حرية ـ (12/10/2024)
أحمد الصراف
اتصل بي مالك واحدة من كبرى شركات الأدوية وحثني على الاستمرار في الكتابة عن خطر السُّمنة، الذي صنفته منظمة الصحة العالمية بالوباء. طلبه ذكرني بحادثة سبق أن كتبت عنها. فعندما كنت أتعامل بالأغذية زارني مفتش البلدية، فبالغت بالترحيب به، وشك في نواياي، وقبل أن يغادر بينت له أنني أبيع 20 صنفاً غذائياً، لكني أستهلك عشرات أضعافها. وأنه وزملاءه المفتشين هم خط دفاعي، ومن يحمونني وأسرتي من المواد الفاسدة والمنتهية الصلاحية التي يبيعها غيري!
وهمٌ كبير ما يعتقده البعض أن بيع أدوية أو أغذية فاسدة سيحقق لهم ربحاً مالياً. فكما غشَّ الآخرين بفاسد منتجاته، فسيغشه الآخرون بفاسد منتجاتهم!
لذا تصرفت، كما تصرف وكيل الأدوية، ظاهرياً، بخلاف مصالحنا، لثقتنا بأن ما قمنا به هو الأفضل لنا وللمجتمع ككل.
لدينا في الكويت، أكثر من غيرنا، أجهزة مالية رقابية، لكن ذلك لم يمنع وقوع سرقات بمئات الملايين، فالعبرة ليست بكثرة الأجهزة بل بمن يديرها.
كما لدينا أجهزة عدة لحماية المستهلك، لكن تعددها لم ينتج عنه توفير حماية أفضل الطفل. فقد رأيت جمعية تعاونية تعلن عن «لوتري» للفوز بأربع سيارات جديدة، شريطة صرف دينارين، على الأقل، على شراء مواد غذائية مسببة للسُّمنة، فقمت بالاتصال بأكثر من جهة، لكن كل واحدة ألقت المسؤولية على غيرها.
السُّمنة تفتك بأطفالنا، وسبق لهيئة الغذاء أن قدمت مقترحات لمجلس الوزراء بخصوص سلامة ما يتناوله الأطفال في المدارس، لكن لم نشاهد شيئاً على أرض الواقع. وربما اقتصرت قراراتها على المدارس الحكومية.
كما أن غالبية قرارات حماية المستهلك تركز على الأسعار، والغش في المصنعية، دون التمدد لأمور أكثر علاقة بصحتنا جميعاً، وحمايتها، وهذا هو دورها الحقيقي!
يعتبر الأمريكي اللبناني المحامي الباحث رالف نادر، أشهر من قام بالدفاع عن حقوق المستهلك، فقد تصدى لكبرى الشركات الصناعية في أمريكا وأجبرها على تغيير نهجها، ودفعها لإنتاج مواد أكثر أماناً. وفرض وضع إضافات كثيرة ومعايير سلامة للسيارات، كأحزمة النجاة والوسادات وغيرها. كما لاحق شركات الوجبات السريعة، لكنها عادت لسابق نهجها مع تنحيه عن منصبه. وأصبحت تروِّج، من خلال ممارسات تسويقية خادعة، للأطعمة العالية الدهون والسكر، وخاصة للأطفال. وعادت للاستخدام السيئ للألعاب والرسوم المتحركة والمشاهير لإغراء الأطفال لتناول منتجاتها.
إن صحتنا وصحة أبنائنا وأحفادنا هي اليوم بيد وزارة الصحة، فهي الجهة الأقدر من غيرها على التصدي لوباء السمنة. وهي أيضا الخاسر الأكبر، وطنياً ومادياً، من ترك الأمور على وضعها، لأن هؤلاء سينتهي بهم الحال لمستشفياتها. فنحن بالفعل بحاجة لخطة متكاملة، واستراتيجية شاملة لوقف زحف السمنة المتسارع. وكان غريباً السماع، عن طريق الصدفة، عن مؤتمر الكويت الثاني لمكافحة السمنة، الذي تنظمه جمعية الجراحين الكويتية، فلم أرَ له تغطية كافية بالرغم من أنه ليس الأول. واعتراف الصحة بأنها قامت بإجراء آلاف العمليات الجراحية لمعالجة السُّمنة، هذا غير ضعف ذلك في المستشفيات الخاصة، على حساب عافية!