حرية ـ (2/11/2024)
أحمد الحمداني
الصراع، كظاهرة عميقة الجذور، يعد واحدًا من أكثر القضايا تعقيدًا في الدراسات الاجتماعية. يعود تعقيدها إلى تداخل العوامل التي تؤدي إلى ظهورها وتنوع مصادرها، مما يجعلها موضوعًا شائكًا، خصوصًا في منطقة الشرق الأوسط، التي أصبحت ساحة لتنافس القوى الكبرى، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. هذه الديناميكيات تثير الخلافات البينية وتعمل على طائفية الصراعات السياسية، مما جعل من الخلاف السني الشيعي أحد أبرز أدوات الصراع وأهم وسائل التعبئة الجماهيرية، بالإضافة إلى كونه وسيلة لتقسيم المنطقة واستنزاف القوى السياسية المتصارعة.
في هذا الإطار، تعتبر إيران قوة إقليمية تسعى لتكون مركزًا للشيعة، مستندة إلى مجموعة من المقومات الحضارية والسياسية والعسكرية. من جهة أخرى، تتمتع كل من تركيا والمملكة العربية السعودية بمقومات تجعلهما محوريتين للسنة في المنطقة. رغم أن المذهب السني هو الأغلب في إيران، إلا أن غياب قوة إقليمية موحدة لمواجهة الطموحات الإيرانية جعل المملكة العربية السعودية وتركيا تُعتبران دولتين رئيسيتين قد تعيقان هذه الطموحات. تنظر إيران إلى النفوذ السني باعتباره تهديدًا للأمن والسلم الإقليمي والدولي، مما أدى إلى نشوب صراعات مباشرة وغير مباشرة بين الدول لأسباب جيوسياسية واجتماعية واقتصادية وفكرية، حيث أصبح العامل المذهبي أحد أهم هذه العوامل.
تعد النظرية الإمامية الاثنا عشرية وولاية الفقيه من المحركات الرئيسية للمد الإيراني، وهما من أبرز أسباب الخلاف السني الشيعي. إذ يرى الشيعة أن الحكم هو جزء من أصول الدين، بينما يعتبر السنة أن الحكم يتبع الاجتهاد البشري وفق القيم الإسلامية العامة.
رغم أن الدولة الحديثة ساهمت في تقليل الأعباء السياسية المذهبية، فإن الفكرة السياسية الشيعية لا تزال تهيمن على النظام الإيراني بفضل ثقلها التاريخي والجغرافي والعرقي. ورغم أن العامل المذهبي يُستخدم كأداة في الصراع، فإنه يظل وسيلة لأهداف سياسية أكبر. التاريخ نفسه يظهر أن العلاقة بين المذهبين في جوهرها كانت تواصلًا وليس قطيعة، وأن الأسباب السياسية غالبًا ما كانت وراء الفجوات التي حدثت عبر الزمن، مع التعبير عنها غالبًا بصيغ دينية ومذهبية. لذا، يُعد وصف الصراع القائم بأنه سني شيعي تجوزًا، حيث إن العوامل السياسية هي التي تحركه أكثر من كونه صراعًا مذهبيًا خالصًا.