حرية ـ (9/10/2024)
في اليوم العالمي للصحة النفسية الذي يصادف 10 أكتوبر 2024، توحّد “منظمة الصّحة العالمية” جهودها مع الشركاء العالميين لتسليط الضوء على أهمية الصحة النفسية في بيئات العمل. وحينما تغدو تلك البيئات آمنة وصحية، فإنها تسهم في تعزيز رفاهية الأفراد وحمايتهم من التأثيرات السلبيّة التي قد تؤدّي إلى مشاكل نفسية. وفي المقابل، حينما يسود أمكنة العمل التمييز، والوصم، والتحرش، فضلاً عن الظروف القاسية والمجحفة في العمل، فإن ذلك يشكِّل مخاطر جسيمة تؤثّر على الصحة النفسيّة وجودة الحياة بشكل عام، مما يؤثّر سلباً على مشاركة الأفراد في العمل وإنتاجيتهم.
في اليوم العالمي للصحة النفسية الذي يصادف 10 تشرين الأول (أكتوبر) 2024، توحّد “منظمة الصّحة العالمية” جهودها مع الشركاء العالميين لتسليط الضوء على أهمية الصحة النفسية في بيئات العمل. وحينما تغدو تلك البيئات آمنة وصحية، فإنها تسهم في تعزيز رفاهية الأفراد وحمايتهم من التأثيرات السلبيّة التي قد تؤدّي إلى مشاكل نفسية. وفي المقابل، حينما يسود أمكنة العمل التمييز، والوصم، والتحرش، فضلاً عن الظروف القاسية والمجحفة في العمل، فإن ذلك يشكِّل مخاطر جسيمة تؤثّر على الصحة النفسيّة وجودة الحياة بشكل عام، ما يؤثّر سلباً على مشاركة الأفراد في العمل وإنتاجيتهم.
وبالنظر إلى أن 60 واقع في المئة من سكان العالم يعملون، شددت “منظمة الصحة العالمية” على الحاجة الملحّة إلى اتخاذ إجراءات سريعة وفعّالة لضمان حماية الصحة النفسية في أماكن العمل. ولفتت المنظمة الدولية إلى ضرورة أن تأتي تلك الإجراءات عبر التعاون بين الحكومات، وأرباب العمل، والمنظمات التي تمثّل العمال، وغيرها من الأطراف المعنية بصحة العاملين وسلامتهم. ولفتت أيضاً إلى وجوب التشاور مع العمال أنفسهم، لضمان تصميم حلول واقعية وشاملة تعالج احتياجاتهم، عبر سياسات وتدخلات تسنتد إلى الأدلة العلمية.
وإذا تحقق ذلك، يضحى من الممكن تحقيق ازدهار أكبر للموظفين على المستوى الشخصي والمهني، ما يؤدي إلى مجتمعات عمل أكثر إنتاجية واستقراراً.
الروتين اليومي وإعادة تشكيل الدماغ
وفي سياق الصحة النفسية والبحث العلمي عن التأثيرات النفسية والعقلية للعمل وإيقاعاته على الإنسان، أجرى فريق من الباحثين من جامعتَي آلتو وأولو دراسة رائدة تهدف إلى فهم كيفية تأثير الروتين اليومي على النشاط الدماغي على مدى فترات طويلة. استمرت هذه الدراسة خمس أشهر، وشملت مراقبة النشاط الدماغي لفرد واحد باستخدام فحوصات دماغية دقيقة وبيانات جمعت عبر أجهزة قابلة للارتداء وهواتف ذكية.
وأوضحت آنا تريانا، الباحثة المسؤولة عن الدراسة، أن البحث سعى إلى تجاوز الفهم المحدود لردود فعل الدماغ حيال الحوادث في شكلها المتفرق، والتركيز على كيفية تفاعل الدماغ مع التغيرات البيئية والفسيولوجية والسلوكية التي تحدث على مدى أسابيع وأشهر.
وأشارت النتائج إلى أن الدماغ لا يتفاعل مع الروتين اليومي بشكل فوري ومعزول، بل يستجيب على مدار أيام لتغييرات مثل إيقاع النوم والنشاط البدني والمزاج. ويشير إلى أن تأثير هذه العوامل يمتدّ إلى أكثر من أيام قليلة. ومثلاً، يمكن لتمرين بدني أو قلة النوم أن يستمر تأثيره على الدماغ لأيام لاحقة، ما يؤثّر على الإدراك والانتباه والذاكرة.
وكشفت الدراسة أيضاً عن وجود صلة قوية بين تقلّب معدل ضربات القلب وبينة التواصل بين أعصاب الدماغ، خصوصاً أثناء فترات الراحة. وهذا يشير إلى أن التحكّم في مستويات الإجهاد من خلال تقنيات مثل التأمل أو التنفس العميق، يمكن أن يعزّز صحة الدماغ على المدى الطويل. وكذلك أظهرت الدراسة أن النشاط البدني له تأثير إيجابي على التفاعل بين مناطق عدة في الدماغ، ما يحسّن من الذاكرة والمرونة الإدراكية. وتترك تلك التغيرات بصمات دائمة على الدماغ، قد تستمر لمدة تصل إلى 15 يوماً.
دور التكنولوجيا القابلة للارتداء
تمثّل أحد الجوانب الفريدة في هذه الدراسة باستخدام التكنولوجيا القابلة للارتداء التي ساعدت في تقديم مراقبة دقيقة ومستدامة للنشاط الدماغي على مدى فترة زمنية طويلة. وأكّدت تريانا لموقع scitechdaily.com أن فحوصات الدماغ التقليدية تعطي صورة محدودة عن نشاط الدماغ في فترات قصيرة، ولا تعكس بشكل كامل تعقيد تفاعل الدماغ مع البيئة المتكررة على مدار مجموعة من الأيام.
تريانا، التي كانت نفسها موضوع الدراسة، أوضحت أن هذا الدور المزدوج جلب رؤى مباشرة حول كيفية الحفاظ على شفافية البحث وتحقيق نتائجه. وقالت: “في البداية كان الأمر مثيراً ومرهقاً، لكن مع مرور الوقت، يصبح الروتين طبيعياً وتنسى أنك تخضع للمراقبة”.
تحليل الأنماط الدماغية
تمكن الباحثون من تحديد نمطين رئيسيين في استجابة الدماغ. تمثل الأول بالموجة القصيرة الأمد التي تستمر أقلّ من سبعة أيام، وتعبّر عن التكيفات السريعة مثل تأثير ضعف النوم على التركيز. وتجسد الثاني بالموجة طويلة الأمد التي تستمرّ حتى 15 يوماً، لأنها تعبّر عن التأثيرات التدريجية والدائمة، وخصوصاً في المجالات المرتبطة بالانتباه والذاكرة.
يأمل الباحثون في أن تمهّد نتائج هذه الدراسة الطريق لدراسات مستقبلية تعتمد على البيانات اليومية، وتجمع بين الفسيولوجيا والنشاط الدماغي؛ بغية الحصول على فهم أعمق للصحة النفسية، وربما تصميم تدخلات علاجية مخصّصة أكثر فعالية.
يقول الدكتور نيك هايوارد، المشارك في الدراسة: “نحتاج إلى جلب البيانات من الحياة اليومية إلى المختبر، كي نفهم الصورة الكاملة لكيفية تأثير عاداتنا على الدماغ”.
وكذلك تقدّم هذه الدراسة إثباتاً لمفهوم البحوث التي تجرى مباشرة على المرضى ويمكنها تتبع التغيرات الدماغية في الوقت الفعلي، وهي تشكِّل أداة قوية في الكشف المبكر عن الاضطرابات العصبية، خصوصاً الحالات النفسية التي قد لا تُظهر أعراضاً واضحة في البداية.
وبحسب تريانا: “ربط النشاط الدماغي بالبيانات الفسيولوجية والبيئية قد يفتح الباب أمام ثورة في الرعاية الصحية الشخصية، ما يؤدي إلى تدخلات مبكرة ونتائج أفضل في معالجة الاضطرابات النفسية والعصبية”.