حرية ـ (18/10/2024)
المحامي محمد مجيد الساعدي
في خضم التاريخ المعقد والمليء بالتوترات قد يظهر المحامي كراوٍ للحقيقة يسبر أغوار الأحداث المتشابكة لان عمله يختص برصد ثغرات القوانين ويتربص بدقة حروف وكلمات مواد تلك القوانين وتواجدها أنا محمد مجيد الساعدي محامي في شركة سما حمورابي للمحاماة كنت اعمل وشرد ذهني لحظات رصدت حالة صراع في حوض اسماك صغير في احد أركان شركتنا لا يختلف كثيرا عن ما يدور في بحر الحياة، لا يكاد حوضنا الصغير أن يسع سوى سمكتين احداهما كبيرة وأختها صغيرة وكل منهن تعيش على حافة الصراع المستمر الحوض ضاق بمقامهن فالمساحة لا تكفي ليعشن بسلام المساحة ضيقة والنفس أضيق.السمكة الصغيرة رغم ضآلة حجمها تُظهر ذكاءً وفطنة لا يمكن إنكارها تعلم جيداً قواعد اللعبة وتدرك أن الحياة في هذا الحوض لا يمكن أن تكون هادئة دائماً. تعرف أنها في هذا المكان الضيق عليها أن تحافظ على وجودها وأن الهدوء والسكينة ليسا سوى سراب عابر في عالم الأسماك المتصارعة. تحرك بمهارة بين رفاقها تختار توقيتاتها بعناية ولا تدخل في مواجهة إلا وهي على علم بما يترتب على نتائجها ومكاسبها وتوسعها سعادتها ان تجعل الحوض باللون الأحمر وترى ذلك حق من حقوقها الطبيعية لانها هكذا خلقت لكي تعيش باي ثمن واي وسيلة . تختار التوقيت المناسب ايضا كي تهز بذيلها وتلعب لكي تستجلب متابعيها من محامي الشركة الذين يدعمونها ويستانسون بمشاهدتها . أما اختها تلك السمكة الكبيرة فقصتها مختلفة إنها كبيرة بحجمها فقط ولكنها عمياء أمام دهاء السمكة الصغيرة وغارقة في غباء مستفحل هي تعلم بطريقة ما أن هناك خطراً يحدق بها لكنها تغض الطرف عن كل تحذير وكل ألم. فالسمكة الصغيرة رغم ضعفها الظاهر تعلم كيف تهاجم وتقتنص الفرص وتلتهم جزءاً من جسد تلك السمكة الكبيرة الغبية من حين إلى آخر تقضم زعانفها أو تجرح ذيلها وتتركها تنزف في صمت دون أن تعير الجرح اهتماماً ان قتالها ليس حاسم فهي صبورة جدا وتستخدم الوقت لصالحها مع استمرار النزف فانها تنجح هذه خطتها العظيمة .الدم الذي يتساقط والزعانف تتمزق لكن السمكة الكبيرة لا تبالي وكأن هذا الألم المستمر جزء من طبيعتها أو ربما لأنها ببساطة لا تملك الشجاعة أو الذكاء الكافي لتدافع عن نفسها. كل عضة تتعرض لها تزيدها ضعفاً وكل جرح ينزف منها يجعلها أقرب إلى النهاية. وهكذا تستمر اللعبة سمكة صغيرة ذكية تراقب الحوض بعيني صقر تعرف متى تهاجم ومتى تنسحب وسمكة كبيرة تتعرض للعض والضرب دون أن تدرك أنها تتآكل ببطء. الحوض قد يبدو صغيراً لكن الصراع فيه يكبر يوماً بعد يوم وما من نهاية تلوح في الأفق سوى سقوط الأضعف.كيف سينتهي هذا وكلاهما نشأ وترعرع من رحم واحد ويشتركان في جذور تاريخية وثقافية رغم التباعد الظاهري من خلال تحليلي لهذا الوضع توصلت إلى أن تلك الصراعات ليست مجرد نزاعات حول مكان بل هي تجليات لأزمة هوية ومصير مشترك
وعندما رفعت شركتنا نزاع السمكتين الى محكمة العدل الدولية صدر البيان التالي
نامل من مساعينا أن نجد الطريق نحو سلام بينهما لا يقوم على اساس الغلبة بل على الاعتراف بالإنسانية والقواسم المشتركة بينهما .