حرية ـ (26/9/2024)
كان غوبلز، وزير الدعاية في حكومة هتلر، يُردّد دائماً: أتحسّس مسدسي حالما أسمع كلمة ثقافة، إشارة إلى ما تثيره الثقافة من الهلع والخوف لدى الديكتاتوريات، أكثر من السلاح والحروب.
إذا كان للسلاح فعل واحد، وهو الحرب، فإن الثقافة، تتفوّق عليه، بكونها تشتمل على وسائل كثيرة ومتنوّعة كالمقاومة الداخلية، التي يعزّزها الأدب لدى الإنسان. الصرخة مثلاً باعتبارها فعل مقاومة واحتجاج، لطالما رسّختها الآداب والفنون والروايات والمسرح والسينما.
إن الثقافة تعتني بالعالم: وأن تعتني بالوجود، هو أن تتمرّد على السيء والباطل والقاتل. وهكذا، هو شأن المثقف العضوي، الداعي إلى الانخراط في المواجهة الحق، وجعلها مذهباً.
اعتبرت رواية “صمت البحر” للكاتب فركور (اسم مستعار)، التي تحوّلت إلى فيلم سينمائي، من ضمن أدبيات المقاومة الفرنسية إبان الاحتلال الألماني لفرنسا. عالجت الرواية الاحتلال بالصمت الذي خيّم على علاقة حبّ ما بين ضابط ألماني وامرأة فرنسية؛ لم تعبّر عن حبها له إلّا صمتاً، فكانت هكذا مقاومتها للاحتلال النازي (المقاومة حباً).
كما اشتهرت روايات المقاومة السوفياتية في مقارعة الاحتلال النازي، وانتقلت كقدوة إلى أمم أخرى، مثل رواية “كيف سقينا الفولاذ”، والسلسلة الروائية “مقاتلون في سبيل وطنهم السوفياتي”.
العراق متضامناً
يقولون “الجبل لا يحتاج إلى جبل، لكن الإنسان يحتاج إلى إنسان”. هكذا هو الإنسان، شرط من شروط التضامن، ولولاه لما استحقّ المرء وجوده، وهذا بالضبط ما يعنيه فرويد بقوله “التعاطف هو أقوى غريزة عند الإنسان”.
سعياً إلى تحقيق ثقافة تضامنية اجتماعية وثقافية، أصدر العراق، توجيهات حكومية بمساندة الشعب اللبناني الذي يتعرّض لهجوم إسرائيلي على ترابه وثقافته.
كما نظّمت الجامعات العراقية، الأربعاء، وقفات احتجاجية داعمة للشعبين الفلسطيني واللبناني، ويهدّد المنطقة وشعوبها، بحسب وكالة الأنباء العراقية.
وذكر بيان وزارة التعليم في العراق، أن “منتسبي الجامعات أساتذة وموظفين وطلبة رفعوا أعلام فلسطين ولبنان تعبيراً عن الدعم والمؤازرة والإسناد من العراق ومؤسساته ضد العدوان على فلسطين ولبنان”.
ودعا وزير التعليم العالي والبحث العلمي نعيم العبودي، إلى وقفات مناهضة للعدوان وإطلاق حملات إنسانية داعمة للشعب اللبناني”.
لبنان يوحّد العراق
في فيديو مثير حصل على آلاف المتابعين على مواقع التواصل، تبرّع شيخ عشيرة من الجنوب (بعينه)، “لأي مواطن لبناني كي يرى عدوّه ودربه. فهو يستغني عن نظره، ليجعل الآخر قوياً وصامداً من أجل الحق”.
“الشرق” رصدت حالة التضامن العراقية مع الشعب اللبناني، عبر حوار مع بعض مثقفيه، ورصدت التفاعل المجتمعي، وهو ما اشتهر به العراق تاريخياً في المشاركة بالحروب والتبرّعات.
يقول رئيس تحرير جريدة “الصباح” العراقية، الشاعر أحمد عبد الحسين لـ”الشرق”:
“لبنان يوحّد العراقيين، في المواعيد الإنسانية والأخلاقية الكبرى، دائماً ما نشهد إجماعاً عراقياً في المواقف. غير أن الحدث اللبناني الذي هو الآن الأبرز والأفدح، دليل على ذلك لمن تنقصه الأدلّة”.
يضيف: “الموقف العراقي كان متماسكاً للغاية تجاه لبنان في محنته رسمياً وشعبياً ودينياً ومدنياً. وهو أمر نادر الحدوث في العراق، فقد اعتدنا على حراك سياسي وإعلامي عراقي صاخب؛ بسبب تباين الآراء وتنافر آراء الفرقاء السياسيين. لقد جرّبنا الحروب وكوارثها والنزوح وويلاته، وخرجنا من تلك المخاضات العسيرة بذخيرة أخلاقية قادرة على استشعار آلام الآخرين”.
أدباء لبنان في ضيافة العراق
أما في ما يتعلق بالمشهد الثقافي، فقال عبد الحسين: “ليس للمثقف سوى التعبير عن رأيه وإبداء تضامنه. وهذا الموقف الضميري كان حاضراً في ما نشره أغلب مثقفي العراق على صفحاتهم الشخصية في وسائل التواصل. مع ملمح بارز في كل ما كتبوه يتمثّل في صورة لبنان، وما يمثّله من أيقونة ثقافية في عقول ووجدان المثقفين العراقيين”.
أما الشاعر العراقي شوقي عبد الأمير الذي اختار مدينة بيروت، لاحتضان أكبر مشروع ثقافي عربي “كتاب في جريدة” فيقول: “هي وقفة تضامن وإسناد للشعب اللبناني، وللأبرياء العُزّل الذين سقطوا ويسقطون هذه الأيام بالمئات، ضحايا هجمات تقترفها إسرائيل ضد كل الأعراف الإنسانية، وتدينها المنظمات الدولية جمعاء”.
يضيف: “يجب أن يبقى لبنان مساحة الحرية والتعددية ورمز الانفتاح على العالم أجمع”.
يحدّت “الشرق” الأمين العام المساعد في جامعة الدول العربية، الباحث العراقي وأستاذ الفلسفة عبد الحسين الهنداوي:
“نتضامن بقوة مع الشعب اللبناني ومثقفيه في محنتهم الحالية نتيجة العدوان الإسرائيلي التي يدفع ثمنها اللبنانيون، خسائر في الأرواح، وخسائر مادية هائلة، وندعو المثقفين في العالم العربي والعالم إلى التضامن مع هذا الشعب”.
الكاتب ورئيس الاتحاد العام للأدباء والكُتاب العراقيين علي الفواز يقول: “تتجوهر الثقافة بوصفها سؤالاً في المعرفة، حول تنشيط فاعلية النقد، وتعزيز الوعي بقيم الحق والعدل، ومواجهة كل أشكال الاستبداد والظلم، إذ تكون المعرفة تمثيلاً لوظيفة التنوير، من خلال خطاب الإصلاح، وتنمية مشاعر الانتماء، والالتزام بالهوية إزاء عنف الاستلاب”.
يضيف: “بقدر ما كان الهجوم الإسرائيلي على بيروت قناعاً للاستعمار الجديد، ولمركزية العنف، فإن بغداد التي تقرأ دائماً مسؤولية الدفاع عن بيروت، بوصفها المدينة التي ظلت تصنع الثقافة عبر منابرها، قامت بالتنسيق مع اتحاد كُتّاب لبنان بتنظيم فعاليات ثقافية مشتركة لإدانة العدوان، فضلاً عن الدعوة لاستضافة عدد من الأدباء اللبنانيين إلى العراق”.