حرية ـ (9/10/2024)
ماهر فرغلي
حدَّد الباحثون عشرة أنواع للإرهاب، وهى كالآتى: «الإرهاب الفردى- إرهاب الدولة- الإرهاب الدولى -الإرهاب الثورى- الإرهاب المحلى- الإرهاب الانفصالى العرقى أو الطائفى- الإرهاب النفسى- الإرهاب الفكرى- الإرهاب الانتحارى- الإرهاب الفوضوى»، والحديث عن هذه الأنواع يحيلنا للحديث عن الجيل الأخير من الإرهابيين الذى يختلف جملة وتفصيلاً عن الأجيال السابقة، أولاً لأنه تخلى عن شكله التنظيمى القديم، وثانياً لأنه ارتبط ببعض الدول الإقليمية، وثالثاً لأنه محترف فى استخدام شبكات التواصل الاجتماعى أو وسائط الإعلام الإلكترونية، وهو ما أثَّر تأثيراً مباشراً وساهم فى توسيع وتعميق الفجوة والتناقض داخل المجتمعات والدول من الناحية السياسية والفكرية والاجتماعية… إلخ، وهو ما نتعرض له بالتفصيل.
وتُعتبر الآثار الفكرية لانتشار جماعات وتنظيمات الجيل الحالى من المتطرفين العنيفين من أخطر وأهم الآثار، إذ إن هناك جُملة من الأفكار التى أنتجتها وتمثل تحدياً واضحاً للدول والمجتمعات بسبب استخدامها خطاباً دينياً مختلفاً عن السائد، وتبنت الكثير من وجهات النظر الدينية والاجتماعية، التى أثّرت تأثيراً كبيراً على الدول التى نشأت فيها، وعلى الاستقرار الوطنى والإقليمى والدولى، وعلى ملامح المجتمعات وسلامتها واستقرارها.
لقد لقنت تنظيمات أجيال الإرهابيين المجتمع أفكاراً مثل الحكم الدينى، وأعطت الأولوية لحمل السلاح عن العملية السياسية من أجل الوصول لحلم «التمكين»، وصاغت مفاهيم مثل الحاكمية، وحكم الحكام لدى الجماعة، وحكم الملأ (أى من يحيطون بالحاكم)، وحكم الطائفة والجيوش، والتكفير للحكام والمحكومين.
وحكم تكفير الدول وقاطنيها، وحكم العذر لساكنى الدول، وحكم موالاة الدول العلمانية، أو الفصائل المختلفة معها.ومن المهم أن نعرف أن تلك المفاهيم الأيديولوجية بشكل عام جعلتهم ينشرون أفكاراً واعتقادات توطنت لدى العديد من الشباب بأن الشريعة غائبة، ووجوب إقامة جماعات بعض منها يضع أوصافاً فكرية وعملية وخُلقية، ويحدد بها حزب الحق ويُنزلها على جماعته، فيصبح هو صاحب الحق محتكر الحقيقة، وهو ما أدى إلى التناحر بين هذه الجماعات، والخلافات الحادة التى جرت بين الشباب.
ويمكن أن نُلحق تأثير أفكار الجيل الأخير من هذه التنظيمات على الظاهرة الثقافية التى خرجت من جذورها، وكيف تجمّعوا على مفاهيم واحدة خارجة عن المفهوم الوسطى للدين، حيث يغرق المتطرف الإسلاموى فى البحث عن مشروع الخلافة الراشدة الحديثة فى نظرة مثالية، ويترك فى المقابل الواقعية، ومن ثم درجوا أن يستخدموا (سوسيولوجيا الذاكرة الدينية) أى إعادة إحياء منظومة من الشعائر والمعتقدات التى تأتى من الماضى، دون القدرة على التجديد وفهم متغيرات الواقع الراهن.
وعلى سبيل المثال: الاهتمام بانتقاء نصوص خاصة فى الفقه والحديث لا تُعنى باكتشاف خبرات السلف ودلالتها، بل بجمع الأدلة التى تدلل على الأعمال المستهدفة ومذاكرتها فقط، واعتبار أن شرعية السلطة الحاكمة ستستمد من تطبيقها للإسلام بطريقة حرفية، وإلا اعتُبرت غير شرعية مقصرة فى حق الدين، والاستعلاء الدينى بين الجماعات وغيرها من الناس باعتبار أن مقدار الاتصال بالتراث هو المقدار الذى يحدد أقرب الأشخاص إلى الحق.
وكل ما سبق أدى إلى ظهور حركات تريد إحياء التراث من خلال الفقه السياسى أو الوظيفة السياسية للتراث، طارحة بعض القضايا التى عفى عليها الزمن وعلى سبيل المثال لا الحصر قضايا الخلافات بين الفرق المختلفة كالمعتزلة والقدرية والأشاعرة.. إلخ وافتعال المعارك فى مسائل وسع الخلاف فيها الأمة كمسألة عمل المرأة والموسيقى.. إلخ، بل وتعدى الطرح إلى فرض هذه القضايا بالإكراه.
واعتبر الجيل الأخير الأساليب العنيفة والثورات والحروب ضد من يُنظر إليهم على أنهم مرتدون أو كفار، وبرروا الهجمات على المدنيين، واعتبروا الدول «العدو القريب»، والغرب هو العدو البعيد، ومن ثم أنشأوا وطوروا شبكات لها صلات بالحركة الإسلاموية العنيفة العالمية فى المنطقة العربية بالكامل، وسافروا إلى مناطق النزاع ليقاتلوا ثم عادوا لبلدانهم بعد أن تم تدريبهم ولديهم خبرة فى استخدام العنف، ليصل تنفيذ العمليات الإرهابية فى المنطقة العربية خلال الفترة ما بين 2015 وحتى عام 2023 إلى أكثر من 5 آلاف عملية إرهابية.
وبالنظر إلى هذا الجيل سنجد أنه يصور نفسه على أنه الجماعة الوحيدة التى تتبع الحق وأنه سيُقيم المدينة الإسلامية الفاضلة، وسيواجه الظلم، من خلال جماعات إرهابية عابرة للحدود، أو جماعات تهتم بالقضايا المحلية وتعمل وفق نموذج عرقى قومى دينى، أو جماعات طائفية، أو أخرى تظهر استجابة لمواقف وأحداث معينة.لذا من أخطر الآثار السياسية لهذا الجيل هو أنه رسم صورة رومانسية لفكرة العنف، ونجح فى الترويج بأنه السبيل إلى الجنة وخدمة الإسلام، ولعب على ملف الصراعات المذهبية والطائفية، واستغل ذلك جيداً فى المناطق التى تشتعل فيها الصراعات بين المذاهب، ليُشعل حماس الشباب وغيرتهم على الإسلام، ودعم ذلك ببعض الفتاوى التى أطلقها بعضهم وتفسيراتهم الخاطئة للآيات القرآنية بما يخدم أهدافهم.
ومن هذه الآثار رفضه التعددية السياسية، ومهاجمته النموذج الغربى والليبرالية الديمقراطية والمشاركة بالانتخابات، وعدم احترام الطوائف والأقليات الدينية، وبالتالى كان من أهم تأثيراته هو صناعة الانقسامات داخل المجتمعات، ورفض وجود الدولة الوطنية وصناعة التوتر، الذى سيعطيه فرصة غير مسبوقة للوجود.