حرية ـ (28/9/2024)
سوسن مهنا
إنها حرب إسرائيل المفتوحة التي لا يحدها سقف ولا خطوط حمراء. فلم تكن تهديدات القادة في إسرائيل عبثية ومجرد كلام بل قورنت الأقوال بالأفعال وعلى نطاق واسع. ومنذ بدء الحرب في غزة واستتباعاً فتح الجبهة الجنوبية وتل أبيب تحذر “حزب الله” من مغبة وأخطار دخوله في تلك الحرب، وعلى مدى عام تقريباً استطاعت إسرائيل أن تستنزف الحزب بجبهة المشاغلة، ويعد كثر أن تل أبيب أعدتها “فخاً” لإرهاق الحزب وفي المقابل كانت تعمل على التصعيد التدريجي ولكن مع استهدافات واغتيالات مباشرة ودقيقة وأصابت قلب قيادة الحزب، وربما يمكن اعتبار أن الحرب على لبنان بدأت فعلاً منذ “واقعة البيجر” والتي أصابت أكثر من 4 آلاف قيادي وعنصر من “حزب الله”. وربما أيضاً يمكن اعتبار أن إسرائيل لم يكن هدفها على الإطلاق الوصول إلى تسوية وهذا ما كان واضحاً في كل تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول أن المشهد شمالاً لا يجب أن يبقى كما هو عليه، وقوله إنهم يوجهون “ضربات إلى ’حزب الله‘ في صورة لم يتصورها البتة، نقوم بذلك مستخدمين القوة الكاملة وبدهاء. إنني أعدكم بأمر واحد، لن نستريح حتى يعودوا إلى منازلهم” متحدثاً عن سكان المستوطنات الشمالية.
وفي مكان آخر يقول نتنياهو “لقد بدأنا للتو عملية تغيير الشرق الأوسط” وصولاً إلى خطابه من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ طالب العالم بأن يختار بين بلاده التي “تدافع عن السلام والديمقراطية” حسب تعبيره والدول الأخرى التي “تدعم الإرهاب” مثل إيران مستخدماً بعض الدعائم لإثبات وجهة نظره، إذ عرض خارطتين لتوضيح ما يراه كخيارات في التعامل مع إيران، خريطة “النعمة” الإسرائيلية للشرق الأوسط والمحيط الهندي وأوروبا، وخريطة “اللعنة” الإيرانية وسط الحرب المستمرة مع “حماس” و”حزب الله”. نتنياهو الذي شن حرباً كلامية من مقر الأمم المتحدة وفي كل الاتجاهات قال “ما دام “حزب الله” يختار مسار الحرب فلا خيار أمام إسرائيل، ولدى إسرائيل كل حق في إزالة هذا التهديد وإعادة مواطنينا إلى ديارهم بأمان”. وحذر رئيس الوزراء الإسرائيلي إيران من أن بلاده ستقصفها إذا تعرضت للقصف أولاً، وقال إن بإمكان تل أبيب الوصول إلى أي جزء من أراضيها متوعداً بـ”لدي رسالة لطغاة طهران. إذا قصفتمونا، فسنقصفكم”.
اغتيال نصر الله
نتنياهو كان يخطب على وقع تحضير الضربة القاصمة للحزب، إذ نفذ الطيران الحربي الإسرائيلي غارة جوية واسعة النطاق على معقله في الضاحية الجنوبية لبيروت أسفرت عن 10 انفجارات متتالية، أتت على ستة أبنية وسوتها بالأرض مستخدمة أسلحة متطورة وثقيلة قد تصل زنة حمولتها المتفجرة وفقاً للخبراء العسكريين إلى 2000 كيلوغرام، مما يعكس أهمية الهدف الذي تسعى إسرائيل وراءه.
تلك الغارة التي كما بات معروفاً كان هدفها اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصر الله وبقي مصيره غامضاً ولم يصدر عن العلاقات الإعلامية في الحزب (وقتها) ما يؤكد أو ينفي صحة ما ينقله الإعلام الإسرائيلي من أن نصر الله قضى في العملية، حتى جاء التأكيد يوم السبت من قبل الجيش الإسرائيلي أن الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله “قتل” خلال الغارة التي استهدفت أمس الجمعة مقر قيادة الحزب في ضاحية بيروت الجنوبية. وقال الناطق باسم الجيش اللفتنانت كولونيل ناداف شوشاني عبر منصة “إكس”، “حسن نصر الله قتل”.
النشأة والبداية في النشاط السياسي
في خطابه خلال الأول من أغسطس (آب) الماضي قال نصر الله “نحن ندفع ثمن إسنادنا لجبهة غزة وللشعب الفلسطيني وتبنينا القضية الفلسطينية وحماية المقدسات”. فمن هو أمين عام “حزب الله” الذي كثيراً ما سبب قلقاً لإسرائيل وللولايات المتحدة ولدول أخرى حول العالم، والذي اعتبر رمزاً للمقاومة في عيون مؤيديه، وشخصية مثيرة للجدل بين منتقديه؟
قاد ذلك الرجل “حزب الله” إلى حقبة مختلفة غيرت وجه لبنان والمنطقة وعمل على تطوير القدرات العسكرية للحزب، فباتت تتضمن ترسانة من الصواريخ الدقيقة والمقاتلين المدربين. ويعد الحزب قوة غير تقليدية قوية للغاية تتجاوز في قوتها بعض الجيوش النظامية داخل المنطقة بما في ذلك الجيش اللبناني. هذه القوة المتزايدة جعلت من نصر الله تهديداً مباشراً لأمن إسرائيل وبخاصة مع القدرة الصاروخية التي يمتلكها. وحسن نصر الله هو الأمين العام الثالث لـ”حزب الله” وأحد أكثر الشخصيات تأثيراً في الشرق الأوسط والذي تولى منصبه خلال الـ16 من فبراير (شباط) 1992، خلفاً للأمين العام السابق عباس موسوي الذي اغتالته إسرائيل بإطلاق صاروخ على موكبه. وولد خلال الـ31 من أغسطس (آب) 1960 داخل حي الكرنتينا شرق بيروت لعائلة متوسطة من بلدة البازورية في جنوب لبنان. ونشأ نصر الله في فترة شهدت صراعات سياسية ودينية كبيرة في لبنان مما أثر بصورة كبيرة في تكوين أفكاره. والرجل الذي عاش حياته متخفياً يقول في مقابلة صحافية خلال أغسطس 2014 “يروج الإسرائيلي لفكرة مفادها أنني مقيم في ملجأ بعيداً من الناس فلا أراهم ولا أتواصل معهم، حتى منقطع عن إخواني”. وأضاف “المقصود بالإجراءات الأمنية هو سرية الحركة ولكن هذا لا يمنعني نهائياً من أن أتحرك”.
وتلقى نصر الله تعليماً دينياً في مراكز وحوزات شيعية في لبنان والعراق وإيران وانخرط في العمل السياسي والمقاومة منذ شبابه، إذ انضم إلى حركة “أمل” في بداية شبابه وهي الحركة التي كانت تمثل آنذاك الوجه الأبرز للطائفة الشيعية في لبنان، وتأثر كثيراً بالإمام موسى الصدر الذي كان له دور كبير في بلورة الفكر الشيعي السياسي داخل لبنان، وبعد فترة من الانخراط في الحركة توجه نصر الله إلى النجف في العراق لدراسة العلوم الدينية تحت إشراف كبار العلماء مثل السيد محمد باقر الصدر وخلال فترة دراسته هناك توطدت علاقته بالفكر الإسلامي الشيعي الثوري الذي يركز على مقاومة الظلم والاحتلال. وبعد عودته إلى لبنان في أوائل الثمانينيات شارك في تأسيس “حزب الله” الذي أنشيء بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وكان الهدف الأساس للحزب هو مقاومة الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب اللبناني وتحرير الأراضي اللبنانية المحتلة. وفي عام 1992 تولى نصر الله منصب الأمين العام للحزب مما شكل نقطة تحول في مسيرته ومسار حزبه، ومنذ ذلك الوقت قاد حزبه في عدة صراعات رئيسة مع إسرائيل كان أبرزها حرب يوليو (تموز) 2006، إذ برز كرمز للمقاومة ضد إسرائيل ولقب بـ”سيد المقاومة” نظراً للدور الذي قام به حزبه في تحرير جنوب لبنان عام 2000 من الاحتلال الإسرائيلي الذي استمر لمدة 22 عاماً، ثم في مواجهة إسرائيل خلال حرب 2006، كما لعب دوراً كبيراً في عمليات التبادل لإعادة أسرى لبنانيين وعرب وجثامين لمقاتلين كانت تحتجزهم إسرائيل خلال يوليو 2008.
ومنذ توليه القيادة تمكن نصر الله من تحويل “حزب الله” من مجموعة مقاومة عسكرية صغيرة إلى تنظيم سياسي وعسكري ذي تأثير كبير، ليس فقط داخل لبنان بل في المنطقة ككل. ويُعزى هذا النجاح جزئياً إلى دعمه القوي من إيران وسوريا وأيضاً إلى خطابه السياسي المؤثر وقدرته على كسب تأييد الجماهير الشيعية في لبنان والمنطقة، وبرع في استخدام الإعلام والخطابة لترويج موقف حزبه من الصراعات الإقليمية، كما أن إدارته للحرب ضد إسرائيل عام 2006 وخطبه الحماسية وشخصيته القوية زادت من شعبيته في العالمين العربي والإسلامي، إذ كانت كلماته تحظى بمتابعة واسعة واهتمام كبير حتى في الداخل الإسرائيلي.
هذه الشعبية تدهورت سريعاً بعد وقوف “حزب الله” إلى جانب النظام السوري في قمع الثورة السورية التي اندلعت عام 2011 والمطالبة حينها بإسقاط بشار الأسد، والتي كانت لها انعكاسات أساس ومحورية أدت على نحو ما إلى ما حل بالأمين العام وحزبه خلال هذه الأوقات.
مهمة “الحرس الثوري” في الإقليم
استمد نصر الله فكره من المبادئ الشيعية الإسلامية التي تعتمد على “ولاية الفقيه” وهو مبدأ يعد أن القيادة السياسية والدينية يجب أن تكون بيد علماء الدين خلال غياب الإمام المهدي، ويعد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي هو الفقيه الذي يتبعه نصر الله. وتركز الفكر السياسي لنصر الله بصورة أساس على “مقاومة الاحتلال الإسرائيلي” والحفاظ على حقوق الشيعة في لبنان، ولكنه أيضاً وضع أهمية كبيرة للبعد الإقليمي والدولي في الصراع، إذ يعد أن الصراع مع إسرائيل ليس محلياً فحسب بل هو جزء من مواجهة كبرى مع “الهيمنة الأميركية والصهيونية” أو ما يصفه بـ”الاستكبار العالمي”. ونصر الله الذي عد خليفة القيادي في “الحرس الثوري” قاسم سليماني وقيل إنه تسلم مهمة “الحرس” في الإقليم وذلك بعد عملية التبديل الكبيرة في قيادات الصف الأول، من تلك التي تركز على الحرب مع إسرائيل إلى تلك المتورطة في حروب اليمن والعراق وسوريا. وبرز “الحزب” كقوة موحدة لمجموعة واسعة من المسلحين الشيعة المرتبطين بإيران و”فيلق القدس” خلال قيادته لتلك المجموعات في الحرب السورية، وبعد اغتيال سليماني خلال يناير (كانون الثاني) 2020 إلى جانب القيادي في ميليشيات “الحشد الشعبي” العراقية أبو مهدي المهندس، اضطلع “الحزب” حينها بدور قيادي في تنسيق أنشطة الشبكة الواسعة للفصائل الشيعية وكلاء إيران في المنطقة، وكان هذا العامل الأساس في تحول “الحزب” إلى مركز الثقل في المنطقة وتحوله من كونه ميليشيات لبنانية تركز بصورة أساس على الأنشطة في لبنان ومعارضة إسرائيل إلى جهة فاعلة إقليمية تلعب دوراً قيادياً لشبكات إيران من الوكلاء المتشددين، نيابة عن “الحرس الثوري” و”فيلق القدس”. ومن هنا كانت نظرة القيادة الإيرانية إلى حسن نصر الله كشريك استراتيجي ورمز محوري في “محور المقاومة”. ويعد نصر الله وحزبه جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية إيران الإقليمية، إذ يدعمان توجهاتها في مواجهة القوى الغربية وحلفائها في الشرق الأوسط، وتعد القيادة في طهران نصر الله ليس فقط قائداً عسكرياً وسياسياً بل أيضاً رمزاً دينياً وثورياً، وغالباً ما تشيد به كـ”مدافع عن الإسلام والمقاومة” ضد “الهيمنة الغربية والصهيونية”، وكثيراً ما أشارت تصريحات خامنئي إلى أن نصر الله يعد شخصية محبوبة وموثوقة في الأوساط الإيرانية، وقد صورته على أنه “بطل المقاومة ضد إسرائيل والغرب”.
حسن نصر الله في الصراعات الإقليمية
بعد اندلاع الحرب السورية عام 2011 اتخذ نصر الله موقفاً داعماً للحكومة السورية بقيادة بشار الأسد وأرسل قوات “حزب الله” للقتال في سوريا ضد الجماعات المعارضة المدعومة من الخارج. هذا التدخل زاد من الجدل حول دور “حزب الله” خارج الحدود اللبنانية إذ اعتبره البعض خروجاً عن هدف الحزب الأساس وهو مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، بينما اعتبره نصر الله دفاعاً عن “محور المقاومة”. ويُنظر إلى “حزب الله” على أنه تابع لإيران وهذا الولاء المعلن لطهران يعده كثر في العالم العربي وحتى في لبنان عاملاً سلبياً. واعتبر كثر خلال الفترة الأخيرة أن نصر الله يخدم أجندة إيرانية على حساب المصالح اللبنانية مما عمق الانقسام داخل لبنان وزاد من من عزلته الدولية والعربية. حتى على الصعيد الداخلي اللبناني يتهم عديدون الحزب بأنه متورط في عمليات قمع داخل لبنان، ومنذ الاحتجاجات التي اندلعت خلال أكتوبر (تشرين الأول) 2019 ضد الحكومة اللبنانية انتقد المتظاهرون دور “حزب الله” في الدفاع عن النظام السياسي القائم الذي ينظر إليه على أنه فاسد وغير فعال.
وعلى رغم أن نصر الله حاول الترويج لـ”حزب الله” كقوة مقاومة ضد إسرائيل فإن عديداً من اللبنانيين باتوا يرونه كحام للنظام السياسي الطائفي المتعفن. وعلى رغم أن نصر الله تمتع بدعم كبير بين الشيعة في لبنان فإن هناك تنوعاً في الآراء داخل المجتمع الشيعي، فبعض الشيعة عبروا عن استيائهم من الانخراط العسكري لـ”حزب الله” في الصراعات الخارجية وتأثير ذلك في استقرار لبنان، كما أدت الأزمة الاقتصادية إلى تآكل التأييد حتى داخل القاعدة الشعبية للحزب، إذ يعاني الناس من البطالة والفقر المتزايدين. ومع اندلاع الحرب أخيراً بين “حزب الله” وإسرائيل إلى جانب تورط الحزب في صراعات أخرى جعلت من لبنان ساحة للأزمات المتكررة، مما أضعف الاقتصاد وجعل حياة اللبنانيين أكثر صعوبة، مما أدى إلى فقدان ثقة كثير من الناس في قدرة نصر الله وحزبه على توفير الأمن والاستقرار.
من سيخلف نصر الله؟
تعويض شخصية بحجم حسن نصر الله يمثل تحدياً كبيراً لـ”حزب الله” لأسباب عدة تتعلق بدوره القيادي وقدراته الخطابية والرمزية التي يمثلها ليس فقط داخل الحزب بل على مستوى المنطقة، وتمتعه بتأثير كاريزمي وشعبي هائل. كما أن قدرته على توجيه وتعبئة الجمهور لا ترتبط فقط بموقعه القيادي ولكن أيضاً بشخصيته الفريدة وخبرته الطويلة، تلك الكاريزما جعلت منه شخصية جماهيرية كبيرة، وخطبه الإعلامية التي تتسم بالقوة والقدرة على التأثير في الجمهور كانت من أبرز أدواته القيادية. وليس سهلاً على الحزب إيجاد قائد لديه نفس الكاريزما والقدرة على الوصول إلى القاعدة الشعبية.
قاد نصر الله الحزب منذ التسعينيات وخاض عدة معارك كبرى، وهذه الخبرة الطويلة في ميدان المعارك والسياسة تمنحه قدرة استراتيجية فريدة، وأي خليفة له سيحتاج إلى أعوام من الخبرة القيادية ليقترب من مستوى نصر الله في هذا المجال، أضف إلى ذلك الرمزية الدينية والسياسية لنصر الله، إذ إنه لا يعد فقط زعيماً سياسياً أو عسكرياً بل أضحى رمزاً دينياً وشخصية محورية في “محور المقاومة”، يتجاوز تأثيره حدود لبنان ليصل إلى إيران وسوريا والعراق واليمن، والشخصية التي ستخلفه يجب أن تكون قادرة على الحفاظ على هذه الرمزية وتعزيزها، وبخاصة في ظل المنافسة الداخلية والإقليمية. وكثيراً ما تمتع نصر الله بعلاقة وثيقة مع القيادة الإيرانية وبخاصة المرشد خامنئي، وهذا التنسيق بين “حزب الله” وإيران يمثل جزءاً حيوياً من دور نصر الله وأي خليفة له يجب أن يحظى بالمستوى نفسه من الثقة والدعم من إيران لضمان استمرار هذا التعاون الحساس.
كيف سيعوض الحزب غياب نصر الله؟
يعتمد “حزب الله” على هيكل تنظيمي محكم يجعل القيادة تتم بصورة جماعية إلى حد ما، إذ توجد مؤسسات داخلية مثل المجلس السياسي والمجلس التنفيذي، وهذا الهيكل يمكن أن يساعد في توزيع الأدوار القيادية بصورة تسمح للحزب بتجنب الاعتماد المطلق على شخصية واحدة. وقد يلجأ الحزب إلى توزيع صلاحيات القيادة بين شخصيات عدة بدل الاعتماد على قائد واحد بعد نصر الله. على سبيل المثال قد تتم تقوية دور نائب الأمين العام نعيم قاسم أو تعزيز دور المجلس التنفيذي الذي يقوده هاشم صفي الدين، وقد يخفف هذا النهج من التأثير السلبي لغياب نصر الله. وسيكون أمام الحزب مهمة طويلة لتطوير خطباء وقادة إعلاميين جدد يمكنهم سد الفجوة التي سيتركها نصر الله في الساحة الإعلامية، وتدريب شخصيات جديدة على الخطابة. والتواصل الجماهيري سيكون جزءاً أساساً من استراتيجية الحزب لتعويض فقدان نصر الله. وعلى رغم صعوبة تعويض شخصية نصر الله فإن “حزب الله” يعتمد على أيديولوجية راسخة ترتكز على “المقاومة ضد إسرائيل والدفاع عن لبنان”، التي ستحافظ على جاذبية الحزب حتى في غياب نصر الله، لكن التحدي يكمن في استمرار القدرة على التعبئة الشعبية بنفس الكفاءة.
ومن المتوقع أن تعمل إيران بصورة وثيقة مع القيادة الجديدة لـ”حزب الله” لضمان استمرارية الحزب وتماسكه بعد رحيل نصر الله. وتدرك إيران أهمية “حزب الله” في استراتيجيتها الإقليمية، بالتالي ستسعى إلى تعزيز أية قيادة جديدة وضمان تلقيها الدعم الكافي للحفاظ على استقرار الحزب. وعلى رغم دور نصر الله البارز فإنه أسس حزباً ذا هيكل تنظيمي وعقائدي قوي في الوقت عينه، فإن بناء شخصية تحظى بنفس الاحترام والتأثير سيحتاج إلى وقت مما قد يؤدي إلى فترة انتقالية حرجة للحزب. وحيث إن المنطقة تشهد تغيرات كبيرة مع دخول لاعبين جدد في الصراعات الإقليمية، سيكون أي خليفة “لنصر الله” أمام تحديات كبيرة في الحفاظ على مكانة “حزب الله” في “محور المقاومة”.
خليفة نصر الله المحتمل
حتى الحظة لم يعلم من كان في ذلك المكان الذي استهدف فيه حسن نصر الله، وعلى رغم السرية الشديدة التي يفرضها الحزب على غالبية نشاطاته فإن من الأسماء المرشحة لقيادة التنظيم الحليف لإيران هو رئيس المجلس التنفيذي هاشم صفي الدين ابن خالة نصر الله، وصهر قاسم سليماني القائد السابق لـ”فيلق القدس”. ويرتبط صفي الدين بصلة قرابة عائلية مع حسن نصر الله إضافة إلى التشابه الكبير في الشكل وطريقة الكلام وحتى اللثغة بحرف الراء، وهو ليس قيادياً عادياً فهو يشرف بحكم منصبه كرئيس للمجلس التنفيذي على نشاطات “حزب الله” الاقتصادية والاجتماعية. وصفي الدين من مواليد عام 1964 من بلدة دير قانون النهر في منطقة صور جنوب لبنان، وأكمل دراسته الدينية في مدينة قم الإيرانية، وزوجته ابنة رجل الدين الشيعي المعروف محمد علي الأمين عضو الهيئة الشرعية في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في البلاد. وصفي الدين هو ابن عمة والدة حسن نصر الله ومقرب منه إضافة إلى علاقته الوثيقة مع نصر الله. وتربط صفي الدين علاقة خاصة بإيران التي تمنحه نفوذاً في الهرم القيادي للحزب، فشقيقه عبدالله ممثل الحزب في إيران وابنه رضا هاشم متزوج من ابنة قائد “فيلق القدس” السابق زينب سليماني، وأعلن الزواج خلال يونيو (حزيران) 2020 بعد ستة أشهر من مقتل والدها جراء غارة أميركية داخل العاصمة العراقية بغداد.
كان صفي الدين “ظل” نصر الله بامتياز والرجل الثاني داخل الحزب. وعلى مدى ثلاثة عقود أمسك الرجل بكل الملفات اليومية الحساسة من إدارة مؤسسات الحزب إلى إدارة أمواله واستثماراته في الداخل والخارج، تاركاً الملفات الاستراتيجية بيد نصر الله.
وصفي الدين المدرج على قائمة الإرهاب الأميركية منذ عام 2017 يعد من كبار مسؤولي الحزب الذين تربطهم علاقات وثيقة مع الجناح العسكري، إلى جانب علاقاته الوثيقة جداً مع الجناح التنفيذي. ووفقاً لتقرير صحيفة “الشرق الأوسط” عام 2008 عن مقربين من عائلة هاشم صفي الدين، فإن هاشم كان أحد ثلاثة “كانوا موضع اهتمام وعناية عماد مغنية”، والثلاثة هم حسن نصر الله والشيخ نبيل قاووق أحد القادة البارزين في “حزب الله” وهاشم صفي الدين. ولفتت إلى أن عماد مغنية هو من أرسل الثلاثة إلى “قم” لإتمام دراستهم الدينية وتسهيل أمورهم هناك. وأصبح هذا الثلاثي أبرز قادة التنظيم، فنصر الله أصبح أميناً عاماً والشيخ قاووق أصبح قائداً عملياً لمنطقة الجنوب المهمة للتنظيم وموقع قوته العسكرية الكبرى، وصفي الدين مديراً تنفيذياً للتنظيم من الجانب المؤسساتي وبمثابة رئيس حكومة للحزب.
ووفقاً لتقرير “الشرق الأوسط” نقلاً عمن وصفتهم بمصادر “مطلعة” على الوضع في “حزب الله”، فإن الحزب لم يكن ولا مرة من دون قيادة رديفة، وأن صفي الدين أعد منذ عام 1994 ليكون البديل لنصر الله.