن، واجبارهن على دفع الأموال بشكل مستمر مقابل عدم فضحهن ونشر مقاطعهن.
وأعلنت وزارة الداخلية العراقية في العام 2017 عن قرار يقضي بإغلاق مكاتب السحر والشعوذة المنتشرة في بغداد وباقي محافظات العراق، ومعاقبة المخالفين.
وتزايدت في الآونة الأخيرة لجوء الناس في العراق إلى السحرة والمشعوذين جراء تفاقم المشاكل الاجتماعية الناجمة عن التدهور الاقتصادي وتراجع الوعي لدى الفرد والشعور باليأس والإحباط.
وأكثر من يلجأ إلى أعمال السحر والعرافين والمشعوذين هم النساء كونهن الحلقة الأضعف داخل المجتمعات في بلدان مثل العراق تعاني أزمات الحروب والاقتتال، وتردي الواقع المعيشي والاقتصادي وتفشي البطالة والفساد، وعدم الإهتمام بتنمية الفرد.
وتحرم الأديان السماوية كافة والثلاثة الرئيسية منها وهي: الإسلام، والمسيحية، واليهودية، ممارسة أعمال السحر والشعوذة كما نصت على ذلك كتبهم السماوية (القران، والانجيل، والتوراة)، والنصوص الدينية، وتتوعد السحر بأشد أنواع الوعيد، وإن مصير السحرة سيكون نار جهنم يوم القيامة لا محالة.