حرية ـ (29/9/2024)
في عام 2006، عندما انسحب آخر أفراد القوات الإسرائيلية من لبنان في نهاية حربها التي استمرت شهراً، حشد زعيم “حزب الله” حسن نصر الله آلاف المؤيدين في “مهرجان النصر” في إحدى ضواحي بيروت المدمرة. وقال نصر الله للحشد إنهم حققوا “نصراً إلهياً وتاريخياً واستراتيجياً” ليس فقط على إسرائيل، بل وأيضاً على الولايات المتحدة. وأضاف: “لا يوجد جيش في العالم قوي بما يكفي لنزع سلاحنا”.
على مدار ما يقرب من عقدين من الزمان، تتبّعت إسرائيل، خطوات حسن نصر الله، ووضعته هدفاً استراتيجياً لعملياتها الأمنية والاستخباراتية بالنظر إلى وزنه ونفوذه الكبير داخل لبنان، حيث يوجد تحت تصرفه ما يصل إلى 100 ألف مقاتل.
ونجا نصر الله من محاولات اغتيال كثيرة سابقة؛ ففي 14 يوليو 2006، دمرت طائرات حربية إسرائيلية منزله ومكاتبه، ومع ذلك استطاع أن ينجو بأعجوبة.
وفي مقابلة مع صحيفة “نيويورك تايمز” في أغسطس 2006، قال قائد إسرائيلي كبير، إن إسرائيل ملتزمة بقتل نصر الله، على الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان. وفي أكتوبر 2008، ظهرت شائعات تفيد بأن نصر الله نجا من محاولة تسميمه. وزعمت مصادر عراقية أن الاستخبارات الإسرائيلية كانت مسؤولة عن المحاولة الفاشلة، في حين أشار آخرون إلى معارضين سياسيين وداخليين لنصر الله. ونفت مصادر حزب الله هذه التقارير.
معارك داخلية
واستحوذ نصر الله على اهتمام دولي عندما استولى “حزب الله” في مايو 2008 على جزء كبير من غرب بيروت بعد معارك بدأت عندما اتخذت الحكومة اللبنانية تدابير ضد شبكة الاتصالات الخاصة لـ”حزب الله”.
وتراجعت الحكومة عن قرارها، وانتهت المواجهة في وقت لاحق من ذلك الشهر بعد أن توصل نصر الله وقادة الحكومة الآخرون إلى تسوية في اتفاق الدوحة الذي توسطت فيه قطر. وكان أحد أحكام الاتفاق زيادة عدد المقاعد الوزارية التي يشغلها “حزب الله”، مما منح المجموعة حق النقض الذي تريده، وإن كان لفترة قصيرة من الزمن فقط، حيث تركت انتخابات يونيو 2009 حزب الله وحلفائه، المعروفين باسم كتلة “8 آذار”، أضعف سياسياً من أن يحتفظوا بحق النقض في مجلس الوزراء.
وتحت قيادة نصر الله، نجحت الجماعة في تعزيز الدعم الهائل بين أنصارها من خلال توليها مكان الحكومة في توفير خدمات الرعاية الاجتماعية منخفضة التكلفة أو المجانية للمجتمعات الشيعية في لبنان. وفي فبراير 2010، أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز بيو للأبحاث أن 97% من الشيعة في لبنان لديهم وجهة نظر إيجابية تجاه حزب الله وأمينه العام.
وفي عام 2011، بعد أن اتضح أن 5 أعضاء من “حزب الله” سيواجهون اتهامات باغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري عام 2005، استقالت كتلة “8 آذار” ووزير آخر من مجلس الوزراء، مما أدى إلى انهيار الحكومة.
في غضون ذلك، اهتزت المنطقة بفعل الربيع العربي، مما أجبر نصر الله على اتخاذ قرارات مصيرية. فقد دعم الانتفاضات في تونس ومصر في عام 2011. ولكن عندما واجه حليفه في سوريا، بشار الأسد، الاحتجاجات، وفي وقت لاحق، ظل نصر الله صامتاً في البداية. وفي عام 2013، بدأ في إلقاء الخطب والمقابلات التي أكد فيها، وبرر الدعم المادي الذي قدمه “حزب الله” للحكومة السورية في الحرب الأهلية.
وفي الوقت نفسه، كان النظام السياسي في لبنان مشلولاً تقريباً. وترك الجمود منصب الرئاسة شاغراً لمدة 29 شهراً، حتى تم شغل المنصب بحليف نصر الله ميشال عون بموجب اتفاق تقاسم السلطة في عام 2016.
وفي خضم الأزمة المالية المتنامية، ابتليت الحكومة الجديدة بصورة الفساد وعدم الفعالية. وعندما اندلعت الاحتجاجات الحاشدة في جميع أنحاء البلاد في أكتوبر 2019، مطالبة باستقالة الحكومة، عارض نصر الله الاحتجاجات والدعوات إلى استقالة الحكومة، لكنه دعا الحكومة أيضاً إلى معالجة مخاوف المحتجين واستعادة ثقتهم بها.
وبينما عملت إيران على تعزيز شبكتها من التحالفات في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، والتي تشير إليها باسم “محور المقاومة”، كان نصر الله أحد أهم عقد الشبكة.
ونمت القوة العسكرية لـ”حزب الله” تحت قيادة نصر الله بشكل كبير. في خطاب ألقاه في عام 2021، زعم نصر الله أن “حزب الله” لديه 100 ألف مقاتل، مما يجعله أحد أقوى الجماعات المسلحة غير الحكومية على مستوى العالم. هذه القوة ليست نتيجة لقوته العسكرية فحسب، بل أيضاً؛ بسبب تحالفاته الاستراتيجية داخل المنطقة، وخاصة مع إيران وسوريا، حسبما نقلت “وول ستريت جورنال”.
وتحت قيادة نصر الله، انخرط “حزب الله” باستمرار في صراع مع إسرائيل. جعلت تكتيكات حرب العصابات التي تنتهجها المجموعة، بما في ذلك التفجيرات الانتحارية والهجمات الصاروخية، منها واحدة من أقوى المعارضين الذين واجهتهم إسرائيل.
حرب غزة
منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، بعد هجوم حركة “حماس” في 7 أكتوبر الماضي، أعلن “حزب الله” إسناده للحركة الفلسطينية من خلال توجيه ضربات إلى الداخل الإسرائيلي، لتخفيف ضغط الهجمات الإسرائيلية على القطاع.
وفي خطابه الذي كان متوقعاً في 3 نوفمبر 2023، قال نصر الله عن هجوم “حماس” ضد إسرائيل، إن جماعته تلعب دوراً داعماً من خلال استهداف القوات الإسرائيلية على طول الحدود الشمالية، مما أدى إلى انزلاق جنوب لبنان وشمال إسرائيل إلى حالة من “تسخين جبهة المواجهات” دون إشعالها.
ويشكل نشر قواته على الحدود انتهاكاً لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701، الذي أنهى حرب عام 2006، وفق “نيويورك تايمز”، وفي حين كانت هناك مناوشات بين إسرائيل و”حزب الله” على مدى السنوات الثماني عشرة الماضية، فقد تم احتواؤها دائماً، ولم ينشر “حزب الله” قواته على طول الحدود بالكامل منذ عام 2006.
ولكن الجماعة اللبنانية ليست الطرف الوحيد الذي انتهك القرار 1701. فقد انتهكت إسرائيل القرار بانتظام بما في ذلك تدمير البنية التحتية.
وتبادل مسؤولون من “حزب الله” وإسرائيل التهديدات، مما زاد من المخاوف من حرب أكثر تدميراً. في 8 يناير 2024، هدد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت بتدمير بيروت إذا لم يتوقف “حزب الله” عن هجماته. ورد عليه “نصر الله” أن إسرائيل تريد شن حرب على لبنان، لكنها “لا تستطيع التعامل مع غزة”.
وحذر نصر الله من أن الحرب على غزة شكلت نقطة تحول ذات “تداعيات بعيدة المدى” تمثل “بداية مرحلة تاريخية جديدة” للشرق الأوسط بأكمله. وقال: “بغض النظر عن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية في الشهر الماضي والأسابيع المقبلة، فإنها تظل عاجزة عن تغيير العواقب الاستراتيجية الدائمة لـ “طوفان الأقصى” على كيانها”.
وكانت سياسة نصر الله في الأسابيع الأولى من الاشتباكات عبر الحدود التي بدأت في الثامن من أكتوبر، مصممة ظاهرياً لتخفيف الضغوط على الحركة في غزة، وهي الاستراتيجية التي يبدو أنها كانت أكثر أهمية على الجبهة الدبلوماسية منها على الجبهة العسكرية، وفق “الجارديان”.
في الأشهر اللاحقة، تحولت الاشتباكات الطفيفة على الحدود إلى ما يشبه “مواجهة مباشرة”، حيث استهدفت إسرائيل كبار مسؤولي حزب الله، وأطلق “حزب الله” النار على أهداف عسكرية ومدنية إسرائيلية، وهدد بضرب حيفا ومدن أخرى، قبل أن يتم استهداف زعميه في قلب الضاحية الجنوبية بمعية مسؤولين آخرين كانوا معه.
ووُلد نصر الله في بيروت عام 1960، حيث نشأ وسط بيئة مليئة بالعنف الطائفي خلال الحرب الأهلية اللبنانية التي امتدت بين عامي (1975 و1990)، وانضم لفترة وجيزة إلى حركة “أمل” الشيعية في سن الـ15، قبل أن يُغادر للدراسة في إحدى المدارس الدينية بمدينة النجف العراقية، إلا أنه تعرّض للطرد مع طلاب لبنانيين آخرين في عام 1978، عندما كان العراق تحت قبضة صدام حسين الذي كان نائباً للرئيس أحمد حسن البكر، قبل أن يستولي على السلطة بشكل نهائي في عام 1979.
وتحت تأثير معلمه، رجل الدين البارز والمؤسس المشارك لـ”حزب الله” عباس الموسوي، الذي التقى به لأول مرة في العراق، انضم إلى الجماعة في عام 1982 بعد غزو إسرائيل للبنان، عندما انفصلت المجموعة عن حركة ” أمل”. وبعد اغتيال إسرائيل للموسوي عام 1992، حل محله كأمين عام لـ”حزب الله”.
يُعرف نصر الله بخطاباته الطويلة والحماسية، ولغته العربية الفصيحة. ويطلق عليه أتباعه لقب “سماحة السيد” أو “أبو هادي”، نسبةً لابنه الأكبر الذي لقي حتفه في اشتباكات مع القوات الإسرائيلية في عام 1997.