حرية ـ (30/9/2024)
اتخذت الحكومة العراقية سلسلة من الإجراءات لتقليل الدين العام الخارجي من الفوائض المالية المتحققة جراء ارتفاع أسعار النفط، ونجحت في خفضها، إلا أنه في المقابل ارتفع الدين الداخلي ليتجاوز 70 تريليون دينار لسد الفجوة في السيولة المالية والنفقات التشغيلية.
واستمر العراق بالاقتراض الخارجي بعد العام 2003، وخاصة خلال أزمة انهيار أسعار النفط التي تزامنت مع العمليات الأمنية ضد تنظيم داعش في العام 2014، فضلاً عن الاقتراض الداخلي لسد عجز الموازنة العامة للبلد.
وقال صندوق النقد الدولي إن الاختلالات الداخلية في العراق تفاقمت بسبب التوسع المالي الكبير وانخفاض أسعار النفط، مشيراً إلى أن العراق بحاجة لتصحيح أوضاع المالية العامة تدريجياً لتحقيق الاستقرار في الديون على المدى المتوسط وإعادة بناء الاحتياطيات المالية.
ديون “ميتة”
ويقول عضو اللجنة المالية النيابية جمال كوجر، في حديث له، إن “الدين الخارجي الموجود في التقارير المتوفرة لدينا هو دين ميت يتعلق بحرب الخليج، وهذه الديون تعود لأكثر من 30 عاماً والدول لا تطالب بها، وبالتالي فهي ليست ديون حقيقية، وفي حال طالبت الدولة العراقية بإسقاطها فإنها تسقط”.
ويشير إلى أن “الدين الداخلي الذي يتجاوز 70 تريليون دينار عراقي، يزداد تدريجياً لأن إيرادات الدولة أقل من المصروفات، ورغم ذلك هو دين غير مخيف”.
وتبلغ ديون العراق الداخلية، وفقا للبيانات الرسمية، 50 مليار دولار، وهذه تستوفى ضمن الجهاز المالي الرسمي والحكومي، بالإضافة إلى وجود ديون معلقة لثمان دول، منها إيران والسعودية وقطر والإمارات والكويت، وتبلغ 40 مليار دولار، وهذه الديون مشكوك بصحتها من وجهة نظر العراق ولم تشطب على الرغم من أنها خاضعة لنادي باريس.
مديونية خارجية قليلة
بدوره يوضح المستشار المالي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح، في حديث له، أن “العراق يعتبر من البلدان التي مديونيتها الخارجية قليلة جداً فإجمالي الديون الواجبة الدفع لا تتعدى 10 مليارات دولار وهذه لها تخصيصات سنوية بالموازنة العامة الاتحادية لإطفائها ويجب إطفاءها لغاية 2028”.
ويضيف “المديونية الخارجية هي بقايا تسويات ما قبل العام 1990″، مشيراً إلى أن “العراق يعتبر ذا جدارة مالية ذات ائتمانٍ عالٍ بحسب تصنيف الشركات العالمية كوكالة (أس أم بي) ووكالة (فيتش)، وبالتالي فإن المديونية الخارجية نسبتها لا تتعدى 5% من الناتج المحلي الإجمالي بالمقارنة بالمعيار العالمي الذي يقبل الديون إلى نسبة 60% من الناتج المحلي”.
ويلفت صالح إلى أن “هناك ديون داخلية تبلغ 76 تريليون دينار سببتها أزمتان ماليتان، أولاهما بين عامي 2014 إلى 2017 وهي الحرب ضد الإرهاب الداعشي وانخفاض أسعار النفط، والأزمة الثانية هي وباء كورونا الذي أدى إلى إغلاق الأسواق العالمية وانخفاض أسعار النفط بشكل كبير وبالتالي حدثت اقتراضات كبيرة”.
ويؤكد أن “الدين الداخلي هو بشكل عام لا يتعدى نسبة 30% من الناتج المحلي الإجمالي وهو دين داخل الحكومة وليس بين الحكومة والأفراد أو السوق وهناك آليات لإطفائه داخل النظام المالي المصرفي الحكومي وبالتالي لا توجد مخاطر”.
الديون ليست الحل المثالي
إلا أن الخبير الاقتصادي ضرغام محمد علي، يرى عكس ما ذهب إليه المستشار المالي، ويوقل في حديث له، إن “الديون الداخلية أيضاً تشكل خطراً كونها واجبة السداد ويجب أن لا تزيد عن 50% من الناتج السنوي الإجمالي للدولة”.
ويتابع “التوسع في الاقتراض الداخلي ليس الحل المثالي لسد العجز في الموازنة وإنما هو استسهال في سد العجز بطرق بدائية لكنها فعالة ما لم تزد عن الحد المطلوب خصوصاً في ظل تراجع الشمول المالي وقلة نسب الإيداع المصرفي للمواطن العراقي قياساً بدول الجوار”.
ويبين أن “مكافحة الفساد ومتابعة أموال العراق التي ابتلعها الفساد طيلة السنوات الماضية بطيئة وغير فعالة وتواجه عراقيل وتحديات، واسترجاع هذه الأموال من الممكن أن يسد الكثير من الديون الداخلية”.
العملة الصعبة
من جانبه، يؤكد الخبير الاقتصادي هلال الطعان، في حديث له، أن “الديون الداخلية ليس لها تأثير كبير على الاقتصاد العراقي وهي معظمها لصالح وزارة المالية والبنك المركزي والوزارات الأخرى”.
ويرى أن “التأثير الكبير على الاقتصاد هو بالديون الخارجية لأن إطفاءها يكون بالعملة الصعبة عكس الديون الداخلية يكون إطفاءها بالعملة الوطنية، وعلى الدولة التقليل من الديون الخارجية أولاً”.
ويعود الجزء الأكبر من الدين الداخلي إلى البنك المركزي العراقي ومصرفيّ الرافدين والرشيد، والمصرف العراقي للتجارة، التي أقرضت الحكومة أموالاً كثيرة لسد عجز الموازنة الاتحادية.