حرية ـ (28/10/2024)
لفت مقطع الفيديو الذي انتشر في الفترة الأخيرة للكلب الذي كان مستقراً على قمة هرم خوفو الانتباه إلى الكلاب البلدية في مصر، إذ حظي بانتشار واسع، باعتباره مشهداً عفوياً طريفاً. الفيديو صوره عرضاً سائح أميركي كان يحلق بطائرة شراعية فوق أهرام الجيزة، ليتصادف وقتها وجود الكلب أعلى الهرم، ثم هبوطه بسرعة ورشاقة، وكأنه اعتاد الأمر.
فيديو الكلب، الذي أطلق عليه بوكا، جاب العالم محققاً دعاية سياحية لمصر ولمنطقة الأهرام، حتى إن واحدة من الشركات السياحية الأميركية أصبحت تروج لرحلاتها إلى مصر في الأيام الأخيرة بأنها ستتضمن رحلة للأهرام وجولة في المتحف المصري الكبير وغداء مع كلب الفرعون.
علاقة المصريين بالكلاب قديمة قدم التاريخ، إذ ظهرت على جدران المقابر المصرية القديمة، ومرت بمراحل متعددة حتى العصر الحالي، مع تنامي اتجاه حقوق الحيوان وانتشار الجمعيات والمبادرات المختلفة التي تعنى بهذا الأمر.
وتنوعت الكلاب في مصر بين التي تربى في المنازل وتحظى برعاية فائقة من أصحابها، والتي يقتنيها بعض الناس للحراسة، بخاصة في المناطق النائية. كما ظهرت الكلاب البوليسية في مصر بحلول الثلاثينيات من القرن الماضي في عهد الملك فؤاد، لتبدأ بأربعة كلاب جرى تدريبها، ولاحقاً أهدى الملك فاروق مدرسة البوليس 11 كلباً من سلالة الراعي الألماني، ولدت بالسراي الملكي لتكون نواة للكلاب البوليسية في مصر.
ولا يوجد إحصاء دقيق بعدد الكلاب في مصر، لكن هناك أرقاماً متضاربة تراوح ما بين 6 ملايين و20 مليوناً ناتجة من تقديرات لبيطريين وجهات متخصصة وتصريحات لنقيب البيطريين في مصر.
بين مصر القديمة والعصر الإسلامي
عن تاريخ الكلاب في مصر يقول محمود الحصري، مدرس الآثار واللغة المصرية القديمة بجامعة الوادي الجديد، “عرفت الكلاب في مصر القديمة باسم (إيو – إيو)، وعرف كلب الصيد باسم (ثسم)، ولم تقتصر الكلاب فقط على كونها حيوانات أليفة أو على استخدامها في الصيد والحراسة، إنما ارتبطت أيضاً بالآلهة، فكان أنوبيس هو حامي الموتى، ودليلهم للعالم الآخر، وكان مسؤولاً عن تحنيط الموتى وحراسة المقابر، وكان يصور برأس كلب وجسد إنسان، ووفق الديانة المصرية القديمة فلكل ابن من أبناء حورس الأربعة حيوان مقدس يمثله، وكان أحد هذه الحيوانات هو الكلب، إذ كان يعتقد أن هذه الحيوانات تحمي الأعضاء الداخلية للمتوفى، التي كان يجري وضعها في الأواني الكانوبية”.
ويضيف الحصري، “كان للكلاب مكانة خاصة في الحضارة المصرية القديمة، وعرفت كثيراً من السلالات، وكانت رفيقه للمصري في الصيد والحراسة، وقد وجدت بعض الكلاب محنطة ومدفونة مع أصحابها في بعض المقابر دليلاً على مكانتها وأهميتها، كما ظهرت في كثير من النقوش بصور مختلفة على الآثار المصرية القديمة”.
شهرة واسعة حصل عليها الكلب بوكا الذي ظهر في فيديو متسلقاً الهرم الأكبر
تغيرت العصور وتعاقبت الأجيال وبقيت سلالات الكلاب المصرية ذاتها، وإن اختلفت النظرة إليها، والتعامل معها، فاختفى أنوبيس وأصبح الكلب هو رفيق المصريين في الصيد والحراسة وأحياناً في البيوت مع محبيها.
في العصر الإسلامي كان الكلب المصاحب لأهل الكهف هو الأشهر باعتباره مرتبطاً بقصة ذكرت في القرآن، واختلف الناس في تقبلهم للكلاب، فالبعض تعامل معها بصورة عادية باعتبارها من مخلوقات الله، بينما آخرون اعتبروها رفيقة في الصيد والحراسة، لكن لم يرحبوا باقتنائها في البيوت، لاستنادهم إلى بعض الفتاوى، التي تتبنى هذا الاتجاه.
غير أنه مع ازدهار العصر الإسلامي أولى بعض الحكام الكلاب عناية فائقة، لاستخداماتها المتعددة في الحراسة والصيد والأغراض المختلفة، فبنى بعضهم الأسبلة التي كان يوضع فيها الماء لحيوانات الطريق، ومن بينها الكلاب، وعني آخرون باستقدام المدربين لتدريبها وتأهيلها للقيام بدورها على أفضل وجه، وبعض الحكام كانت كلابهم تعيش في ترف بالغ حتى إنه يذكر أن يزيد بن معاوية كانت يلبس كلابه أساور من ذهب.
وفي مصر، تحديداً في عصر المماليك ظهرت وظيفة الكلابزية، ولغوياً الكلابزي هو خادم الكلاب، وكان يطلق حينها على الشخص الذي يتولى تربية الكلاب وبيعها، وعلى الأشخاص المنوط بهم الاهتمام بكلاب الصيد عند السلاطين والأمراء.
حقوق الحيوان
في السنوات الأخيرة أصبح هناك تنامٍ في نشر الوعي بحقوق الحيوان، وانتشرت كثير من المبادرات والجمعيات التي تعنى بهذا الأمر في مصر، وظهر كثير من النشطاء الذين يعملون على نشر الوعي ودعم النشاطات المختلفة المتعلقة برعاية الحيوانات، ومن بينها الكلاب.
وعلى رغم أن هناك تنوعاً كبيراً في الكلاب الموجودة في مصر، سواء التي يقتنيها محبوها في المنازل أو التي تستخدم في الحراسة وغيرها فإن الكلب الأشهر في مصر هو الذي يراه الناس بصورة يومية في الشوارع ويطلق عليه الكلب البلدي.
ومن الظواهر اللافتة أنه في معظم الأحياء حالياً نجد بعض الأشخاص أصبحوا مهتمين بالكلاب الموجودة في الشوارع، إذ يوضع الطعام لها بصورة دورية أو رعايتها والاهتمام بتطعيمها باعتبارها جزءاً من المكان.
تقول دينا ذو الفقار، الناشطة في مجال حقوق الحيوان، “هناك نوعان من الكلاب الأول هو البري، وهو لا يعتمد على الإنسان، ويعيش في الموائل الطبيعية، والنوع الثاني هو المستأنس وهي الكلاب التي تعيش حيث يوجد الإنسان، وتعتمد عليه كلياً، وهي الكلاب التي نجدها في التجمعات السكنية ويطلق عليها بالخطأ الكلاب الضالة، فهي مستأنسة وليست ضالة، وتعيش في تجمعات تراوح ما بين ثلاثة وسبعة كلاب بهدف الحماية”.
تتفاوت الظروف التي تعيش فيها الكلاب في مصر ما بين أوضاع شديدة القسوة وأخرى مرفهة
وتشير ذو الفقار إلى أن “الكلاب موجودة في مصر منذ آلاف السنين، دخل عليها بعض الاختلافات بفعل تطور السلالات والتغيرات التي تحدث ليتمكن الحيوان من التكيف مع تغيرات البيئة، لكن عندما نشاهد الكلاب المرسومة على جدران المعابد المصرية القديمة نجد أنها لا تختلف كثيراً عن الكلاب التي نراها يومياً في الشوارع ويطلق عليها الكلاب البلدية”.
وتضيف، “في الفترة الأخيرة هناك اهتمام كبير بالكلاب، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، نتيجة التزام مصر بمجموعة من الاتفاقات أصبح هناك تعاون وتنسيق بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني وجمعيات الرفق بالحيوان، إلى جانب وجود حلقات من التواصل مع الأشخاص المعنيين برعاية الكلاب في كل منطقة، من حيث متابعة التطعيمات وتقديم الرعاية بصورة عامة مثل توفير الطعام، وما إلى ذلك، وفي الوقت نفسه توعية المجتمع المحيط بأن هذه الكلاب ليست مؤذية، وأنها جرى تطعيمها، وفي بعض الأحيان تعقيمها”.
وتستكمل، “هناك أشياء لا بد أن يراعيها من يقوم برعاية الكلاب في أي منطقة سكنية، ومن بينها وجود أشخاص تخشى الكلاب، أو لا تتقبل التعامل معها، فيجب مراعاة بعض الأشياء مثل عدم وضع الطعام في مداخل المنازل، وعدم احتضان الكلاب أو التعامل معها بحميمية شديدة حتى لا يثق الكلب في الإنسان بصورة كاملة، وقد يفعل الشيء نفسه مع شخص آخر دون قصد فيتسبب في حدوث حالة من الهلع لهذا الشخص”.
وتتفاوت الظروف التي تعيش فيها الكلاب في مصر ما بين أوضاع شديدة القسوة وأخرى مرفهة، ففي السنوات الأخيرة إلى جانب انتشار الشتلرز التي تهتم بإنقاذ الكلاب التي تتعرض لأخطار أو إصابات في الطريق بتقديم الرعاية بكل أنواعها، ظهرت فنادق للكلاب توفر خدمات خمس نجوم، إذ تستضيف الكلب وتوفر له إلى جانب الرعاية الصحية نوعيات مختلفة من الطعام الجاف والطازج، وتضم حمام سباحة وخدمات التمشية والنزهة للترفيه عن الكلب إلى جانب الاستحمام، وتوفير خدمة تهذيب الفراء وقص الأظافر.
وهذه التجربة المرفهة التي قد يتمكن قليل من الناس من توفيرها لكلابهم تتناقض مع أوضاع أخرى تعانيها بعض الكلاب، وآخرها ما أثير في الأيام الأخيرة عن قيام كلية الطب البيطري بالقاهرة بتعذيب الكلاب والتعامل بصورة غير علمية عند استخدامها في إجراء بعض التجارب العلمية ليطالب البعض بإحالة عميدة الكلية إلى التحقيق، واتخاذ إجراءات صارمة لضمان عدم تكرار هذا الأمر، وفق ما نشرته صحف محلية.