حرية ـ (22/9/2024)
في العالم المعاصر، تتخذ العلاقات بين الحكومات شكلا يكون في الغالب في إطار العلاقات الاقتصادية أو بشكل أساسي في التجارية. يسبب تصدير السلع والخدمات تلاحما اقتصاديا وبالتالي توسيع مجالات العلاقات السياسية والدبلوماسية.
تلعب السلع، وخاصة السلع الاستهلاكية المعيشية، دوراً هاماً في تحسين وضع الدولة المصدرة لدى مستهلكي الدول المستوردة. على سبيل المثال، لا يتم تداول أي نوع من السلع الاستهلاكية المستوردة من روسيا في السوق الإيرانية. لكن هناك تداول كبير للسلع الإيرانية الصنع في المجتمع العراقي.
تعد إيران المصدر الثاني للعراق بعد الصين. وفي عام 2023، استورد العراق بضائع بقيمة 4.9 مليار دولار من إيران، أي حصة تعادل 18.7% من إجمالي الواردات. في المقابل، شكلت صادرات العراق إلى إيران في عام 2023 البالغة 585 مليون دولار حصة ضئيلة من إجمالي واردات إيران (أقل من واحد بالمئة). يعتمد تعزيز مكانة دولة ما في الدولة المجاورة على كمية ونوعية البضائع التي تصدرها. بالتالي، يمكن لجهات التصدير وتوحيد معايير سلع التصدير، والحفاظ على الجودة والاستمرارية واستقرار العرض، أن تساهم في استقرار السوق وزيادة مكانة البلاد بين المستهلكين المستهدفين للتصدير.
ورغم رغبة البلدين في الإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة في العراق، إلا أن الحكومة العراقية تواجه قيودا أهمها العقوبات على إيران وعائق مجموعة العمل المالي (فاتف)، وهو ما لم يكن ممكنا رغم جهود الرئيس بزشكيان خلال لقائه بالسلطات العراقية. إن أهمية العلاقات مع العراق، الجار الغربي، مهمة للغاية بالنسبة لإيران، لدرجة أن الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان، خصص أول زيارة خارجية له.
وقام الرئيس الإيراني والوفد المرافق له بزيارة البصرة جنوبي العراق، وهو إجراء جدير بحد ذاته يدخل في برنامج الزيارة الرسمية لرؤساء إيران إلى العراق. وكان لهذا اللقاء صدى واسع واستقبله شيعة العراق بحماس. كما أن تأكيد الرئيس الإيراني على مزيد من الجدية في استكمال مشروع قطار الشلامجة – البصرة يظهر أهمية العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
تتمتع الصين والعراق بقدرات مناسبة للمشاركة في سلسلة قيمة “مبادرة الحزام والطريق” الصينية. وبعد أن فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على روسيا، أغلق الممر الاقتصادي للجسر الأوراسي الجديد في عام 2022، الذي كان ينقل صادرات الصين عن طريق السكك الحديدية والطرق عبر آسيا الوسطى إلى روسيا ثم إلى بيلاروسيا ثم إلى بولندا ومن هناك إلى ألمانيا.
وفي هذا السياق، إذا نشط العراق وإيران في الحوار مع الصين في “مبادرة الحزام والطريق”، فيمكنهما التعاون مع الصين على طريق الحرير التاريخي. ومن خلال المرور عبر آسيا الوسطى على نفس الطريق التاريخي، تستطيع الصين الوصول إلى الشواطئ الشرقية للبحر الأبيض المتوسط والأسواق الأوروبية عبر خطوط السكك الحديدية (من خلال ربط السكك الحديدية الإيرانية بالسكك الحديدية العراقية والسورية). وبهذه الطريقة، ستستفيد الصين من الاستثمار في البنية التحتية للنقل، وتصدير البضائع (الأسواق الإقليمية)، واستيراد المواد الخام والطاقة، والأهم من ذلك، أمن الطرق والسلع والأمن من تدخل الولايات المتحدة. وهذه القضية المهمة يمكن متابعتها بجدية بين إيران والعراق وسوريا.
ويخصص جزء من التجارة بين البلدين للتجارة وتبادل السلع في الأسواق الحدودية. ولعبت أسواق “تمرشين ومريوان وبانه” النشطة دوراً إيجابياً في خلق فرص العمل في مناطقهم.
ويعد إنشاء “منطقة تجارية حرة مشتركة” على الحدود المشتركة من القضايا الأخرى لتوسيع العلاقات الاقتصادية بين إيران والعراق. وفي هذا السياق، لا بد من إعداد تسهيلا قانونية وكذلك اقتصادية وبنية تحتية. إن التنشيط والتغييرات الهيكلية وتكوين أعضاء اللجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي بين البلدين أمر ضروري للغاية، في ظل المتغيرات والتطورات الإقليمية والوطنية.
إن وجود دول إقليمية منافسة في الأسواق العراقية يجعل من الضروري على إيران أن تكون أكثر جدية في حفاظها على أسواق التصدير إلى العراق. وبالنظر إلى التغيرات المناخية وعواقبها السلبية، خاصة في مجال الغبار الناعم الناجم عن جفاف المستنقعات في العراق، تواجه إيران تهديدات بيئية في المحافظات الحدودية الإيرانية، وخاصة خوزستان، وهو ما يستلزم المتابعة الحثيثة مع العراق. فالإدارة المشتركة للموارد المائية والاستخدام الأمثل لها يتطلب الجدية والمتابعة المتبادلة.
بهرام أمير أحمديان
أستاذ مساعد في الجغرافيا السياسية