حرية ـ (27/10/2024)
دعا “معهد كارنيجي” الامريكي إيران إلى التعلم من “الخطأ الفادح” الذي ارتكبه رئيس النظام العراقي صدام حسين، خلال التسعينيات في التصعيد عندما أوقف تعاونه مع المفتشين الدوليين وفاقم من الشكوك حول برامجه التسلحية.
وبعدما ذكر المعهد الأمريكي في تقرير، بتبادل المواجهات العسكرية بين ايران واسرائيل، أشار إلى احتمال أن تلجأ ايران الى خيارات اكثر جذرية لاعادة ضبط الديناميكيات الاقليمية، والتي من بينها الالتزام بتهديداتها المتكررة بالانسحاب من معاهدة منع انتشار الاسلحة النووية، وتقليص التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وأوضح التقرير الأمريكي، أن المادة العاشرة من هذه المعاهدة الدولية تسمح للدولة بذلك الانسحاب لكن تشترط عليها تقديم إشعار قبل 3 اشهر وشرح “الأحداث غير العادية” التي عرضت “مصالحها الوطنية العليا” للخطر.
وبحسب التقرير، بإمكان إيران ان تستشهد برفض اسرائيل الانضمام الى معاهدة حظر الانتشار النووي، وافعالها العسكرية في المنطقة، بما في ذلك ضد أهداف ايرانية، بالاضافة إلى الضغوط الدولية المستمرة عليها، كمبررات للانسحاب من المعاهدة.
ووفق التقرير، فإن الانسحاب من معاهدة منع الانتشار النووي لا يعني بالضرورة أن إيران قررت الانتقال إلى الاستحواذ على أسلحة نووية، لكن من شأن خطوة إثارة التكهنات وتكبيرها، مضيفا انه برغم ان طهران تؤكد منذ فترة طويلة على انها لا تسعى الى امتلاك اسلحة نووية، الا انه بمقدورها ان تبنيها بسرعة نسبية في حال اختارت ذلك.
ولفت التقرير الى انه منذ انسحاب ادارة الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة في العام 2018، فان ايران استمرت بتطوير قدراتها النووية وتراجعت عن التزاماتها بالمراقبة الواسعة بموجب الاتفاق، مما اضعف قدرة المجتمع الدولي على الاكتشاف السريع لاحتمالات القيام بخطوات تسلح نووية.
ورأى التقرير أن السبب الاكثر وضوحا الذي قد يدفع اي دولة الى انهاء دور الاشراف الذي تقوم به الوكالة الدولية للطاقة الذرية، هو اخفاء قدراتها على تصنيع القنبلة النووية، الا انه اضاف ان تقليص الشفافية حول هذا الوضوع، قد يكون بمثابة وسيلة ضغط بما يسمح للدولة بالمساومة من اجل تحقيق تخفيف العقوبات.
وأشار تقرير معهد “كارنيجي” الأمريكي، إلى أن صناع القرار السياسي في طهران قد يعتبرون أن اثارة الغموض حول برنامجهم النووي من شانه ان يعزز خطورة التهديدات التي يطلقونها في وقت يتعرض فيه وضعهم الاقليمي الى الخطر.
إلا أن التقرير، نبه بأن التاريخ يظهر أن ممارسة كرة القدم السياسية مع مهمات التفتيش الدولي نادرا ما تقود الى نتائج خيرة، معتبراً أن قرار العراق في العام 1998 وقف التعاون مع مفتشي الاسلحة الدوليين، هو بمثابة تذكير بانه اذا سلكت ايران هذا الطريق، فإن النتيجة الاكثر ترجيحا تشكل خليطا ساما من عدم اليقين والتفكير الأسوأ والذي قد يقود إلى تعزيز المخاطر وسوء التقدير.
واوضح التقرير انه في حال كانت ايران تريد بناء ترسانة نووية، فإنها مجبرة على السير وتقبل هذه الكلفة، اما في حال كانت تريد الحد من مخاطر الصراع الذي يمكن ان يكون كارثيا بالنسبة لها، وتوفير مساحة لمصلحة الرئيس مسعود بزيشكيان لاعادة فتح المفاوضات النووية مع الغرب، فان معالجة الشكوك حول برنامجها النووي بدلا من تعزيزها، يجب ان يكون من اهم اولوياتها، مضيفا ان الشفافية لا تشكل علاجا سحريا، الا انها توفر اداة لتقييم التوقعات الخطيرة.
التفتيش وحرب العراق
وفي حين ذكر التقرير بان تعاون ايران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية كان متقلبا لكنها لم تقطع مشاركتها نهائيا، أشار إلى أن العصر النووي حافل بنماذج تعكس عدم الامتثال، مضيفا ان دولتين فقط، هما العراق وكوريا الشمالية، قامتا فعليا بطرد المفتشين الدوليين.
وأكد التقرير، أن حالة العراق تعتبر مثيرة للاهتمام بشكل خاص لان مقاومة صدام حسين لعمليات التفتيش الدولية على الاسلحة، ثم رفضها في نهاية الامر، ساهمت في تعزيز الشكوك الامريكية حول اسلحة الدمار الشامل (والتي ظهر في النهاية انها لا اساس لها من الصحة)، كما انها عززت تبريرات ادارة جورج بوش للغزو في العام 2003.
واعتبر التقرير الامريكي، أن هذه الحادثة تسلط الضوء على المخاطر التي يثيرها الغموض النووي والتي يتحتم على كل الأطراف اخذها بعين الاعتبار قبل الشروع في مسار نشاطات يصعب عكسها.
وذكر التقرير بان العراق، امضى نحو عقدين من الزمن في محاولة تصنيع القنبلة النووية، بدءا من السبعينيات، موضحا انه في العام 1981، قامت اسرائيل بعرقلة هذه الجهود من خلال تدمير المفاعل الذي خططت بغداد لاستخدامه كمصدر للبلوتونيوم، إلا أن النظام اعاد تشكيل برنامجه سرا، متبعا مسارات اخرى لانتاج المواد الانشطارية واجراء ابحاث حول تصميم الاسلحة وانظمة اطلاقها، وحجم هذا النشاط لم يتضح مداه سوى بعد هزيمة العراق في حرب الخليج العام 1991.
وأضاف أن مجلس الأمن الدولي امر بغداد بعد الحرب بتفكيك برامج اسلحة الدمار الشامل تحت اشراف مفتشي الوكالة الدولية والامم المتحدة، مشيرا الى انه برغم قبول العراق لهذه الشروط، الا أن تعاونه كان متقلبا، وفي احيان كثيرة كان يعرقل عمل المفتشين من خلال تقديم معلومات كاذبة او غير كاملة، والتلاعب بالادلة، ومنع الوصول الى المواقع، الا انه برغم محاولات التعنت العراقية، فان المفتشين قاموا بتفكيك الجزء الاكبر من البنية التحتية للاسلحة النووية بحلول اواخر التسعينيات، وتوفر لديهم فهم كبير للبرنامج.
ورأى تقرير معهد كارنيجي، ان صدام كان غاضبا من الاذلال المتمثل في نزع سلاحه بالقوة واستمرار فرض العقوبات، مضيفا ان العراق اعلن في العام 1998، انه سيتوقف عن التعاون مع عمليات التفتيش.
وأشار إلى انه بعد عدة محاولاتدبلوماسية لم تثمر، لجأت الولايات المتحدة وبريطانيا الى الرد العسكري، وجرى اجلاء فرق التفتيش التابعة للوكالة الدولية والامم المتحدة، بينما رفض العراق السماح لهم بالعودة او الالتزام ببرامج نزع السلاح.
ولهذا، قال التقرير ان طتقويض عمليات التفتيش كان خطا فادحا بالنسبة لصدام، حيث لم تترجم هذه القرارات الى درجة اكبر من النفوذ او المكانة، وانما بدلا من ذلك، اسيء قراءتها، بينما أثر سجل العراق المليء بالخداع والمقاومة على التقييمات اللاحقة لدوافعه وقدراته”، مذكرا في هذا الاطار بما قاله بوش في خطابه الذي القاه عام 2002 تحت عنوان “محور الشر”، حيث اعتبر ان”هذا النظام وافق على عمليات التفتيش ثم قام بطرد المفتشين، وهذا نظام لديه ما يخفيه عن العالم المتحضر”.
ولفت التقرير الى سوء الفهم المتبادل بين الطرفين، موضحا ان صدام حسين في المقابل افترض بشكل خاطئ ان الولايات المتحدة كانت تعلم ان العراق لم يعد يمتلك برنامجا فعالا للاسلحة النووية، سواء بوجود مفتشين على الارض او بدونهم، وبالتالي اعتقد ان اتهامات واشنطن باسلحة الدمار الشامل، كانت مجرد ذريعة لاجباره على التنحي عن السلطة.
وبعدما قال التقرير ان “المخاوف بشان البرنامج النووي العراقي لم تكن هي المسؤولة الوحيدة عن الحرب”، موضحا ان العديد من صناع القرار في الولايات المتحدة ساهموا في الترويج لمعلومات استخباراتية مشكوك فيها لتبرير رغبتهم في تغيير النظام، الا انه اعتبر ايضا ان رفض صدام لمهمة التفتيش الدولية جعل الحجج والتفسيرات المثيرة للجدل، تحمل مصداقية اكبر.
الفكر النووي الايراني
وبعدما قال التقرير الأمريكي، ان ايران، مثلها كمثل العراق، تتمتع بتاريخ من الانشطة النووية السرية، استعرض المسار النووي لطهران منذ الكشف عن جهودها في العام 2002، وصولا الى انسحاب ترامب من الاتفاق النووي في العام 2018، وفرض عقوبات كبيرة على ايران، على الرغم من ان المخابرات الامريكية والوكالة الدولية للطاقة الذرية قدمت تقييمها بان طهران ملتزمة بالاتفاق.
كما لفت التقرير الى ان ايران ظلت ملتزمة بايفاء تعهداتها حول الرقابة الدولة والتحقق، لكنها منذ العام 2019، بدأت في التراجع عن التزامات اخرى، مثل القيود المفروضة على حجم مخزونها من اليورانيوم المخصب والمستوى الذي يمكنها التخصيب اليه، قبل ان تعود لتطور علاقتها مع الوكالة الدولية منذ العام 2021، قبل ان يتراجع التعاون مجددا بعد اغتيال عالم نووي ايراني بارز.
وبرغم ان مجتمع الاستخبارات الامريكي يواصل تقديم تقييمات ان القادة الايرانيين لم يقرروا بناء سلاح نووي، الا ان تعزيز قدرة ايران على إمكانية امتلاك أسلحة نووية مع تراجع الرقابة الدولية، كلها تساهم في تعزيز حالة من عدم اليقين، مضيفا ان تدهور ديناميكيات الامن الاقليمي، بما في ذلك الضربات الاسرائيلية بالقرب من المنشات النووية الايرانية وتدهور “وكلاء” ايران، يجعل الوضع اكثر تقلبا.
وبحسب التقرير، بإمكان برنامج ايران النووي ان يجعل اكثر اهمية في استراتيجيتها الدفاعية، لافتا الى ان صناع السياسة بدأوا فعلا بالتلويح بوضع بلادهم على العتبة النووية بهدف الردع، بما في ذلك بمواجهة الهجمات على المنشات النووية، وأن الخبراء يعتقدون ان الشيء الوحيد الذي يحول بين ايران والقنبلة النووية، هو القرار السياسي.
ورأى التقرير انه في ظل عدم كفاية الرقابة الدولية، فان المخاطر وحالة عدم اليقين تتفاقم، وتضحم مخاطر سوء التقدير من الاطراف مع تراجع الاشراف الدولي، مضيفا ان الدبلوماسية تظل افضل وسيلة لتجنب اسوا النتائج.
وشكك التقرير، بجدوى ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية والتي لن تؤدي إلا الى تأخير التقدم في البرنامج، وستزيد من عزم طهران على الحصول على السلاح النووي.
كما لفت الى انه منذ غزو اوكرانيا، فان روسيا انتقلت من الضغط على ايران لمنعها من الانتشار النووي الى حمايتها من الرقابة الدولية، مما يزيد من صعوبة فرض ضغوط اضافية على النظام، وبالاضافة الى ذلك، قال التقرير انه صار لدى ايران ايضا تحفظات بشان قدرة الولايات المتحدة على تخفيف العقوبات والالتزام بالاتفاقيات.
وخلص التقرير الى القول إن القرار الذي اتخذه العراق بتقييد تعاونه مع النظام النووي العالمي، يوفر درسا تحذيريا لايران والمجتمع الدولي على السواء.
وحذر من ان الغموض النووي قد يؤدي الى اساءة قراءة النوايا، في حين ان الحد من الرقابة من شانه ان يزيد من صعوبة تراجع كل الاطراف عن حافة الهاوية في ازمة ما، مما يؤدي الى تضخيم مخاطر نشوب حرب إقليمية اوسع نطاقا، وفي هذه اللحظة المضطربة، يجب على إيران والولايات المتحدة أن تضع ذلك في عين الاعتبار.