حرية ـ (26/9/2024)
كاميليا انتخابي فرد
وصل الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ووزير خارجيته عباس عراقجي إلى نيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، في وقت يمر به النظام الإيراني وحلفاؤه بمرحلة صعبة.
منذ الأسابيع الماضية يتحمل “حزب الله” أكبر حليف إقليمي للنظام الإيراني ضربات نوعية وغير قابلة للتعويض.
أقدمت إسرائيل في خطوة مفاجئة على تفجير وسائل التواصل لهذا لحزب مما أدى إلى جرح أكثر من 5 آلاف شخص وقتل نحو 40 منهم في عملية استمرت يومين واستهدفت أدوات التواصل بين منتسبي الحزب، وفي اليوم الثالث قتلت إسرائيل 10 من قادة “حزب الله” في غارة جوية، وفي اليوم الرابع بدأت غارات جوية غير مسبوقة على جنوب لبنان.
أين الجمهورية الإسلامية؟
توجه وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى نيويورك الجمعة الماضي، وكتبت وكالة “تسنيم” الإيرانية قبل سفره، “كان وزير الخارجية ينوي السفر إلى لبنان قبل توجهه إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكن أمين عام حزب الله حسن نصرالله طلب منه تأجيل الزيارة”.
وذكرت وكالة الأنباء هذه القريبة من الحرس الثوري أن عراقجي، “تلقى بعض الملاحظات واقتراحاً بعدم الاستعجال في الزيارة”.
لم يزر وزير الخارجية الإيراني لبنان لأن الجانب اللبناني لم يرحب بالزيارة، كما أن الملاحظات التي لمحت إليها وسائل إعلام النظام تكشف عدم رضا أمين عام “حزب الله” عن حليفه الأساسي. في وقت يمر فيه “حزب الله” بمرحلة حساسة وخطرة فلم يجرِ وزير الخارجية الإيراني حتى مؤتمراً صحافياً لدعم حليفه الأساسي في المنطقة.
لكن أين الدعم والاهتمام اللذان تعدهما إيران خطاً أحمر في ما يتعلق بـ”حزب الله” الذي تصفه بـ”قلب المقاومة”، ما هي توقعات “حزب الله” من النظام الإيراني في هذه الظروف الصعبة، وأين هي الوعود بالانتقام الصعب بعد اغتيال إسماعيل هنية؟
تأجيل زيارة عباس عراقجي إلى لبنان تكشف عدم رضا الجانب الآخر أي حسن نصرالله في ما يتعلق بسياسة غض الطرف التي يتخذها النظام الإيراني حيال إسرائيل.
وهذه مرحلة حساسة وتاريخية بالنسبة لحكام إيران والميليشيات المسلحة في المنطقة، فبعد عقود من العمل المشترك أصبحت هذه المجموعات في موقف تنظر بنظرة الشك إلى بعضها الآخر.
حسن نصرالله و”حزب الله” يدركان أن نظام ولي الفقيه يضحي بهما لمآرب سياسية. هذا النظام وصل حد السقوط قبل سنتين ولا يملك أي رصيد وطني أو شعبي أو عسكري لخوض حرب ضد أميركا وإسرائيل.
بعد اغتيال إسماعيل هنية في طهران تحدثت الأجهزة الأمنية الغربية عن هجوم إيراني وشيك ضد إسرائيل وأرسلت أميركا أكبر بوارجها ومقاتلاتها الحربية إلى المنطقة لكن النظام اختار الصمت.
خلال الأسابيع الماضية تحدث بعض المسؤولين الإيرانيين منهم عباس عراقجي أن “إسرائيل لن تنال هدفها من خلال توسيع التوتر والحرب”. وكتبت وكالة “مهر” للأنباء نقلاً عن محسن رضائي عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام أن “إسرائيل تنوي بمساعدة الحكومات المتخاصمة مع إيران إثارة حرب في المنطقة وجر إيران إلى ساحة الحرب، لكن طهران لن تقع في هذا الفخ”.
من خلال هذه المواقف والأفعال نصل إلى هذه النتيجة بأن عدم زيارة عباس عراقجي إلى لبنان سببها عدم رضا “حزب الله” عن عدم اهتمام النظام الإيراني حيال سلوك إسرائيل ومواجهتها “حزب الله”.
هذه المجموعة التي صنعتها إيران لا تستطيع استخدام صواريخ إيرانية بعيدة المدى في مواجهة إسرائيل ولا تعمل طهران على حمايتها من الهجمات التي تتلقاها من إسرائيل.
وبعد وصوله إلى نيويورك قال عباس عراقجي لوسائل إعلام النظام مشيراً إلى أحداث لبنان، “من الطبيعي أن حزب الله يتخذ قرارته بنفسه ويتخذ خطوات عملية مناسبة”. وقال عراقجي في ما يتعلق بأدوار إيران، “نحن نتعامل مع هذه الأمور بيقظة ونرصد الأمور بدقة وننظم سياساتنا بإمعان”.
الرسالة من جانب إيران واضحة وهي أن النظام لا ينوي الهجوم أو الانتقام.
تزامنت زيارة مسعود بزشكيان وعباس عراقجي إلى نيويورك مع الأحداث التي بدأت في لبنان منذ فترة وقبلها اغتيال إسماعيل هنية في طهران ليلة أداء مسعود بزشكيان اليمين ورد فعل النظام الإيراني لأي هذه التطورات من شأنها أن تحدد مصير النظام الإيراني.
يبدو أنهم وبدلاً من اللجوء إلى المواجهة يتخذون سياسة الصبر حتى انتهاء الانتخابات الأميركية. وكانت زيارة مسعود بزشكيان وعباس عراقجي تقع ضمن أولويات النظام إلى درجة أن النظام يبدي مواقف منفعلة تجاه ما يحدث في لبنان ولا يعير اهتماماً بعدم رضا حليفه الاستراتيجي في المنطقة.
إنهم يسعون من خلال هذه الزيارة لاقتناص فرصة كبيرة من خلال التفاوض المباشر في أميركا من أجل تقليل حدة العقوبات المفروضة على النظام. بالتالي امتصاص الغضب الشعبي في الداخل والتمهيد لاستئناف المفاوضات النووية.
من ضمن البرامج الاستراتيجية لبزشكيان ووزير خارجيته والوفد المرافق المشاورات مع قادة العالم العربي والأوروبيين والحديث إلى الإعلام الناطق باللغة الإنجليزية من أجل إيجاد حل للقضايا الحساسية التي تورط بها النظام.
إذا ما عاد الوفد الإيراني فارغ اليد إلى طهران فإنهم سيستأنفون سياسة الضغط على الطرف الآخر من أجل كسب تنازلات وهذه مقامرة خطرة. الأحداث التي تشهدها لبنان تكشف عن أنه لا يمكن التبوء بخطوات الطرف المقابل بسهولة.