حرية ـ (1/10/2024)
القهوة ، معشوقة الجماهير التى لا يختلف عليها اثنان، من المنبهات الشهيرة على مستوى العالم وهي تعتبر مشروبا رسميا في معظم البلاد العربية والغربية، لقدرتها على تنشيط المخ والجسم وزيادة التركيز، ولاحتوائها على نسبة عالية من الكافيين ومضادات الأكسدة والعناصر الغذائية الهامة، وهى تقدم بطرق ونكهات مختلفة على مستوى العالم وحسب الرغبة فمنها الداكن والفاتح والسادة والمحوج.
ونظرًا لاعتبار القهوة مشروبا أساسيا بل وعالميا لا يمكن الاستغناء عنه، خصص هذا اليوم الأول من أكتوبر كل عام يوما عالميا للقهوة، بعد أن وافقت المنظمة الدولية للقهوة على تخصيص اليوم يوما دوليا للقهوة.
ترفع معدلات حرق الدهون بالجسم
وقد أظهرت الدراسات الحديثة أن القهوة تنشط المخ، وتعزز صحة الكبد، وترفع معدلات التركيز، وتخفض مستوى السكر بالدم، وتقوى المناعة وتنقص الوزن الزائد لأنها ترفع معدلات حرق الدهون بالجسم، والإنسان السليم مسموح له تناول 700 ملليجرام من القهوة على مدار اليوم، أما مرضى ضغط الدم فلا يجوز لهم الإفراط فى تناولها.
جدل طويل حول مشروعية شرب القهوة
وفى تاريخ المصريين للقهوة قصص وحكايات، حتى أصبحت المشروب الرسمى للمصريين مع الشاى، فلم يلق مشروب من الجدل الفقهى العنيف بين علماء الدين لأكثر من أربعمائة سنة مثلما لاقى مشروب القهوة، ويذهب محمد الأرناؤوط في كتابه “التاريخ الثقافي للقهوة والمقاهي” إلى أن أول صدام حول مشروعية شرب القهوة ظهر في مكة المكرمة عندما عين السلطان المملوكى قنصوه الغورى خاير بك ناظرا على الحسبة في مكة عام 1511، وعندما وصل إلى مكة كان هناك الاحتفال بالمولد النبوى ووجد أن جماعات الصوفية تتناول مشروب القهوة بكميات كبيرة فسأل عن المشروب فقالوا له قهوة وحكوا له عن طريقة صناعتها من حب البن وكيف عشقها السكان في مكة وصار البن يباع في محال على هيئة خمارات ويقبل عليها الناس.
جمع خاير بك مشايخ الإسلام وعندما دافع شيخ المالكية نور الدين عن القهوة كفره المشايخ الآخرون وأفتوا بأنها حرام، فأرسل خاير بك إلى القاهرة يستجلى الرأي واجتمع الغورى بشيوخ مصر ووصلوا إلى رأي يخالف شيوخ مكة وأفتوا بأنه مشروب حلال وانتصرت الفتوى للقهوة لتنتشر في ربوع مصر.
دخلت القهوة إلى مصر على ركاب الصوفية مع طلاب الأزهر من اليمنيين وقبلهم شيخ الزهد والتصوف أبوبكر عبد الله العيدروسى الشاذلى اليمني، وحسب كتاب (ملامح القاهرة فى ألف عام) للأديب جمال الغيطانى يقول: “أول من اهتدى إليها حيث كان يمر فى سياحته بشجر البن فاقتات من ثمره حين رآه متروكا مع كثرته، فوجد فيه تجفيفا للدماغ واجتلابا للسهر وتنشيطًا للعبادة، فاتخذه طعاما وشرابا، وأرشد اتباعه إليه، ثم وصل العيدروس إلى مصر سنة 905 هــ، وبعد أن أحبها الناس، انتشر بيعها فى دكاكين الشربتلية وسميت باسم المقاهي.. وتم توسعتها وتنظيمها بالشكل الذى نراها عليه الآن وسمى من يقدمها “قهوجي””.
استخدم أحد أسماء الخمر “خمر الصالحين” للدلالة على مشروب البن من باب التسمية بالأضداد على عادة العرب بتسمية الشيء بعكسه لذلك أطلقوا على مشروب البن القهوة لأنه يوقظ العقل على عكس الخمر الذى يغيب العقل، ورأى البعض أن سبب التسمية يرجع إلى أن معنى قها في اللغة فقدان الشهية وهو الأثر الذي تحدثه القهوة.
خلاف أزهري حول القهوة
ونظرا لاعتبار القهوة مشروبا أساسيا بل وعالميا لا يمكن الاستغناء عنه، انقسم شيوخ الأزهر بين مؤيد ومعارض حول مشروب القهوة، وشهدت شوارع القاهرة خلافا حادا حول القهوة حيث أفتى الشيخ على أحمد بن عبد الحق السنباطى ـ أحد فقهاء الشافعية ـ بتحريم شرب القهوة عام 1534 وسمى عدو القهوة، حتى إن الشرطة قامت بسجن بعض شاربيها، مما دفع الأهالى عام 1539 إلى التجمع أمام بعض المقاهى وتحطيم محتوياتها والاعتداء على روادها، واعتبروا السنباطى عدوا للقهوة، وكان أول من تحداه المغتربون الدارسون بالأزهر، وقامت المظاهرات مطالبين السنباطى الرجوع عن فتواه، فأفتى القاضي الحنفى محيى الدين بن إلياس بجواز شربها وأصبح في مصر حكمان متضاربان أحدهما يحرم والآخر يجيز تناول القهوة..
وفى عام 1572 صدرت فتوى من الشافعية بتحريم تناول القهوة، مما أدى إلى هياج العامة حتى قاموا بتكسير المقاهى التي تقدم هذا المشروب الحرام، وفى نهاية العام تصاعد الغضب الشعبى ضد القهوة وكثرت تحريضات أئمة الجوامع ضد القهوة وشاربها وحاملها، حتى صدرت فتوى رسمية بغلق جميع المقاهى ومصادرة البن بل تكسير الأوانى التي تصنع فيها القهوة، وطبعا نفذت الغوغاء حكم الشرع بنفسها، وانتشر العسس يقبضون على شاربى القهوة وتجارها.
تصدير البن إلى أوروبا
يرى الدكتور عاصم الدسوقى المؤرخ وأستاذ التاريخ الحديث أن انتشار القهوة جاء بجهود مصرية خالصة، فعن طريق مصر انتقل فنون شرب القهوة إلى أرجاء الدولة العثمانية كلها، وعن طريق العلاقات التجارية بين مصر والمدن الإيطالية انتقل فنون شرب القهوة إلى أوروبا، فقد كانت مصر تستورد البن من اليمن ثم تعيد تصديره بن ومعها السكر إلى أوروبا.
أزاح الشاى مشروب القهوة عن العرش
وأشار عاصم إلى أن شرب القهوة تحول إلى طقس اجتماعي في مصر بعدما انتشرت المقاهي نسبة إلى القهوة إلى جميع أرجاء القاهرة، وظلت القهوة المشروب “رقم واحد” حتى القرن التاسع عشر، عندما دخل الاحتلال البريطاني لمصر الذي جاء بعاداته بعد أن فرضوا طباعهم حيث يحب الإنجليز شرب الشاي فبدأت النخب المصرية في تقليدهم لينتشر في مصر شرب الشاي في مقاهي الأحياء الشعبية والريف، ويزيح الشاي القهوة عن عرش المشروب المفضل عند المصريين بحلول منتصف القرن العشرين.