حرية ـ (2/10/2024)
الفنون الإسلامية تظل متفردة بجاذبيتها الخاصة المستمدة من الحروف العربية والزخارف الذهبية التي تضفي لمسة من الإبداع على الكتب واللوحات الفنية، ومع ذلك شهدت الفنون الإسلامية تراجعاً في الطلب أخيراً لأسباب متعددة.الخطاط حسين أحمد السري أظهر براعته في تحويل النصوص إلى لوحات فنية تخطف الأنظار، في معرض الرياض الدولي للكتاب 2024 المقام خلال الفترة من الـ26 من سبتمبر (أيلول) الماضي إلى الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري.
التقته “اندبندنت عربية” في معرض الرياض للكتاب ليؤكد أن إتقانه فن الخط تشاركه فيه زوجته التي أبدع في تشجيعها على تعلم فن التذهيب والزخرفة، حتى أصبحت شريكته في ابتكار أعمال فنية فريدة تجمع بين جمال الخط العربي وسحر الزخرفة الذهبية.ومن خلال هذا التعاون يشكل الزوجان ثنائياً فنياً متكاملاً، إذ تتناغم دقة الحروف مع جمالية الزخارف في مشهد فني مميز.
فن التذهيب
التذهيب هو فن زخرفي يعتمد على استخدام الذهب والأصباغ الطبيعية والاصطناعية لتزيين الأسطح مثل الورق والجدران، ويتم الطلاء بالذهب من عيارات وألوان مختلفة باستخدام فرشاة دقيقة، ويستخدم بصورة خاصة في تزيين لوحات الخط العربي.انتقل هذا الفن من المعلم إلى التلميذ عبر الأجيال، وأصبح ذا أهمية كبيرة في الثقافة الإسلامية، نظراً إلى قيمته في تزيين الكتب، وبخاصة المصاحف، وتتكون المخطوطات المزخرفة عادة من عناصر مذهبة مثل الغلاف الأمامي وأطراف عناوين الفصول، وفقاً لمركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية “أرسيكا”.
ويشير مركز الأبحاث للتاريخ والفنون فن التذهيب لا يقتصر على تزيين الكتب فحسب، بل يمتد إلى المخطوطات والأعمال الفنية مثل لوحات الخط والحلية الشريفة والطغراء، وحالياً يستخدم التذهيب بصورة أكبر في اللوحات الفنية، هناك أنماط مختلفة مثل “خاتاي” و”رومي” و”بولوت” مع تطبيق تقنيات متنوعة مثل “هالكاري” و”تاراما”.
لم يقتصر فن التذهيب على الحضارة الإسلامية وحدها، بل امتد إلى ديانات وثقافات أخرى، إذ تظهر المخطوطات المسيحية واليهودية مزخرفة بالذهب، بما في ذلك نسخ من الإنجيل والتوراة، ومع ذلك تتنوع تقنيات وأساليب التذهيب وفقاً للممارسات الدينية والمناطق الجغرافية، مما يجعل كل تقليد يبرز بخصوصيته.
وعلى رغم هذا الانتشار برع المسلمون بصورة خاصة في تطوير هذا الفن، بخاصة في فترات العثمانيين في تركيا، والمماليك في مصر، ليصبح جزءاً من الهوية الثقافية والفنية الإسلامية.ولعب فنانون كبار مثل عبدالله شيرازي وعلي أوسكوداري دوراً محورياً في إثراء هذا الفن، وما زال حتى اليوم يحظى بالاهتمام من قبل عديد من الفنانين حول العالم.
ومن بين هؤلاء الخطاط حسين أحمد السري الذي يطبق التذهيب في تزيين الصفحات الأولى من القرآن الكريم والمخطوطات الأخرى، سواء في الداخل أو على الأغلفة الخارجية، إذ يعمل على تطوير أساليبه لتمزج بين الكلاسيكية والابتكار، مما يلبي طموحات المهتمين بهذا التراث الفني الراسخ.
يستخدم التذهيب في اللوحات الفنية التي تزين بالخط العربي
كيف أصبح فن التذهيب اليوم؟
أوضح الخطاط حسين أحمد السري أن الطلب على فن التذهيب انخفض بصورة كبيرة، ويرجع ذلك إلى التحول نحو الطباعة التجارية التي تعتمد على إنتاج كميات كبيرة، مما يجعل التذهيب خياراً مكلفاً، ومع ذلك يستخدم التذهيب في اللوحات الفنية التي تزين بالخط العربي، إذ يحتاج الخطاطون إلى زخرفة الأطراف، بينما الكتب قل الطلب عليها في هذا السياق.
أما عن الكلفة فيضيف السري أن أعمال التذهيب تتطلب جهداً كبيراً وتكلفة مادية عالية، إذ يمكن أن يستغرق إنجاز بعض الأعمال سنة كاملة، بخاصة إذا كانت الحواف مشبعة بالذهب والزخارف، لافتاً إلى أنه في بعض الحالات، مثل اللوحات الكاملة المزخرفة بالخط العربي، قد تصل كلفة التذهيب إلى ألف دولار للوحة الواحدة.من بين هذه الأعمال المميزة، تأتي زخرفة “الحلية الشريفة”، التي تعد إحدى أهم اللوحات الخطية التي تصف النبي محمد، وهي لوحة يسعى كل خطاط إلى كتابتها بإتقان لإبراز مواهبه فيها، مما يجعلها طموحاً لكثير من الفنانين، وفق المتحدث.
فن مكمل
وأشار السري إلى أن فن الزخرفة يعد جزءاً مكملاً لفن الخط العربي، إذ تسهم الزخرفة أو التذهيب في إبراز جمال اللوحة الخطية عبر إضافة تفاصيل ذهبية وألوان تزين الأطراف، أو تملأ الفراغات في الوسط.ولفت المتحدث إلى أن التذهيب والزخرفة على رغم ارتباطهما الوثيق بفن الخط العربي يعدان فنوناً منفصلة قائمة بذاتها، ومع ذلك غالباً ما يتم توظيفهما كمكملات للخط لزيادة جمالية العمل الفني، وفي بعض الحالات، عندما تغطي الزخرفة كامل اللوحة، يمكن اعتبارها عملاً منفرداً بذاته، وليس مجرد مكمل للخط.
فيما يتعلق بالذهب المستخدم في فن الزخرفة والتذهيب، يوضح الخطاط أن هذا الذهب يأتي على صورة أوراق رقيقة جداً، وهذه الأوراق الذهبية يتم تحويلها إلى سائل باستخدام الصمغ العربي، ثم تجفف على سطح زجاجي وتفرك عليه، وبعد ذلك تعاد إلى حالتها السائلة عبر خلطها بالماء والصمغ العربي مجدداً قبل استخدامها في تزيين اللوحات.
وأكد السري أن هذا الذهب ليس قطع كبيرة أو سبائك، بل أوراق رقيقة للغاية بعيار 21 أو 24 قيراطاً، متوافرة بألوان ذهبية متعددة، وهي من الذهب الطبيعي المضمون بختم الأصالة، موضحاً أن بعض الفنانين في بداية مشوارهم الفني يستخدمون ألوان القواش الذهبية، منوهاً بأن الذهب الطبيعي هو الخيار الأكثر شيوعاً بين المحترفين، إذ يتم بيعه على صورة أوراق من قبل أصحاب الذهب.